مجلس النواب يصادق على مشروع قانون يتعلق بمدونة الأدوية والصيدلة    المدير العام للمنظمة اليابانية للتجارة الخارجية: المغرب يوفر بيئة أعمال ذات جاذبية استثنائية    تبون يعترف بلسانه بواقع النظام الصحي الجزائري.. الفشل والوعود الفارغة    نقابيو بني ملال يقرّرون التظاهر يوم "الاضراب العام" تضامناً مع حراس الأمن الخاص المطرودين من العمل    الرباط: مجلس المستشارين يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    سفيان البحري.. رحل عن دار الدنيا فجأة: كيف عاش أيقونة التواصل الاجتماعي لحظاته الأخيرة    نظام جنوب أفريقيا يتقرب من الحكومة السورية الجديدة بعد سنوات من دعمه لبشار الأسد    الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة متواصلة وبكين ترد بحزمة من العقوبات    انتشال جزء من جسم الطائرة بعد الكارثة الجوية في واشنطن    دول عربية تجدد رفضها تهجير سكان غزة في "رسالة مشتركة" لوزير الخارجية الأمريكي    التونسي الشابي مدربا جديدا للرجاء البيضاوي خلفا لحفيظ عبد الصادق    أميان الفرنسي يعلن تعاقده مع آيت بودلال على سبيل الإعارة من رين    العصبة تتراجع عن تقديم مباراة الوداد والحسنية    ياسين بونو يتوج بجائزة أفضل حارس في الدوري السعودي    بلد الوليد يضم الموهبة المغربية آدم أزنو    توقعات طقس اليوم الثلاثاء بالمغرب    كيوسك الثلاثاء | تكلفة الإيجار بالمغرب أرخص من 118 دولة في العالم    الرباط: تنصيب الأعضاء السبعة الجدد بأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات    إسبانيا.. توقيف 7 أشخاص يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم "داعش" بالتعاون الوثيق مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني    مطارات المغرب استقبلت نحو 32 مليون مسافر خلال سنة 2024    مدرب تونسي يقود سفينة الرجاء    مجلس النواب يصادق بالإجماع على 27 اتفاقية دولية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    فرقة مسرح سيدي يحيى الغرب تحتفي بكتاب "الذاكرة السياسية والعدالة المغرب/ الأرجنتين    الشيخ بلا يكتب : "إلى الأصوات التي أدمنت التجريح في كل شيء جميل ..! "فقراء إداولتيت" تراث عريق يستحق الاحتفاء والتثمين"    أولاد تايمة.. توقيف 3 جانحين في قضية سرقة باستعمال السلاح الأبيض    الجزائر ترفض استقبال المرحلين    أمطار الخير تنعش آمال الفلاحين بإقليم الحسيمة بعد سنوات الجفاف    وزير النقل: 32 مليون مسافر استقبلتهم مطارات المغرب خلال 2024    بنسبة تزيد عن 20%.. الجهة الشرقية تسجل أعلى معدلات البطالة    رئيس سوريا يؤدي مناسك العمرة    بورصة البيضاء تنهي التداول بالأحمر    الشرطة الهولندية تلقي القبض على البطل العالمي بدر هاري في أمستردام لهذا السبب    الذهب يسجل مستوى قياسيا مرتفعا مع زيادة