هذه هي المنتخبات التي ضمنت رسميا التأهل إلى "كان المغرب" 2025    تغييرات مرتقبة على تشكيلة الأسود ضد منتخب ليسوتو    أجواء غير مستقرة بالمغرب.. أمطار وزخات رعدية وثلوج ابتداءً من اليوم الإثنين    رابطة ترفع شكاية ضد "ولد الشينوية" بتهمة الاتجار بالبشر    أطباء غاضبون من وزارة الصحة يضربون عن العمل في المستشفيات العمومية    دراسة: السياسة الفلاحية التصديرية لا توفر حتى المداخيل الكافية لاستيراد حاجيات المغرب من القمح    محرك البحث "غوغل" يحتفي بالذكرى ال 69 لعيد استقلال المملكة    جائزة ابن رشد للوئام تشجع التعايش    فتح باب الترشح لجائزة "كتارا للرواية العربية" في دورتها الحادية عشرة    الداخلية الإسبانية تبرز دور فريق الوقاية المدنية المغربي في جهود الإغاثة في فالنسيا    خبير جزائري في الذكاء الاقتصادي: الجزائر تفتقر إلى الثقل الدولي في قضية الصحراء    محامي حسين الشحات: الصلح مع محمد الشيبي سيتم قريبا بعد عودته من المغرب    انطلاق مهرجان آسا الدولي للألعاب الشعبية وسط أجواء احتفالية تحت شعار " الألعاب الشعبية الدولية تواصل عبر الثقافات وتعايش بين الحضارات"    هند السداسي تُعلن طلاقها بخطوة جريئة وغير مسبوقة!    الدورة الرابعة من بطولة القسم الوطني هواة.. اتحاد الخميسات فاز بصعوبة على وداد تمارة    المغرب يستضيف الملتقي العربي الثاني للتنمية السياحية    مركز موكادور للدراسات والأبحاث يستنكر التدمير الكامل لقنطرة واد تدزي    ذكرى ميلاد الأميرة للاحسناء: مناسبة لإبراز انخراط سموها الموصول في قضايا المحافظة على البيئة    الكرملين يتهم بايدن ب"تأجيج النزاع" في أوكرانيا بعد سماح واشنطن باستخدام كييف أسلحتها لضرب موسكو    مهاجرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء يتسببون في فوضى بالقليعة    أغلبهم نساء وأطفال.. مجازر إسرائيلية في غزة وبيروت تسقط عشرات الضحايا    المغرب يرسل أسطولا إضافيا يضم 12 شاحنة لدعم جهود تنظيف قنوات الصرف الصحي في فالنسيا    فوزير يخضع لعملية جراحية ناجحة    تزامن بدلالات وخلفيات ورسائل    بعد غياب طويل.. الجمهور المغربي على موعد مع المطرب العراقي محمد السالم من    فاتي جمالي تغوص أول تجربة في الدراما المصرية    بني بوعياش وبني عمارت على موعد مع أسواق حديثة بتمويل جهوي كبير    "تعزيز الضمانات التشريعية الوطنية بشأن مناهضة ومنع التعذيب وسوء المعاملة" محور ورشة عمل بالبيضاء    حجز أزيد من 188 ألف قرص مهلوس بميناء طنجة المتوسط وإيقاف المتورطين    اصطدام بين سيارة ودراجة نارية يودي بحياة شاب في خريبكة    بلجيكا وهولندا والمغرب في قلب صراع إجرامي بعد سرقة كوكايين    تاركيست: سيدة تضع حدًا لحياتها شنقًا    "غوغل" يحتفل بالذكرى ال69 لعيد الاستقلال المغربي    الجيش الإسرائيلي يعلن أن نحو 30 مقذوفا أطلقت من لبنان نحو إسرائيل    "قمة العشرين" تناقش مكافحة الفقر    ملعب آيت قمرة.. صرح رياضي بمواصفات عالمية يعزز البنية التحتية بإقليم الحسيمة    فرنسا تقسو على إيطاليا في قمة دوري الأمم الأوروبية    المغرب يفتح آفاقاً جديدة لاستغلال موارده المعدنية في الصحراء    تنظيم النسخة 13 من مهرجان العرائش الدولي لتلاقح الثقافات    بعد صراع مع المرض...ملك جمال الأردن أيمن العلي يودّع العالم    مزاد يبيع ساعة من حطام سفينة "تيتانيك" بمليوني دولار    ترامب يسمي رئيس "هيئة الاتصالات"    تراجع النمو السكاني في المغرب بسبب انخفاض معدل الخصوبة.. ما هي الأسباب؟    ارتفاع أسعار النفط بعد تصاعد حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا    مجلس الأمن يصوت على مشروع قرار يدعو إلى وقف النار في السودان    المغرب يخنق سبتة ومليلية المحتلتين ويحرمهما من 80% من نشاطهما الجمركي    وقفة احتجاجية بمكناس للتنديد بالإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة    خبراء يحذرون من "مسدس التدليك"    وفاة "ملك جمال الأردن" بعد صراع مع سرطان المعدة    شبيبة الأندية السينمائية تعقد دورتها التكوينية في طنجة    دراسة علمية: فيتامين "د" يقلل ضغط الدم لدى مرضى السمنة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع علال الفاسي في (وصيته) من أجل مجتمع ملتزم بالإسلام وقيمه..؟
نشر في أخبارنا يوم 20 - 05 - 2014

