مِثْلَمَا يُبْدِعُ الشباب قُبَيل العيد في إيجاد مِهنٍ مَوسِمية ومُؤقتة لإنعاش جُيوبهم والرَّفعِ من مَدْخولِهم، تظهر يوم عيد الأضحى مِهَنٌ أخرى مُباشَرةً بَعد نَحْرِ الأضاحي وسَلْخِها، وفي مُقدمتها شي أو مايعرف ب"تشواط" الرؤوس والقوائم بشكل جماعي وسط الأحياء السكنية مُقابل مبالغ مالية مُتفاوتة. ابراهيم الذي احْتَرَفَ هذه المهنة منذ ثمانية عشر عاماً وسط مدينة خريبكة رُفقة أصدقائِه ومُعاوِنيه، أَوْضح لهسبريس أن الاستعداد لعملية "التشواط" يَبْدَأُ قبل يوم العيد بيومين أوثلاثة، حيث يتم جَمْعُ كميات مهمة من الخشب والصناديق والمتلاشيات القابلة للاحتراق. ثمن تشواط الرأس الواحد غير محدد وتبقى لكل زبون حُرية اختيارِ المُقابل الذي يكون على شكل مبلغ من المال يتراوح بين 20 و50 درهما، أو بتقديم جِلْدِ الأضحية، وأحيانا يكتفي الزبون بقول "الله يَرْحَمْ الوالدين" ويذهب إلى حال سبيله دون أن يجد اعتراضا من ابراهيم ورِفَاقِهِ ومُعاوِنيه. العملية التي تبتدئ من الساعة التاسعة صباحا وتنتهي قُبيل مغرب الشمس حسب تصريح ابراهيم، يَتِمُّ خلالها تشواط أكثر من ثلاث مئة رأس من الأغنام والماعز والأبقار، وجَنْيُ ما يناهز ثلاثة آلاف درهم نقدا، وجَمْعُ عدد من "البْطانات" التي يتم بيعها لاحقا، وهو مدخول وصفه ابراهيم بالممتاز رغم اقتسامه مع باقي المشاركين. وعن الحوادث التي يَتَعَرَّضُ لها العاملون، فقد أوضح مُتحدثنا أن العملية لا تخلو من حُرُوقٍ من الدرجة الأولى على مستوى الأيادي، وتَطايُرِ بعض الشرارات البسيطة على الوجه، لكنها تبقى خفيفةً وغير ذات خطورة ولا تدعو إلى القلق، حيث اعتاد الشباب على هذه الوضعية منذ سنوات. في السنوات الأولى، كان الشباب يَجُوبُون الأحياء ويَطْرُقون أبواب المنازل يَسْتعطِفون السكان من أجل منحهم رؤوس الأضاحي لحرق صوفها وفصل قرونها، أما الآن فقد أصبح لهم زبناء أوفياء يأتون أحيانا من أماكن بعيدة وانتظار دورهم في "تشواط" رؤوس أضاحيهم. التشواط لا يقتصر على حرق الرؤوس والقوائم فقط، بل يتجاوز ذلك إلى حك الرماد وقطع القرون وإزالة الصوف من الأماكن التي لم تصلها ألسنة النار، فلا يَأخذ الزبون سِلْعَتَه حتى تصير على الهيئة المطلوبة حتى لو تطلب الأمر ساعات من العمل المتواصل. السُّلْطة المَحَلية في خريبكة وغيرها من المدن لا ترى أي إشكال في مُزاولة الشباب لهذه المهنة المُؤقتة، خصوصا في غياب حوادث خطيرة أو أضرار جسيمة في صفوف المواطنين أو الممتلكات الخاصة والعامة، إضافة إلى عدم توصلها بأية شكايات حول الموضوع، الشيء الذي يجعلها تَغُضُّ الطَّرْفَ عَنْ هذه المَحْرَقَة وسط الشارع العام. أحد الجيران صرح لهسبريس أَنَّ سكان الحي يتعاطفون مع الشباب بشكل كبير رغم ما تخلفه هذه العملية من أوساخ ودُخان، على اعتبار أن السكان المجاورين هم المستفيدون في النهاية من هذه المبادرة التي أعفتهم لسنوات طويلة من مشقة "تشواط" رؤوس الأضاحي داخل المنازل. كما أضاف الجار أن شباب الحي استطاعوا كَسْبَ ثِقَة الجيران بتنظيف المكان بعد انتهائهم من مهامهم، الشيء الذي أعطاهم رخصة سنوية غير مباشرة لمزاولة مهامهم وسط الحي السكني، في الوقت الذي يُمْنَعُ فيه شَبَابٌ آخرون في الأحياء المُجاورة لأسباب مرتبطة بمخلفات العملية. سَيِّدَةٌ أخرى قَدِمَتْ إلى عين المكان تحمل رأسَ خروف، صرحت لهسبريس أن ما يقوم به هؤلاء الشباب لا يَعْرِفُ أَهَميته وقِيمَتَهُ سوى النساء اللواتي كُنَّ يَتَكَبَّدْنَ عَنَاءً كبيرا للقيام بتشواط الرؤوس باستعمال قنينات الغاز داخل المطبخ أو على سطح البيت، مُضيفَةً أن الشباب "فَكُّونَا من تَمَارَة مُقابل دراهم مَعْدودَة".