ما إن انتهت صلاة العشاء من ليلة عيد الأضحى حتى بدت حركة غريبة في أحياء مدينة اليوسفية حيث انتشر شبابها بحثا عن فضاءات لممارسة إحدى المهن الموسمية المرتبطة ارتباطا وثيقا بعيد الأضحى، والتي يتخصص في إنجازها المعطلون وأجراء الدخل المحدود، محدثين في ذلك حفرا موزعة على شكل مجموعات لشي رؤوس الأضاحي وقوائمها، بعد إتمامهم لعملية جمع الحطب والخشاش من غابة العروك تأهبا ليوم سيجود به الله عز وجل علينا من كرمه من خلال تعاون السكان مع هؤلاء الشباب، يعلّق عبد الرحيم أحد المعطلين اليوسفيين الذي دفعته الحاجة إلى امتهان هذا العمل الموسمي بغية الحصول على مدخول يغطي به حاجياته الشخصية بعيدا عن استجداء الأقارب والأصحاب. بعد نصف ساعة من انصراف المصلين من مصلى العيد، عجت فضاءات الأحياء بأصوات تقطيع أغصان الأشجار وقرون الأكباش وتصاعدت في أجواء السماء أدخنة النار الملتهبة نتيجة "التشواط" وإزالة الحوافر. حرفة ظلت احتكارا على "الفرناتشي" قبل أن يتنازل هذا الأخير اضطرارا وليس اختيارا لفائدة من يحترقون يوما بعد يوم جراء البطالة اللعينة وضيق ذات اليد، وكأن رجل الحمام الأول أدرك خطورة الظاهرة اجتماعيا واقتصاديا ليرفع يده عن شرف المنافسة. محمد كان صريحا معنا حين أقرّ بأنه كائن موسمي يتقلب مع الزمان والمكان قصد جلب مال حلال يقيه ألم العوز وظلم السنين، غير أنه في نفس الوقت لم يُخف نشوته وهو يتحدث عن الاعتماد على النفس وعدم الاتكال على الغير، مبرزا أن سلبية اتكالية الإنسان وكسله عن قضاء مصالحه ومباشرة شؤونه بنفسه بعيدا عن مد اليد واستجداء الناس، خاصة في عصر طغت عليه المادة وعبادة المادة.
سعيد موظف ومستقر عائليا وجدناه ينحني على حفرة "التشواط" إلا أن دافعه كان رشم رأس أضحيته اجتنابا لأي خلط محتمل، فسألناه عن سبب قصد الشباب، ليجيب غير متردد بأنه يتعاون مع أبناء حيه، إضافة إلى منح زوجته مساحة زمنية لإنجاز أشغال البيت المكثفة وإعفائها من مهمة تؤرق سيدات المنازل.