إذا كان الحب و الإرتباط بين الرجل و المرأة ظاهرة طبيعية و جد عادية في كل مجتمعات العالم ، و إذا كان الزواج حاجة إنسانية ضرورية و حرية شخصية يملكها كل من الرجل و المرأة التي يُوحِّدهما الحب و الرومنسية مهما اختلفت دياناتهم و عقائدهم و حتى جنسياتهم فإن الأمر ليس كذلك في مجتمع كالمجتمع الإسرائيلي. فالزواج المختلط هناك يخضع للكثير من التعقيد و ليس أبدا بتلك السهولة و التلقائية. و يثير زواج اليهود بأشخاص من خارج ديانتهم لغطا و جدلا كبيرا و بات يقسم المجتمع الإسرائيلي بشدّة مابين مؤيد و معارض. و تتسم قوانين الزواج في "إسرائيل " بكثير من الخصوصية و تطغى عليها الصبغة الدينية و العقائدية بشكل كبير خصوصا و أن قوانين الدولة العبرية لا تبيح الزواج المدني و لا تعترف به إلاّ لمن لا ديانة له، بل و تشترط أن تتم مراسيم الزفاف في مؤسسة دينية معترف بها. يختلف موقف الدين اليهودي في إسرائيل من الزواج المختلط باختلاف طوائفه. حيث نجد مثلا أن طائفة اليهود الأرثودوكس ترفض بشكل مطلق هذا النوع من الزواج و تُحَرّمُه، بينما تجيزه الطائفة اليهودية المحافظة بشرط / أو على أمل أن يتهوَّد الزوج أو الزوجة، رغم أنها بدورها لا تُشجِّعه ، فيما يبيحه اليهود الإصلاحيون و لا يضعون أية قيودٍ عليه. بالبحث في تاريخ الزواج المختلط في إسرائيل نجد أنّ هناك العديد من النماذج التي اصطدمت بالعراقيل التي تضعها القوانين الإسرائيلية بوجه هذا النوع من الزيجات، حيث يتحتم على الحبيبان أو الراغبين في الزواج من المختلفين عقائديا أن يختارا الإحتفاظ بعلاقتهما في طي الكتمان و يعيشان حياة زوجية مغلّفة بالسرية أو البحث عن طرق بديلة من أجل تمكينهم من عقد قرانهم بشكل شرعي و قانوني و الخروج به إلى بر الأمان و تحت ضوء الشمس ، حيث تبقى أهم هاته الطرق هي الزواج خارج إسرائيل . و قد أوردت التقارير الإحصائية الأخيرة للحكومة الإسرائيلية أن ما يناهز عشرة آلاف شخص يسافرون سنويا إلى خارج إسرائيل من أجل عقد قرانهم.
صورة الزوجين " فدان " و "فاليري فلتمان" : فدان وفاليري فيلتمان" زوجان ينتميان إلى ديانتين مختلفتين، فالزوج يهودي و الزوجة مسيحية، و رغم أنّهما أحبَّا بعضهما و قرّرا الإرتباط بكل حرية إلاّ أن السلطة الدينية في إسرائيل رفضت ذلك الزواج، فقررا إقامة عرسهما في المكسيك هربا من القوانين التي تقيّدهما في إسرائيل، و صرّح "فدان فيلتمان" في تعليقه على ذلك القرار بالقول : "بالنسبة لي كان الأمر بمثابة اتخاذ النظام الديني اليهودي في إسرائيل قرارا بالنيابة عني لأكون مع زوجتي". فيما اعتبرت زوجته "فاليري" أن رفض رجال الدين في إسرائيل لقرار زواجهما تعسفا لا مبرر له. نموذج آخر يجسده هذه المرة الشاب العربي المسلم "إبراهيم" و هو ابن أحد الأحياء العربية في القدس ، أحب ابراهيم فتاة يهودية تُدعى "كيرن" تسكن في نفس الحي. تمسّكت "كيرن " بديانتها اليهودية و قالت أنها لا تجد أي حرج في الزواج من مسلم طالما أنها مقتنعة به و طالما أن اختلاف ديانتيهما يبقى أمرا عقائديا و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يؤثر على