الطلب بعد رسوم ترامب الجمركية    أكثر من مليوني مغربي يرتادون السينما في 2024 وعائدات تصوير الأفلام الأجنبية ترتفع إلى 1.5 مليار درهم    "بوحمرون" يستنفر المدارس بعد العطلة .. والوزارة تتمسك بتدابير صارمة    شركة 'اوبن ايه آي' تكشف النقاب عن أداة جديدة في 'شات جي بي تي'    الوزارة تكشف عائدات السياحة بالعملة الصعبة في سنة 2024    إسبانيا.. بدء محاكمة روبياليس في قضية "القبلة" المثيرة للجدل    الرباط: انطلاق أشغال المنتدى الإفريقي للأمن السيبراني    ثورة علمية : رقاقات قابلة للزرع لعلاج قصور القلب    "أمر دولي" يوقف فرنسيا بمراكش    "دوغ مان" في طليعة شباك تذاكر السينما بأمريكا الشمالية    سناء عكرود تعرض فيلم "الوصايا" عن معاناة الأم المطلقة    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المندوبية السامية للتخطيط: إحداث 82 ألف منصب شغل في المغرب سنة 2024    خيرات تدخل السايح إلى المستشفى    مستحضرات البلسم الصلبة قد تتسبب في أضرار للصحة    أطباء مختصون يعددون أسباب نزيف الأنف عند المسنين    استئناف محاكمة أفراد شبكة الاتجار الدولي بالمخدرات التي يقودها رئيس جماعة سابق    وفاة سفيان البحري صاحب صفحة تحمل اسم الملك محمد السادس    تفشي بوحمرون : خبراء يحذرون من زيادة الحالات ويدعون إلى تعزيز حملات التلقيح    جولة في عقل ترامب... وهل له عقل لنتجول فيه؟    النجمة بيونسيه تفوز للمرة الأولى بلقب ألبوم العام من جوائز غرامي    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيلم "أوغاد بلا مجد"، مرحلة سينمائية جديدة في خدمة الصهيونية
نشر في طنجة الأدبية يوم 18 - 11 - 2011

تحتفظ ذاكرتنا السينمائية بالكثير من الصور والمشاهد التي تعود لمراحل مختلفة من علاقتنا بالفن السابع، ومن ضمن ما تحتفظ به -بدون شك- صورة لجندي أمريكي وهو يقدم المعلبات لبعض السود، أو صورة لجندي يحمي طفلا أسيويا، أو يتلقى رصاصة وهو يدافع عن رجل فتنامي مسن ...، فكانت هذه الصور، سببا مباشرا في حكمنا الايجابي على هذا الجندي، وهو حكم ضمني بنفس القيمة، على البلد الذي ينتمي إليه، وهذا البلد هو أمريكا طبعا.
نبادر بالتأكيد على أن هذه الصور هي المغزى الأساس لهذه الطينة من الأفلام، وهي التي تحكم توجهها؛ إذ أن هذه المشاهد تضمر مآرب وغايات سياسية، فالرواية الأمريكية للحروب لم تخلو أبدا من مزاعم وأكاذيب؛ ولذلك كانت المراهنة على سينما الحرب كبيرة، فصارت صنفا قائم الذات ينازع غيره الإعجاب، ويتفوق في شبابيك التذاكر، ولا يجب أن ننسى الدور الأساس وهو تحقيق مرامي السياسة الأمريكية. لا ينبغي أن نفهم من هذا الكلام أن كل فيلم يعالج موضوع الحرب، هو مسخر لهذه الغايات فقط، فتاريخ السينما يسجل تحفا فنية كانت تعالج موضوع الحرب من زوايا إنسانية كالدعوة إلى السلام وفضح مآسي الحروب.
