لما اشتد عضد الحزب النازي بألمانيا، قام رجال (أدولف هتلر) بقتل الكثير من اليهود في محارق وأفران الغاز ليجد مصطلح "الهولوكوست" طريقه نحو الظهور كتعبير عن "المحرقة اليهودية" وقتئذ. رواية تاريخية أحيطت بهالة من القداسة جراء قوانين "معاداة السامية" التي يسري مفعولها في الكثير من البلدان، فحوكم كتاب ومفكرون لمجرد تشكيكهم في هذه الرواية، وفي مقدمتهم المؤرخ الفرنسي (بول راسنير)، صاحب كتاب: "دراما اليهود الأوروبيين"، وهو أحد أسرى المعتقلات النازية. هذا الحدث سيمهد لتعاطف إنساني كبير مع اليهود، وسيصبح واحدة من وسائل تهجيرهم وهجرتهم فرادى وجماعات نحو فلسطينالمحتلة لأجل إقامة كيان على أنقاض دولة احتلها الإنجليز. مرت أيام وأيام، فاكتشف العالم أن هنالك "هولوكوست" أخرى مستمرة في الزمان والمكان تجسدها ما تمارسه آلات الحرق والتدمير الإسرائيليتين من إقبار إنسانية الإنسان في عصر كان من المفروض أن يكون البشر قد تجاوز خلافاته ووضعها جنبا لما فيه الخير والصلاح. وآخر تجليات هذه "الهولوكوست" ما يحدث لحد هذه اللحظة في قطاع غزة على مرأى ومسمع الجميع. ف"إسرائيل" جعلت لنفسها الحق في أن تحول هذه البقعة الصغيرة من الأرض معتقلا كبيرا يضم زهاء مليوني نسمة، البحر وراءها والعدو أمامها، ومتى شاءت حولته محرقة لا بالأفران الغازية وإنما بالقنابل والأسلحة المحرمة دوليا. غالبية وسائل الإعلام تسمى ما يجري حربا رغم أنها ليست كذلك. فأعراف الحروب المعلومة دوليا تقتضي على الأقل وجود نوع من التكافؤ بين طرفي النزاع من حيث القوة العسكرية، لأن تسمية الحرب ما يحصل بين فيل ضخم ونملة لا حول لها ولا قوة ضرب من العبث. والعالم بدأ شيئا فشيئا ينتبه لحقيقة ما يقع على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، وخاصة في قطاع غزة منذ أن أمطرت سماءها نارا وفسفورا أبيض سنة 2008 أتت على الأخضر واليابس وخلفت ما يربو عن 1500 شهيد وآلاف الجرحى وخسائر فادحة على جميع المستويات وفي مقدمتها الضمير الإنساني. اليوم رأينا المحرقة تستأنف عملها من جديد، رأينا مظاهر القتل والحرق الجماعية على شاشات التلفاز رغم تطبيعنا مع هذا الأمر منذ زمن بعيد، مما أعاد للأذهان "هولوكوست" أوروبا التي لم تنته بإعدام (أدولف أيخمان) في يونيو 1962، إلا أن الجلاد اختلف، والضحية كذلك.