ارتباطهما و حبهما لبعضهما، و رغم أنّ "ابراهيم" و "كيرن" أحبّا بعضهما بشدّة إلاّ أنهما اصطدما برفض عائلتيهما لأي ارتباط من هذا النوع خصوصا والد "ابراهيم" الذي لا يتصور أن يكون أحفاده من فتاة يهودية لذلك لم تُكتب لعلاقتهما النجاح. صورة الزوجين "فراس حليحل" و "شيرا دهان" : "فراس حليحل" و "شيرا دهان" شابين يعتبران من مشاهير الزواج المختلط في إسرائيل و تعود شهرتهما إلى اشتراكهما في برنامج تلفزيون الواقع "السباق نحو المليون" الذي كان يعرضه التلفزيون الإسرائيلي و الذي تعرّض لحملة تشويه واسعة النطاق من طرف اليمين الإسرائيلي مطالبين بوقفه، و محذّرين الشباب الإسرائيلي من "مغبّة" الإنسياق إلى ما رأوا أنها "أماكن منخفضة" في العلاقة بين اليهود و العرب، و رغم أن كلاّ من "فراس حليحل" المسلم و "شيرا دهان" اليهودية يحملان الجنسية الإسرائيلية و يعتبران مواطنان إسرائيليان إلاّ أن ارتباطهما واجه عاصفة من الإنتقادات غير أنهما لم يستسلما لها و أقاما عرسهما و انتقلا للعيش وسط تل أبيب. صورة المخرج و الممثل الفلسطيني اليهودي "جوليانو خميس" : نموذج آخر لا يقل شهرة عن "فراس و شيرا" هو ذلك الذي يجسِّده الممثل و المخرج اليهودي الفلسطيني " جوليانو مير خميس" و الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية. يعتبر "جوليانو خميس" ثمرة لزواج مختلط بين الناشطة اليهودية "آرنا مير" التي كانت تناضل من أجل حقوق الفلسطينين و "صليبا خميس" ، المناضل والصحفي والكاتب الفلسطيني المسيحي، و الذي كان أحد قادة الحزب الشيوعي الإسرائيلي في الخمسينيات، و المعروف بدفاعه المستميت عن العرب داخل إسرائيل و عن القضية الفلسطينية. كان زواج "صليبا خميس" من " آرنا مير" زواجا روحيا و فكريا غير أن ولدهما "جوليانو خميس" اختار أن يتديَّن بدين أُمه اليهودية، بل و جاهر مفتخرا بذلك حيث كان لا يتردّد في القول عن نفسه: "أنا فلسطيني مئة بالمئة ويهودي مئة بالمئة" قبل أن يتم اغتياله أمام مسرحه في مخيم "جنين" للاجئين من قبل مجهولين. صورة لمكان واقعة الإغتيال : و إذا كانت قصص زواج اليهوديات بالفلسطينين العرب شائعة و كثيرا ما تظهر للعلن، إلاّ أن زواج العربيات باليهود يبقى من الأمور التي تحاط بتكتم و سرية شديدين خصوصا داخل الأراضي الفلسطينية و إسرائيل، و ذلك راجع للخوف من "الإنتقام" أو ما يعرف عربيا ب "جرائم الشرف" طالما أن زواج المسلمة بغير المسلم يعتبر محرّما بشكل قطعي . لكن الأمر قد يختلف في بعض الأحيان خصوصا إذا ما تعلق الأمر بالعربيات من ديانة مسيحية حيث أنّ هناك أمثلة لا تقل شهرة عن كل ما سبق و يتعلق الأمر هنا بالفلسطينية " هويدا العرّاف" المسيحية الكاثوليكية من أصل فلسطيني، عائلتها تتحدر من بلدة الجليل، انتقل والدها من الكرمل للعيش في "ديترويت" بولاية ميتشيغان بأمريكا حيث وُلدت و ترعرعت هناك.