في الحديث الأخير أنهينا ما حاولنا استعراضه من بعض القضايا المتعلقة بالنهضة من خلال قصيدتين شعريتين رائعتين للشاعر الفيلسوف محمد إقبال وقد كان إقبال مهووسا بموضوع الحالة التي كان عليها الوضع في العالم الإسلامي والتي كان المسلمون عليها، وما كدنا نلخص من هذا حتى داهمتنا ذكرى شاعر ومفكر ومناضل آخر، يتقاسم مع إقبال الكثير من هموم الأمة وأشجانها ومصائبها إن صح التعبير، ولا شك أن المنبع الذي استقى منه كل منها جعل التوجهات لديهما تكاد تكون واحدة أو على الأقل متطابقة، وإنما الذي يميز بين الرجلين هو ما تميز به تكوين كل واحد منهما والبيئة التي نشأ فيها كل منهما.
وهذا من طبيعة الحال استدعى نوعا من خصوصية التناول لدى كل منهما كما أن معايشة أحدهما لمراحل مهمة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وتأخير عمر أحدهما عن وفاة الآخر مدة مهمة من الزمان عرفت تطورات حاسمة في تاريخ الأمة قوت ما بينهما من تطابق في جهة واختلاف من جهة أخرى فحلم إقبال تحقق بميلاد دولة الباكستان واستقلالها، والآخر عاش مرحلة الاستقلال وحظي بشرف النضال من أجل بناء الاستقلال وإعطاء الكلمة للشعب في نظام ديمقراطي وهو ما لم يتمكن إقبال من الوصول إليه و ما فوضه لرفيقه محمد علي جناح.
ولعل من المناسب ونحن نقوم بهذه المقارنة البسيطة أن نسجل نضال علال الفاسي من أجل صيانة وحدة دولة الباكستان والدفاع عن استقلالها، كما قامت دولة الباكستان المستقلة بتبني قضية استقلال المغرب ووحدته في المحافل الدولية وفي هذا دليل على صدق توجه كل من المجددين المصلحين في القرن العشرين، ولنترك المقارنة بين الرجلين لفرصة لعلها تكون قريبة إن شاء الله ونعود للحديث عن الذكرى الأربعين للمرحوم الأستاذ الزعيم علال الفاسي هذه الذكرى التي تكون لكل المناضلين الذين يقاسمونه فكرة النضال والتمسك بالحرية والكرامة والعدالة ليتذكروا ما بذله من جهد ونضال في سبيل حق الأمة الإسلامية والمغربية في التمتع بالنظام الديمقراطي الشورى والتعادلية الاقتصادية والاجتماعية ولعل الكثيرين سيتناولون هذا فيما سيعقد من ندوات ومناظرات بمناسبة الذكرى.
وفي سياق الذكرى رأيت من المناسب تناول ما أعتبره شخصيا وصية من وصاياه التي تفصل فصلا واضحا في موضوع شائك في حياته وازداد بعد وفاته تعقيدا ذلك هو موضوع الشريعة وتطبيقها في المجتمع الإسلامي وهذه الوصية في نظري وردت في الدرس الحسني الذي ألقاه في شهر أكتوبر عام 1973 أي قبل وفاته بشهور وهو الدرس الوحيد الذي تفرغ له وكتبه تحريرا كما قال المرحوم الأستاذ عبد الرحمان الحريشي.

