بدأ حجاج بيت الله الحرام منذ شروق شمس اليوم التاسع من ذي الحجة التدفق إلى صعيد عرفات لأداء ركن الحج الأعظم وهو الوقوف بعرفة بعد أن قضوا في مشعر منى يوم التروية . ويوم عرفة من أيام الله تعالى شرفه الله وفضله بفضائل كثيرة نذكر منها: أولا: أنه أفضل الأيام: لحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضل الأيام يوم عرفة)) رواه ابن حبان. وروى ابن حبان من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الْأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ)) وفي رواية: ((إنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَةَ مَلَائِكَتَهُ، فَيَقُولُ: يَا مَلَائِكَتِي، اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي، قَدْ أَتَوْنِي شُعْثا غُبْرا ضَاحِينَ)). ثانيا: أنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة: روى البخاري بسنده: قالت اليهود لعمر إنكم تقرءون آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيدا فقال عمر :إني لأعلم حيث أنزلت، وأين أنزلت وأين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت: نزلت يوم عرفة إنا والله بعرفة قال سفيان: وأشك كان يوم الجمعة أم لا: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينا” (المائدة3). وإكمال الدين في ذلك اليوم حصل لأن المسلمين لم يكونوا حجوا حجة الإسلام من قبل فكمل بذلك دينهم لاستكمالهم عمل أركان الإسلام كلها، ولأن الله أعاد الحج على قواعد إبراهيم عليه السلام، ونفى الشرك وأهله فلم يختلط بالمسلمين في ذلك الموقف منهم أحد. وأمام إتمام النعمة فإنما حصل بالمغفرة فلا تتم النعمة بدونها كما قال الله تعالى لنبيه “لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ” (الفتح2). ثالثا: إنه يوم عيد: فعن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب” رواه أبو داود. رابعا: أن صيامه يكفر سنتين: قال النبي صلى الله عليه وسلم “صيام يوم عرفه أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” رواه مسلم. خامسا: أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار: عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء” قال ابن عبد البر وهو يدل على أنهم مغفور لهم لأنه لا يباهي بأهل الخطايا والذنوب إلا بعد التوبة والغفران. الأعمال المشروعة فيه: ويشرع في يوم عرفة بعض الأعمال التي سنها لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم.. فمن ذلك: أولا: الصيام: فقد ورد أن صومه يكفر الله به السنة الماضية والباقية، والمراد بذلك تكفير صغائر الذنوب، فقد روى أبو قتادة، قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال: ((صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ))، فيستحب صيامه لغير الحاج، أما الحاج فلا ينبغي أن يصومه حتى يتقوى على الوقوف وذكر الله تعالى، وهو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار، والمباهاة بأهل الموقف، كما في صحيح مسلم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ)). ثانيا: الإكثار من الذكر والدعاء: قال النبي صلى الله عليه وسلم “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير” رواه أصحاب السنن. ثالثا: التكبير: وقد ورد بصيغ متعددة كلها يفي بالمطلوب منها : الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله .. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد والأمر في التكبير واسع كما قال أهل العلم والمطلوب إقامة ذكر الله في ذلك اليوم والإكثار منه. رابعا: الدعاء فإن موقف عرفة من المواقف التي ينبغي للمسلم أن يعتني بالدعاء فيها بجد وإخلاص، فيدعو بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وبغيره، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وفي الموطأ عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وروى الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. والحديث حسنه الألباني. ومما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء في هذا اليوم ما روى الترمذي عن علي بن أبي طالب قال: أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في الموقف اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيرا مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي ولك رب تراثي، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما يجئ به الريح. قال هذا حديث غريب من هذا الوجه وليس إسناده بالقوي، قال النووي في المجموع بعد أن ذكر هذا الحديث: وحديث عمرو بن شعيب المتقدم، وإسناد هذين الحديثين ضعيف. لكن معناهما صحيح، وأحاديث الفضائل يعمل فيها بالأضعف كما سبق مرات، ويكثر من التلبية رافعاً بها صوته ومن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن يأتي بهذه الأذكار كلها فتارة يهلل وتارة يكبر وتارة يسبح وتارة يقرأ القرآن وتارة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وتارة يدعو وتارة يستغفر ويدعو مفرداً، وفي جماعة وليدع لنفسه ولوالديه ومشائخه وأقاربه وأصحابه وأصدقائه وأحبائه وسائر من أحسن إليه وسائر المسلمين، وليحذر كل الحذر من التقصير في شيء من هذا، فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره. وينبغي أن يكرر الاستغفار والتلفظ بالتوبة من جميع المخالفات مع الندم بالقلب، وأن يكثر البكاء مع الذكر والدعاء، فهناك تسكب العبرات وتستقال العثرات وترتجى الطلبات، وإنه لمجمع عظيم وموقف جسيم يجتمع فيه خيار عباد الله الصالحين وأوليائه المخلصين والخواص من المقربين، وهو أعظم مجامع الدنيا، وقد قيل إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفر لكل أهل الموقف، إلى أن قال: ومن الأدعية المختارة: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً كبيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني رحمة أسعد بها في الدارين وتب علي توبة نصوحاً لا أنكثها أبداً وألزمني سبيل الاستقامة لا أزيغ عنها أبداً، أللهم انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة، واكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك، ونور قلبي وقبري، واغفر لي من الشر كله، واجمع لي الخير، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم يسرني لليسرى وجنبني العسرى، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، أستودعك مني ومن أحبابي والمسلمين أدياننا وأماناتنا وخواتيم أعمالنا، وأقوالنا وأبداننا وجميع ما أنعمت به علينا. انتهى.