أضحى موقع "يوتيوب" ملجأ العديد من الشباب المغاربة، الذين يُقدّمون عبره برامج يتناولون فيها ملامح من الواقع السياسي والاجتماعي القائم في البلاد، بأسلوب ساخر وسَلس. وفيما واصل البعض عرض برامجهم عبر حلقات تبث بوتيرة متواصلة، فإنّ تجارب بعض الشباب المغربي، توقفت لأسباب تتعلق أساساً بقلّة الإمكانيّات وضعف التشجيع. أحد الذين صمدوا في التجربة، هو شاب يُدعى محمد بركة يبُثّ بركة حلقات متتابعة يطرح من خلالها رؤيته للأوضاع الاجتماعيّة. ويقول إنّ أعماله التي يقدمها بطريقة 3D تتضمن نظرته لعدد من الظواهر الاجتماعية السلبيّة، مثل الشعوذة، وتعاطي المخدرات والشيشة (النرجيلة) من قبل الشباب الصغار. ولا يدّعي بركة ، أنّ ما يقدمه على "يوتيوب" هو عمل فني متكامل ومحترف، بل يعتبر أنّه "مساهمة عمليّة بسيطة منه لإصلاح أوضاع بعض الشباب المغربي". ويستعين الأخير بملاحظات وانتقادات متابعيه ليُصلح مكامن النقص في أعماله. وتعد الشابّة نفيسة الهواري، من أوائل المغربيّات اللواتي اقتحمن هذا المجال. تلتزم الهواري، في برنامجها "عسل مر" على الموقع، بمناقشة مواضيع سياسيّة واجتماعيّة، تتمتّع بالجرأة والسخرية معاً، لكن في ظلّ الالتزام باحترام خصوصيّات الآخرين، كما تقول. وتُرجع الهواري، سبب لجوئها إلى الفضاء الإلكتروني، إلى "عجز البرامج التلفزيونيّة في القنوات المغربية عن مواكبة المشاكل المطروحة بأسلوب جرئ وجذاب، فضلاً عن المتابعة الكثيفة التي يحظى بها "يوتيوب" لدى ملايين الشباب بمختلف فئاته". شاب مغربي آخر انطلق في هذا المجال، أيضاً، هو محمد تسولي يُقدّم تسولي على "يوتيوب"، برنامجه السياسي الساخر تحت اسم "التسوليزم". ويحاول تسولي السير على خُطى الإعلامي المصري الساخر، باسم يوسف، لكن بأسلوب مغربي، وإمكانيات تقنية محدودة، تحدّاها تسولي ليحصد برنامجه نجاحاً ملحوظاً. يرتبط إقبال الشباب المغربي على إنجاز برامج ساخرة عن الواقع، عبر "يوتيوب"، بعوامل متداخلة. ويقول الخبير في مجال الإعلام والاتصال، محجوب بنسعيد، إنّ "الوعي بالمشاكل الاجتماعية والبحث عن الحلول، ولو على مستوى النقد الموجه للمسؤولين عن الشأن العام، من خلال استثمار وسائل الاتصال الحديثة وتوظيفها لهذا الغرض، هو أحد هذه العوامل". وبحسب بنسعيد، يتعلّق الأمر أيضاً "بدوافع سيكولوجية ذات صلة بالتنفيس عن الضغوطات، من خلال التعبير المنفلت من القيود والمتاح عبر الشبكة، ومواكبة الشباب المغربي للموجة العالمية المتطورة المتعلقة بتوظيف "يوتيوب" في إطار ما يسمى ب"صحافة المواطنة"، كما أضاف في حديثه ل"العربي الجديد". ويعزو بنسعيد، وهو أيضاً رئيس قسم الإعلام في منظمة ال"يونسكو"، متابعة جمهور عريض لهذه البرامج إلى إمكانيّة تفاعله معها والتعليق عليها. كما يُشير إلى أنّ "لجوء الشباب المغربي إلى "يوتيوب" للسخرية من الواقع ومن رجال السياسة، هو نتيجة غياب الفضاءات التقليديّة التي تسمح بالتعبير عن هذه السخرية، أو حتى غياب الترخيص لممارسة هذا النوع من التعبير في السخرية والنقد المُوجّه للمسؤولين".