*********

إحساس خاص
في منتصف شهر مايو الحالي وبالضبط يوم 13 منه يكون قد انصرم أربعون سنة كاملة على وفاة القائد والعالم والمجاهد المجتهد، وهي سنوات في عمر الزمان لا تكاد تذكر غير أنها في مشاعر وإحساس تلاميذ ومريدي هذا القائد الذي لم ينعم بالراحة والاستقرار، لها طعم خاص ومذاق لا يدركه إلا من عشق القيم والمبادئ والمثل التي نذر هذا القائد نفسه لخدمتها والدفاع عنها.
ميلاد وتباشير
وفي ذكرى رحيل القائد يستحضر الذهن كل قواه وتنشط الذاكرة في محاولة للقيام بمسح لمراحل قطعها الوطن منذ ميلاده إلى حين وفاته. وفي هذا المسح يشخص بعض المعالم والمواقف التي كانت لهذا الوطن أو عليه فيتساءل عندما أشرقت الشمس في تلك المدينة المليئة بعبق التاريخ وأريج النضال والجهاد، والتي تتحدث جدرانها وأزقتها عن خطى أولئك العباقرة الأفذاذ الذين كانوا أعلاما ترفرف في سماء المعرفة والعرفان من أولئك الأعلام الذين طاطأ لهم الناس الرءوس وهم يسعون ليقبسوا من أنوار معارفهم العرفانية ومداركهم العقلية.
وطن يغالب الأحداث
لقد كانت هذه المدينة في العشرية الأولى من القرن العشرين الميلادي ونهاية العقد الثالث من القرن الثالث عشر، عندما رأى هذا الطفل النور تغالب الزمان وتحاول في جهد قوى أن تدفع عن نفسها وقومها انسياب الطاعون الذي لا يبقى ولا يذر، لقد كانت تلك السنوات سنوات الأمل الذي يراود النفوس، ولكنه الأمل الذي لا سند له في الواقع المادي الملموس، لقد كان أملا ورجاء لعل المدد غير المنظور يتحرك لينقذ الناس مما هم فيه، لقد تعلقوا بأوهام استبدال حاكم بحاكم ووضع شروط وقيود على كاهل الحاكم الجديد، ولكن كان ذلك كله وهما اغتر به البعض، وأدرك البعض أن الأمر لا يتعلق بشخص يستبدل بشخص، أو حاكم يستبدل بحاكم، أو هي مجرد التزامات في صيغ الرجاء ليقف الطاعون ويستعيد المرضى عاقبتهم، إن الأمر لم يكن كذلك، ولا هو بتلك السهولة التي يتصورها البعض حينداك.
لحظات صعبة
لقد كان المرض منتشرا في كل الجسد، وكان الناس في كل مكان يشعرون بالعافية التي تشبه لحظة استعداد الروح لمغادرة الجسد، وما هي الا لحظات فأدرك الناس ان عقد الوفاة قد هيئ وقبل قليل سيعلن النعي، ويتبادل الناس العزاء في أنفسهم وفي ما آل إليه أمر الوطن وأهله حيث سقط ضحية الغفلة والتهاون.
وافدوا الأمل
في هذه السنوات واللحظات كانت تباشير العافية والحياة تنبعث من هذا وهناك وكانت بعض البيوت والأسر تستقبل وافدين جددا ولم يكن احد يدرك أن من هؤلاء الأطفال نوابغ وأعلاما سيقبسون من أنوار أولئك الأجداد الغابرين ومن عبقريتهم وصدقهم وإخلاصهم ما يستطيعون معه أن يعيدوا الأمة إلى جادة الصواب وأن يربطوا ماضيها بحاضرها وأن يعيدوا المجد القديم الذي ضاع أو كاد والسيادة التي فقدت، والوحدة التي مزقت، والأمن والأمان في ظل وطن متميز.
بداية التحولات
لقد كانت نهاية العقد الأول من القرن بداية التحول مع ميلاد هؤلاء الشباب الذين لمع من بينهم نجم ساطع ما لبث أن أعلى على الناس أنه جاء يحمل فكرا جديدا أو رسالة الوحدة والتجديد، وعبر عن ذلك شعرا أو نثرا.
طفل يصوغ دموعه
وكانت إرهاصات شعره الأول موحية ومبشرة بما سيكون له في المستقبل وما ينتظره فهو طفل لا يملك إلا أن يؤثر في الناس وهو يصوغ لهم دموعه التي يذرفها عن آسى والماعن وطن ومواطنيه فيقول:
وما أنا ذو شعر الذي طار صيته
وأنظم شعري عقودا غواليا
ولكنني طفل تسيل دموعه