صورة "هويدا العرّاف" و زوجها "آدم شابيرو" : كانت "هويدا العرّاف" معروفة جدّا في الأوساط الإسرائيلية بدفاعها المستميت عن القضية الفلسطينية فهي ناشطة مع منظمة «بذور السلام» وجمعية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، و سبق و ان اعتُقِلت من طرف الجيش الإسرائيلي قبل أن يتم طردها إلى خارج إسرائيل، حدث ذلك في سنة 2002، شهرا واحدا قبل زواجها من الناشط الإسرائيلي " آدم شابيرو" المزعج بدوره لسلطات الإحتلال . كان "شابيرو" إسرائيليا لادينيا ، و رغما أنه سليل بيت يهودي و من أسرة معروفة بولائها لإسرائيل ، إلاّ أنه اختار طريق الوقوف مع عدالة القضية الفلسطينية و كان من بين الذين اعتصموا مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بمكتبه في "المقاطعة" برام الله بل و تناول معه وجبة الإفطار و هو ما أغضب الإسرائيليين في الداخل و أثار حفيظتهم و جنونهم في الخارج لدرجة تهديد عائلته بالتصفية ما لم يكف عن نشاطاته "المعادية لإسرائيل" . تزوجت "هويدا" من "شابيرو" و عقدا زفافهما بكنيسة كاثوليكية للكلدان المالكيين بضاحية "دويترويت" بينما أبقيا مكان إقامة حفل الزفاف سرّا و ذلك بعد تلقيهم تهديدات من متطرفين يهود، ليستكملا معا مشوارهما في الدفاع عن القضية الفلسطينية و لازالا يُعتبران نموذجا لتوحد الحب و المقاومة. و بالرجوع إلى قوانين الزواج في إسرائيل نجد أن الدولة العبرية قد اجتهدت كثيرا للحدّ من ظاهرة الزواج المختلط ، الأمر الذي آثار موجة من الإستنكار و الانتقادات الصادرة عن المنظمات الحقوقية الإسرائيلية و الدولية و التي رأت في ذلك تضييقا و مصادرة لحق أساسي من حقوق المواطن العربي و الإسرائيلي في اختيار شريك حياته . في سنة 2003 و على عهد حكومة "ارييل شارون"، أجازت الدولة العبرية قانونا تمنع بموجبه الفلسطينيين الذين يتزوجون اسرائيليات من العيش في إسرائيل حيث تم استثناء الفلسطينيين بذلك القانون من الحصول على المواطنة و الإقامة، أما عرب 48 أو من يعرفون بعرب اسرائيل الذين يتزوجون من فلسطينيي الضفة الغربية و قطاع غزة فبات عليهم أن يختاروا ما بين الانتقال إلى العيش خارج إسرائيل أو البقاء مشتتين مفترقين بعيدا عن أسرهم. و بمجرد الإعلان عن مشروع هذا القانون حتى أثار ردود فعل قوية مستهجنة و غاضبة داخل و خارج إسرائيل. فقد أدانت منظمة حقوق الانسان الاسرائيلية (بيتسلم) هذا القانون و قالت عنه على لسان الناطق باسمها "يائيل شتاين" أن: «القانون الذي يسمح بمثل هذا التمييز العنصري و الوقح، على أساس عرقي أو ديني، من الواضح انه يناقض قوانين واتفاقات حقوق الانسان الدولية التي وقّعت على احترامها والالتزام بها إسرائيل» مضيفة أنَّه «قانون عنصري ذلك الذي يقرّر من الذي يمكنه العيش هنا وفق معايير عنصرية». كما تقدمت كلّ من منظمة العفو الدولية و منظمة هيومان رايتس ووتش، ببيان مشترك إلى الكنيست الاسرائيلي طالبتاه فيه برفض المشروع. وجاء في بيان منظمة العفو الدولية «ان مسودة القانون الذي يمنع من لمّ شمل الزوجات الفلسطينيات المتزوجات من مواطنين إسرائيليين قائمة على التمييز بصورة يصعب فهمها». غير أن الكنيست الإسرائيلي مرّر هذا القرار بسرعة وصادق عليه بأغلبية 53 صوتا، مقابل 25 وامتناع صوت واحد، و برّرت إسرائيل قرارها هذا بدواعي أمنية ، مبرزة تخوفها من أن يندس عناصر من "المقاومة" الإسرائيلية بين الأزواج الجدد بهدف تنفيذ عمليات انتحارية و بالتالي تعريض الأمن القومي لإسرائيل للخطر، لكن السبب الحقيقي يبقى حسب المراقبين عنصريا ديمغرافيا ، و يتمثل في رغبة الإسرائيليين في الحفاظ على هوية "إسرائيل" كدولة يهودية، الأمر الذي يجعل من الصعب عليهم التحكم فيه بسبب قوة النمو الديمغرافي لدى الفلسطينين. و من الأمثلة الصارخة على ضحايا هذا القانون هي قصة الزوجين " زعتر و أفيسار" و يتعلق الأمر هنا بشابة إسرائيلية يهودية تدعى " ياسمين أفيسار" والتي تزوجت من الفلسطيني "أسامة زعتر" وكانت قصتهما هي الأخرى مثار جدل كبير منذ عدة سنوات.
صورة الزوجين "زعتر و أفيسار" : فقد رفضت السلطات الإسرائيلية منح الزوج حق الإقامة في الدولة اليهودية، مما اضطر الزوجة للإنتقال للعيش بصفة مؤقتة في مدينة رام اللهبالضفة الغربية و زاد الجيش الإسرائيلبي من تعميق معاناتهما بإصداره تصريحا مؤقتا فقط "لياسمين" من أجل عبور الحدود إلى المدينة الخاضعة للسلطة الفلسطينية، و هو ما يعتبر تضييقا عليهما و محاولة لتشتيتهما و منعهما من العيش سويا خصوصا و أن مصدر دخلهما الأساسي يأتي من خلال عمل "ياسمين" كنادلة في أحد المقاهي بالقدس، الأمر الذي يُلزمها بعبور الحدود يوميا. و فضلا عن ذلك كله فقد تعرّض الزوجان لضغوط رهيبة تارة بالتهديد و الوعيد و تارة بالترغيب و الإغراء. وقد حدّدت منظمات حقوق الإنسان في إسرائيل أن هناك حوالي 25 ألف أسرة تعيش متفرقة بسبب تطبيق هذا القانون العنصري. وتظهر الإحصائيات التي قامت بها السلطات الإسرائيلية، أنه في سنة 2012 مثلا تم تسجيل 25 حالة زواج مختلط طرفاها شباب فلسطينيون من الضفة الغربية وقطاع غزة مع إسرائيليات يهوديات، أما داخل الخط الأخضر (إسرائيل ) فقد تم تسجيل أكثر من 800 حالة زواج لإسرائيليات يهوديات بفلسطينيين من عرب 48، و هو الأمر الذي حذا بالحاخام الإسرائيلي المتطرف "إيال أكرم"، إلى توجيه تحذير لليهوديات من الزواج بغير اليهود بل و أفتى لجماعة "أولاد لاخيم" اليهودية المتطرفة بخطف اليهوديات في حالة زواجهن من الفلسطينيين. و يضطلع رجال الدين اليهود و ناشطي اليمين المتطرف بدور كبير و رئيسي في منع كل أشكال الزواج المختلط بإسرائيل، بل و يقومون بالتصدي بقوة و عنف لأي تعديل قد تُقدم عليه الحكومات الإسرائيلية لقوانين الزواج بما يتلاءم مع القوانين الدولية. و قام الحاخام الأكبر في إسرائيل بإصدار بيان رسمي بهذا الخصوص جاء فيه: "بالنسبة للزواج المختلط، نحن لسنا عنصريين، غير أن النظام في إسرائيل يطالب بوقف الزواج المختلط، وعلى كل شخص التوجه إلى ربه، وعدم الاختلاط بالآخرين". و لم يكتف رجال الدين المتعصبين بذلك ، بل عمدوا إلى القيام بعدة مبادرات في هذا الشأن كإصدار فتوى تحرّم تأجير اليهود مساكنهم للعرب و هو الأمر الذي أثار استياءا واسعا ، باعتبارها فتوى عنصرية تبعث على الحقد و الكراهية. منظمات اليمين المتطرف كان لها دائما دورها المحوري في محاربة الزواج المختلط ، كما أن ناشطيها لا يفترون أبدا في القيام بتحركات تهدف بالأساس إلى ترهيب اليهود من التفكير أصلا