فبين السينما والحرب إذن علاقة غرام قديمة، ولكنها متجددة على الدوام؛ فمع كل موسم سينمائي نشاهد أفلاما حربية، هذا إن لم نقل أنها أصبحت وجهة مفضلة لأبرز صناع السينما مخرجين ومنتجين وممثلين. وقد كان "للهولوكوست" و"النازية" نصيب وافر من سينما الحروب، حيث كانت السينما هي الوسيلة الفضلى، لتسويق صورة شر النازية وكسب تعاطف العالم مع اليهود، وحتى الأمس القريب، كانت معظم أفلام "الهولوكوست" متساوية في دعاياتها في صورة منمطة ومكشوفة، إذا استثنينا بعض الأعمال التي حاولت نسبيا عدم السقوط في هذا المحمول، ومن ضمن الأفلام الحديثة التي تتناول هذا الموضوع نجد فيلم "أوغاد بلا مجد" للمخرج الامريكي "كونتن تارنتينو" فهذا العمل لا يحقق متعة عند مشاهدته، بقدر ما يخلف موضوعه استفزازا كبيرا ! فالقصة التي اختارها المخرج تبدأ من الواقع لكنها سرعان ما تحيد عنه، حيث يروي على طريقته الخاصة، قصة عن أحداث الحرب العالمية الثانية، إبان احتلال الألمان لفرنسا، وتنبني قصة الفيلم أساسا حول انتقام فتاة يهودية قُتل كل أفراد عائلتها، على يد الضابط النازي "هانس لاندا "صائد اليهود"، وحول فرقة " أوغاد بلا مجد" وهي وحدة خاصة من اليهود الأميركيين، تغادر إلى فرنسا المحتلة من طرف الألمان، وهدفها هو بث الرعب في صفوف النازيين من خلال في نصب الكمائن للدوريات العسكرية، ومن ثم يقومون بقتل الأسرى، مبرزين وحشيتهم في أقصى حدودها؛ بالقتل والتعذيب وتشويه الجثث، وتحطيم الرؤوس بواسطة عصى البيسبول، ودوماً تترك هذه المجموعة شهوداً ألمانيين على قيد الحياة، لكي يحكوا عن هذه الوحشية، ويثيروا بذلك الخوف والفزع لدى الأهالي من هذه الأفعال المرعبة.
في بداية الفيلم، يأتي الكولونيل النازي "هانس لاندا" "كريستوف والتز"، المعروف لكونه صياداً ذائع الصيت لليهود، وبعد 20 دقيقة من حوار متكلف وغريب بينه وبين رب عائلة فرنسي يخفي يهوداً في قبو منزله، يكتشف أخيراً أين يختبئ هؤلاء، فيأمر رجاله بقتلهم، فنراهم يرمونهم بالرصاص من خلف أرضية المنزل الخشبية، لكن العملية لم تؤدي إلا قتل الجميع، حيث ستفلت فتاة "شوشانا" من المجزرة الجماعية، لنراها تصبح بعد اختزال زمني، صاحبة سينما في احد الأحياء الباريسية، تعرض فيها مضطرة أفلاما نازية، ولم يستطع الزمن محو مشاهد قتل عائلتها، لذلك ستحتفظ برغبتها في الانتقام دائما، وتأتي الظروف –بعبثية من المخرج- لخدمة هذه الرغبة حينما سيتقرر عرض فيلم" فخر الأمة"؛ عن ضابط ألماني قتل لوحدة المئات من الجنود، بحضور أدولف هتلر وعدد كبير من القيادات العليا، فتقرر هي ومساعدها أن يستغلا هذه الفرصة للانتقام، وفي نفس الوقت يستعد أفراد من " الأوغاد" لاستغلال هذا الحدث عن طريق الاندساس بين الحضور لتنفيد عملية انتحارية، بمساعدة الممثلة الألمانية "بريدجيت فون هامرسمارك". وتسجل "سوشانا" رسالة انتقامها (فيلم قصير) وبتقنية المونتاج تجعلها على بكرة الفيلم الذي يُعرض في صالتها، و تستعمل أكثر من 250 بكرة – لحرق الحضور بعد إحكام إغلاق الأبواب. وعندما تحترق الصالة بمن فيها – هتلر ومعاونيه الكبار – نراها كشبح يخرج من الشاشة؛ وهي تصرخ اسمي "سوشانا" وهذا هو الانتقام اليهودي، وطبعا لا يخلو الفيلم من مشاهد العنف التي يشتهر بها تارنتينو، مشاهد قتل وتعذيب ودماء تبدو في معظم أفلامه كالفواصل الثابتة، لكن هذا العنف كان مبررا هذه المرة و أكثر اتساقا مع قصة الفيلم، فالحرب العالمية الثانية، هي حدث يحوي بحد ذاته كما كبيرا من العنف، بغض النظر عما عرضه تارنتينو أو غيره.
