يحيي الشعب المغربي ومعه نساء ورجال الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير وساكنة مدينة مكناس العريقة في ثاني شتنبر من كل سنة، في أجواء طافحة بالحماس الوطني والتعبئة المستمرة الذكرى 77 لانتفاضة ماء بوفكران البطولية التي جسدت معلمة مضيئة ومحطة وازنة في مسار ملاحم الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال. وقد اندلعت انتفاضة ماء بوفكران في مستهل شهر شتنبر من سنة 1937 عندما اصطدمت ساكنة مكناسة الزيتون بغلاة المستوطنين والمعمرين المتطاولين على مياه هذا الوادي . فكانت تلك المعركة الحاسمة التي خاضتها الحركة الوطنية بالعاصمة الإسماعيلية لتنذر الاحتلال الاجنبي باستمرار روح النضال وصمود المغاربة في الدفاع عن وطنهم ومقدراته وخيراته وسيادته، وبأن الإجهاز على المقاومة بجبال الأطلس والجنوب المغربي في أواخر سنة 1934 لم يكن يعني استسلام المغاربة للأمر الواقع. وذكرت المندوبية السامية للمقاومة واعضاء جيش التحرير أن المناضلين أصروا على سلوك خيار جديد بنقل المعركة من الجبال والأرياف إلى المدن والقرى، والانتقال من أسلوب المواجهة المسلحة المتفرقة إلى مرحلة المقارعة السياسية الواعية، وتعبئة الجماهير الشعبية منذ منتصف الثلاثينات بالعديد من الحواضر المغربية إلى حين انتهاء عهد الحماية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال. لقد تضافرت عدة عوامل لاندلاع هذه الأحداث أو ما عرف ب "معركة الماء لحلو" أبرزها إقدام السلطات الاستعمارية على تحويل جزء من مياه وادي بوفكران وحصره على المعمرين لتستفيد منه ضيعاتهم، وكذا المرافق المدنية والعسكرية الفرنسية بالمدينةالجديدة في وقت كانت فيه حاجة السكان إلى هاته المياه متزايدة. حدث هذا في بداية تبلور الوعي الوطني عند ثلة من الوطنيين المكناسيين الذين كانوا على اتصال دائم بقيادة الحركة الوطنية في أهم المدن المغربية وخاصة بفاس، فاستشعر هؤلاء الوطنيون تذمر السكان من جراء النقص الحاصل في المياه التي تتزود بها المدينة وأحياؤها الشعبية العتيقة وخاصة أن الأمر يتعلق بمادة حيوية. وكان هذا الوضع الاجتماعي حافزا لشحذ همم وعزائم المواطنين وإلهاب حماسهم لخوض غمار المواجهة المباشرة مع قوات الاحتلال الاجنبي في بداية شهر شتنبر 1937 بعد إصدار السلطات الاستعمارية لقرار وزاري في 12 نونبر 1936، ونشره بالجريدة الرسمية عدد 1268 بتاريخ 12 ابريل 1937 لتوزيع ماء وادي بوفكران بين المستوطنين المعمرين وسكان المدينة، وإحداث لجنة لتنفيذ هذا القرار في 12 فبراير 1937. وقد ترتب عن هذه الوضعية انعكاس سلبي وتأثير قوي في تفاقم أحوال ساكنة مكناس لاسيما وان المجتمع المكناسي كان يعيش ظرفية صعبة متمثلة في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي مست مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية مع تسلط الادارة الاستعمارية في فرض ضرائب مجحفة، وحرمان السكان والتنكيل بهم وتهجيرهم من المدينة القديمة إلى المدينةالجديدة بغية الاستحواذ على أجود الأراضي الخصبة بنواحي المدينة.