مشكلة سياسيينا هو انهم لا ينزلون للحوار الا تحت الضغط، مما يعني ان خطابات الحكامة و التشاركية و الحوار الاجتماعي التي يتغنون بها ليست سوى شعارات جوفاء، و لعل قضية الاساتذة المتدربين آخر دليل يمكن ان نستشهد به في هذا الصدد، بعد ستة اشهر من النضالات التي خاضتها هذه الفئة، لم تواجه الا بالتعنت و الاذان الصماء، و العنف المبالغ فيه في احيان كثيرة، لكن صمود هذه الفئة و تشبتها بمطالبها ارغم الحكومة على النزول للحوار، و لو حوار شكلي في البداية يحمل في طياته الكثير من المناورات، لتغلقه الحكومة في بابهم، لكن هذا لم يثنيهم على المضي في احتجاجاتهم، لتفتحه من جديد تحت وطأة الضغط و الذي كانت تمارسه امكانية تجسيد آخر خطوة نضالية في البرنامج الثامن للتنسيقية الوطنية للاساتذة المتدربين، هذه الخطوة و المتمثلة في انزال وطني مفتوح، كانت كفيلة لتجعل رئيس الحكومة –المتعنت و الذي اقسم بعدم تراجعه عن قراره- الى مسارعة الزمن من اجل الحول دون تجسيد هذه الخطوة النضالية التي كانت ستكون ضربة موجعة لما تبقى من ولايته الحكومية، و ذلك بفتح حوار يبدو اكثر جدية لطي هذا الملف ربما بشكل نهائي، بتشكيل لجنة تقنية و عقد مجموعة من الجلسات التفاوضية مع تمثيلية الاساتذة المتدربين، ليخرجوا في آخر جلسة بتوافقات دونت في محضر اجتماع مشترك. ما يجعل مجموعة من الاساتذة المتدربين غير واثقين في المحضر الاخير و من ثمة في "الدولة" و طرحهم لمجموعة من علامات الاستفهام ازاء محضر الاجتماع الاخير الذي قدم حسب الكثيرين -من الاساتذة المشاركين في المبادرة و كذا النقابيين- مجموعة من الضمانات لحل الملف، من بينها امضاء عقدة الثمان سنوات مع محضر الالتحاق بالمراكز في الايام الاولى التي سيستانف فيها الاساتذة المتدربون التكوين، و كذا اصدار مقرر وزاري في اجل لا يتعدى 6 ماي 2016 لتطبيق مقتضيات محضر الاجتماع المشترك، بين لجنة الحوار الممثلة للاساتذة المتدربين، و النقابات، و مبادرة المجتمع المدني التي دفعت بحل توظيف الفوج دفعة واحدة كارضية للنقاش، و كذا لجنة تقنية تشمل الوزارات ذات الصلة بالملف، فرغم ما خرجت به الجلسة الاخيرة من توافقات حول المنحة كذلك و مجموعة من الحيثيات الاخرى، تبقى ثقة البعض ان لم نقل مجموعة من الرافضين متململة الى تشاؤم و توجس، و ليس من وراء ذلك مشكلا قانونيا بقدر ما هو في اعتقادنا سيكولوجي، و يتمثل في ان الكثير من المغاربة و ليس فقط الاساتذة المتدربون لا يثقون في "الدولة" ازمة الثقة هاته تولدت عن تجارب سابقة، فالاستاذ المتدرب الذي مازال يرفع شعار لا ثقة الا في الوثيقة، يضع امامه تجربة محضر 20 يوليوز التي تنكرت لها الحكومة الحالية، و هذا جرح نفسي سيظل في لاشعور المغاربة الى ان يثبت العكس، و خاصة اصحاب الشهادات العليا منهم، ليتجلى مشكل اكبر بكثير من خوصصة التعليم او المرسومين، نحن هنا نتحدث عن عدم الثقة في الدولة و القوانين التي تسن و تخرق و يتم التحايل عليها، بدعوى احترام القانون او هبة الدولة، ليضيع الحق بين الحلول المقترحة لطي الملفات بمنطق لا غالب و لا مغلوب، فمن يخدم الآخر القانون ام المواطن؟ و من له اسبقية؟ هنا مربط الفرس... ربما الاجابة عن سؤال من هذا القبيل في ظل المشهد السياسي الراهن تستدعي منا استعادة الثقة في الدولة اولا و لنستعيد الثقة، علينا ان نحترم القانون، و لنحترم القانون علينا الوصول الى روح القوانين بدل الحديث عن صياغات فضفاضة و اصلاحات دستورية، لا تزال حبيسة الورق...