يمكننا أن ننطلق من نهاية الفيلم لتتبع الرسائل المبثوثة فيه، فالجملة الأخيرة " هذا هو الانتقام اليهودي" تحيل على شكل الانتقام وهو (الحرق داخل قاعة السينما) وبالرجوع إلى أحداث الفيلم سنجد أن كل شيء في هذا الانتقام متعلق بالسينما فعملية تصفية هتلر تحمل اسم "كينو"، أي "سينما"، ومكان المجزرة هو صالة السينما، العميلة التي شكلت عاملا مساعدا، هي ممثلة"بريدجيت فون هامرسمارك"، الأداة التي ستستخدم في قتلهم هي بكرات أفلام سريعة الاشتعال. فالانتقام اليهودي إذن هو "السينما" وبها سيحققون انتقامهم ليس فقط من النازيين ولكن من كل من ستسول له نفسه معاداتهم، لكن هذا يدفعنا لطرح سؤال عن سبب فضح هذه النية -التي لا ترقى إلى مرتبة السر- خصوصا إذا علمنا أن مخرج الفيلم أمريكي ومنتجه يهودي ! فمسألة التشبيه بين السينما والسلاح هي حاضرة دوما، ومن يمتلك سلاحا عليه أن يبرزه حتى يخشاه الآخر، فما نفع السلاح إذا لم يستعرضه مالكه بهدف زرع الرعب في قلب أعدائه، فقد ركز الفيلم على هذه الرسالة ليس من جانب الفضح بل لإبراز قدرة هذا السلاح على الفتك، بالإضافة إلى ذلك فلم ينزل الفلم صفات الشر والعنف والقتل...بطرف دون الآخر فالفيلم يجعل اليهود يمارسون العنف أكثر من النازيين، فاليهود ينقلبون وحوشاً بشرية تحطم جماجم الأحياء الألمان وتسلخ فروات رؤوسهم، ويعود السبب في ذلك إلى محاولة المخرج لدرء الصورة الراسخة عن اليهود تاريخيا؛ المتمثلة في التخاذل والاختباء والهرب، ونجد هذه المحاولة في الكثير من الأفلام منها فيلم "تحدٍ" " difiance ، (عن ثلاث إخوة يشكلون فريقاً من المحاربين يحتمون في الغابات ويشنون عمليات قتل ضد الجنود الألمان،) وبقدر ما يبرز الفيلم صورة مرعبة لليهودي المنتقم، بقدر ما يُعجب به الصهاينة ويثمنونه ويقدمون له دعمهم.
وعلى جانب آخر فليس كل الألمان بشعين، فهناك ضابط ألماني فخور لا يخاف الموت يرفض التعاون مع الأمريكيين مدركاً أنه بذلك يعرّض نفسه للقتل، والضابط لاندا (كريستوف وولتز) شخصية حذقة، مثقّفة ومحترفة، يسعى في النهاية لإنهاء الحرب. فيلم "تارانتينو" هو فيلم خيالي تاريخي لكن بطريقة شفافة، فيلمه "فانتازيا" راقصة على إيقاع الخيال تستوحي من الواقع أقل ما يمكن ربط الحكاية به، ولا تتحدّث عن فواجع يهودية ولا معسكرات تعذيب، وفيلمه لا يدور مطلقاً عن "الهولوكوست" كموضوع مباشر. واليهود هم عنصر رئيسي، لكن الحديث عنهم لم يكن بالنفس الطريقة النمطية التي عهدناها، لان الأمر في القضية اليهودية -سينمائيا- تجاوز مرحلة جمع التعاطف، الى مرحة التمكن والظهور بالوجه الحقيقي، ولم يكن بمقدور المخرج تحقيق هذه المعادلة من دون اختلاق قصة تجمع بين الخيال والتاريخ والكوميدية، من دون أن يتحمل تبعات ذلك لأنه لم يستند على وقائع حقيقية، بل على خياله الشخصي.
إن أي محاولة لاختزال أحداث الفيلم في رسالة واحدة هي محاولة فاشلة بدون شك، لأنه يوهمك بالارتماء في أحضان طرف معين، ثم يلوي إلى الطرف الثاني، لكن الثابت في هذا العمل أن الأمر يتعلق بمرحة جديدة من مراحل خدمة هوليود للصهيونية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.