في الإرتباط بأناس من غير ديانتهم حتى لو كانوا إسرائيليين ، و على رأس هذه المنظمات نجد إلى جانب "أولاد لاخيم" أيضا منظمة “لهافاه ” اليهودية المتطرفة والتي تعمل على منع زواج اليهوديات من العرب، أو ما تسميه الاختلاط بين الأعراق "اليهود والعرب" في الأرض المقدسة، فقد قامت في يناير 2011 بإطلاق "نداء زوجات الحاخامات" ويعتبر من أشهر مبادراتها في هذا الشأن، حيث قامت مجموعة من زوجات رجال الدين بإصدار نداء للفتيات اليهوديات يحذّرنهن فيه من "مغبّة" الإختلاط بالشباب العرب، خشية أن يؤّدي ذلك إلى وقوعهن في الحب و من تم "توريطهن" في زواج أو ارتباط. و في تعليقها على إصدار هذا البيان قالت منظمة "لهافاه" على لسان أحد ناشطيها و يُدعى "ليفي حزان ": " إن نداء نساء الحاخامات الذي عملت المنظمة على إصداره لا يعبرعن أفكار عنصرية بقدر ما هو محاولة للحفاظ على اليهودية ديانة و قومية " . و تقوم هذه المنظمة عادة بتنظيم إحتجاجات ميدانية و إعلامية ضد كل حفلات الزواج المختلط بل قد تصل إلى حد اقتحام أماكن إقامة الأعراس و إفساد حفلات الزفاف و تهديد الزوجين بالإعتداء و التعنيف. و تتسم مبادرات منظمة "لهافاه" عادة بالعنصرية الشديدة و الحقد الكبير على كل ما هو عربي، و كمثال على ذالك ما قامت به في إحدى حملاتها الدعائية بالقدس في ماي 2012 حين عمّمت ملصقات إعلانية ترهب فيها الآباء اليهود و تحذرهم من تزويج بناتهم للشبان العرب، حين قام أعضاؤها بانتقاء أسماء مستفزة للشعور العربي من أجل إثارة النعرات العرقية و العصبية الدينية و وزّعوا ملصقات عنصرية في شكل " بطاقة دعوة لحفل زفاف وهمي بين عروس يهودية اسرائيلية اسمها "ميخال" وعريس عربي مسلم اسمه "محمد" كما أطلقوا إسم "شهيد" على القاعة الوهمية التي ستحتضن حفل الزفاف، ثم قاموا بتوزيع تلك الملصقات العنصرية فى جميع شوارع القدس كنوع من "التنبيه" للآباء من "مغبَّة" فشلهم في مراقبة بناتهم و "حفظهم" من الوقوع فى حب الشباب العرب . وكتبت المنظمة على ملصقاتها الإعلانية ” اذا كنت لا تريد ان تبدو دعوة زفاف ابنتك مثل هذه فلا تدعها تعمل مع العرب او تؤدي الخدمة الوطنية مع غير اليهود واحرص على ان يكون مكان عملها فى الاماكن التي لا توظف الأعداء”. صورة "دعوة حفل الزفاف" الوهمية التي عمّمتها منظمة "لهافاه" : نفس التحذير وجّهته هاته المنظمة العنصرية المتطرّفة إلى الشباب العرب، حيث عمّمت بيانا باللّغتين العربية و العِبرية ،تُحذرهم فيه من عواقب التقرب من بنات اليهود بل و وصل بها الأمر إلى حد تهديدهم إن هم أقدموا على زيارة الأماكن اليهودية بغرض التعرف على بنات.
بيان التهديد الذي وجهته منظمة "لهافاه" المتطربة للشباب العرب : هذه الحملات قوبلت برفض شديد اللهجة من طرف اليسار و العلمانيين الإسرائيليين الذين عبّروا عن استنكارهم لمثل هذه التصرفات العنصرية الباعثة على الحقد و الكراهية و التي لا يمكن أن تنتج إلا العنف و قال ممثل العلمانيين الإسرائيلين في تصريح لوسائل الإعلام : " أن هذا الإعلان يشكل إساءة إلى الأمة الإسرائيلية بأكملها كشعب متحضر". هذا النوع من الحملات العنصرية و العدائية التي تقودها منظمة "لهافاه" اليمينية المتطرفة بدعم من رجال الدين في إسرائيل، ترجمه بعض الشباب اليهود إلى اعتداءات ممنهجة ضد الشباب العربي العامل بإسرائيل حين قاموا باعتداء وحشي على شاب فلسطيني بدعوى تحرشه بفتاة يهودية و أنّهم بفعلتهم هذه إنما "رفعوا الشرف اليهودي عن الأرض"، اعتداءات ناشطي "لهافاه" لم تقتصر على الشباب العرب فقط ، بل تعدّتها إلى اليهوديات التي يثبت أنّهن يخرجن مع شباب عرب إذ قاموا بالتعدي على شابة يهودية متدينة من "بيتار عيليت" بسبب خروجها مع شاب عربي. الأمر الذي أثار موجة من ردود الفعل الغاضبة في أوساط السياسيين و الناشطين العرب في إسرائيل ، حيث تقدمت النائبة "حنين زعبي" و هي عضو في الكنيست بمذكرة مستعجلة إلى المستشار القضائي للحكومة تطالبه فيها باعتبار "منظمة لهافاه" خارجة عن القانون، بل و طالبت بمحاكمة مديرها بسبب تحريضاته العنصرية ضد العرب. كما ندّدت منظمة "مبادرات صندوق إبراهيم" و هي جمعية مشتركة يهودية –عربية تسعى للدفاع عن التعايش العربي اليهودي بإسرائيل و تحقيق المساواة بينهم، بحملات "منظمة لهافاه" العنصرية و أصدرت بيانا قالت فيه إن: "منظمة "لهافاه" تواصل حملاتها التحريضية والغير شرعية ضد العلاقات الرومانسية بين مواطنين يهود وعرب، من خلال وصف الرجال العرب بأنهم ينتظرون "فريستهم" واستخدام كلمات عنصرية متعارف عليها في التاريخ كتحريض ضد الأقليات العرقية في العالم بما فيها التحريض السامي. وهذا ليس العمل الأول الذي يقوم من خلاله النشطاء باستخدام القوة من أجل نشر مبادئهم. مبادرات صندوق ابراهيم تتوقع من جهاز تطبيق القانون بمعاقبة المشتبه بهم وتطالب من السياسيين، من اليمين والشمال، بادانة الآيديولوجية العنصرية التي تتصف بها لهافاه". و إذا كان رجال الدين من اليهود و منظمات اليمين المتطرف الإسرائيلي ، يقومون بحملات شرسة ضد كل أنواع الإرتباط بين اليهوديات و العرب، فإن هذه المواقف أصبحت تجد معارضة متنامية لها في وسط الفئات اليسارية و العلمانية في إسرائيل بل و حتى في صفوف المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين، و قد تجلى ذلك بوضوح على هامش الجدل المثار مؤخرّا حول زواج "محمود منصور" العربي المسلم من فتاة يهودية أعلنت إسلامها و تدعى "مورال ملكا"، و كلاهما من يافا، حيث بمجرد إعلانهما عن إرتباطهما حتى قامت الدنيا و لم تقعد و طبعا لم يتأخر كل من رجال الدين المتعصبين و منظمة "لهافاه" عن محاولة عرقلة هذا الزواج و تهديد حفل الزفاف حيث علّق نائب وزير الأديان الإسرائيلي، الحاخام "إيلي بن داهان"، المنتمي لحزب «البيت اليهودي»، على هذا بأنّه "غير مقبول" و قال "بن داهان" الذي كان يتحدث للتلفزيون الإسرائيلي : « إن اليهوديات اللواتي يتزوجن من رجال مسلمين، يعُدن إلى بيوتهن مدمَّرات ومكتئبات بعد عدة سنوات، وبعد أن يكنّ قد أضعن أجمل سنوات عمرهن»، مضيفا أن : " الزواج المختلط يعرض استمرار بقاء الشعب اليهودي للخطر" و زاد بوصف الزواج المختلط بإنه هولوكست صامت حيث قال : " إنَّ الشعب اليهودي مرّ، بهولوكست (محرقة) قبل ذلك أدت إلى تآكل عدده، والزواج المختلط سيؤدي إلى تآكل عدده أيضًا، ف 80% من يهود أوروبا متزوجون زواجًا مختلطًا، وكذلك 66% من يهود الولاياتالمتحدة". رئيس منظمة "لهافاه" “بينتزى غوبشتين” فقال فى تصريحات نقلتها الصحف الاسرائيلية : ” فى حين أن هذا لن يكون الزواج المختلط الأول فى إسرائيل، فلقد كان مثيرا للحنق خاصة و أنّه يأتي على خلفية النزاع في غزة، فنحن لا نزال فى حالة حرب وهى تتزوج أحد أفراد العدو”. صورة العروسين "محمود و مورال" : غير أن هناك أصوات إسرائيلية أخرى خرجت إلى العلن مؤيدة لهذا الزواج و داعية لوضع حدا للممارسات العنصرية لرجال الدين و المتطرفين ضد العرب، و طالبوهم بعدم التدخل في الشؤون الخاص للمواطن الإسرائيلي بحكم أن الحب و الزواج و العلاقات الرومنسية تبقى أمرا شخصيا جدا و لا يحق لأحد أن ينصب نفسه رقيبا عليها أو يفرض وصايته. "الحب يقهر كل شيء" هكذا عبر عدد من الإسرائيليين التابعين لجبهة اليسار تعليقا على زواج "مورال و محمود"، و إذا كان العلمانيون الإسرائيليون إلى جانب اليساريين قد عبّروا مرارا و صراحة عن استنكارهم و رفضهم للممارسات العنصرية التي تصادر حق المواطن الإسرائيلي في الزواج بمن أراد من خارج الديانة اليهودية، فإن زواج "مورال و محمود" مؤخرا أظهر تعاطفا حتى من الجهات الرسمية و على رأسها رئيس إسرائيل الجديد "رؤوفين ريفلين" الذي كتب على حسابه الرسمي على فيسبوك :" إن خطّا أحمر يمر بين حرية التعبير والاحتجاج والتحريض ، قرّر الشاب محمود وقرينته مورال الزواج بحرية في دولة ديمقراطية. التحريض ضدهم مثير للقلق " ، وقال أيضا أنه يتمنى للعروسين الصحة والراحة والفرح. الحكومة الإسرائيلية بدورها لم تلزم الصمت هذه المرة بل قالت في موقعها الرسمي : «أن الأمر عادي وطبيعي». أما وزيرة الصحة " ياعيل غارمن " فقد اختارت الحضور شخصيا لتبارك للعروسين و نشرت على صفحتها الرسمية صورةٍ لها مع الزوجين خارج قاعة الحفل، معلّقة عليها بالقول : "كان من المهم أن أحضر شخصياً، لأبارك للعروسين محمود ومورال. شعرتُ بعد شهر من التحريض بنفاذ الصبر، و رأيت بأن مصافحتي لهما هي رسالة للتصالح و أنّه بإمكاننا أن نعيش معاً وأنّه يوجد هنا مكان للأفكار والمعتقدات المختلفة، وإلى جانب دعوات الكراهية هنالك أيضاً رغبة حقيقيةٌ في الحياة المشتركة والحب". صورة الوزيرة الإسرائيلية " ياعيل غارمن " و هي تبارك للعروسين تأييد الزواج المختلط لم يقتصر فقط على السياسيين بل امتدّ إلى رجال الثقافة و الإعلام حيث كتب الصحفي "عاييل غاروس" في عموده على صحيفة "هآرتس" الواسعة الإنتشار مقالا تحت عنوان : " "إشكاليّة الزواج المختلط في إسرائيل: كم غرقنا في القاع؟"، ينتقد فيه دعوات اليمين العنصرية و يطالب بحرية الزواج و الحب. و بين مؤيد و معارض سيبقى الزواج المختلط في إسرائيل يواجه بكثير من العنف و العنصرية ما لم تنجح المنظمات المعتدلة في إسرائيل في الضغط على الحكومات الإسرائيلية من أجل إلغاء كل تلق القوانين التي تُقيده، تسمح بحرية الزواج و الإرتباط ، و تجريم كل أشكال التحريض و الإحتجاج ضده.