فآتى بالسحر الحلال تحديا
فيرددها من لا يزال مناغيا
فينظمها للقارئين قوافيا
الانشغال بالسفاسيف
وكل ذلك على ما آل إليه حال أمته، وما أصبحت عليه بين الأمم وقد كانت في المقدمة ولكنها اليوم أدركها ما أدركها حتى صارت حريتها مقيدة، وسيادتها مفقودها، وبنوها صاروا يأتون القوم بالمصحكات.
حنانيك يا وطني ما اعترا
أضاع بنوك عقولهم
ألا ينظرون إلى شعبه
لقد شعلوا بسفاسهم

ك كم ذا أصابتك من مفجعات
وجاءوا إلى القوم بالمضحكات
اما عندهم له أذنى التفات؟
وليس عليهم إذ قيل مات
لا مبالاة
هكذا يرى الشاعر الأمة وحالها بين الأمم، ولكن مع ذلك فإن الناس لا يشعرون بما هم فيه وما هم عليه لأنه لم يعد يهمهم من حياتهم إلا العيش الهني والإخلاد إلى الراحة والدعة والسكون وهو ما عبر عنه الشاعر على لسان قائلة التي جاء على لسانها:
وقائلة لم لا تقتفي
ألست تراهم: فعيشهم
أتحزن انت على حالهم

سبيلهم إن أردت النجاة
هنئ وهم ارفع الطبقات
وهم ينسبون لك الموبقات
الغواية
وهذه القائلة التي تمثل الغواية وانحراف طبقة معينة من الأمة وهي ما يمكن ان نسميها بالنخبة آنذاك التي استلذت ما كان يرميها لها المستعمر من فتات والتي قال في شانها في قصيدة أخرى:
وكنت أرى تحت العمائم حاجة

فما هي إلا أن يدوم المرتب
نخبة منحرفة
وهذه النخبة لا تقبل من هذا الشاعر الطفل أو الشاب اليافع أن يسفه واقعها ويعبر عن ذلك كله في سره وعلنه وفي مجاله مع أترابه الذين يشاركونه الرأي ومشاعر الأسى على الأمة وهكذا يروي لنا الشاعر ما يرمي به في ذلك الحين في قوله:
فطورا يقولون ذو غرض
وأنا جهول وكم مرة
لأنك سفهت أحلامهم
فدعهم وشأنهم واتخذ

وآونة ما له من حصاة
يريدون سقيك كأس الموات
وعبت قبولهم المرجفات
لنفسك غير سبيل العظات
تبرير مواقف
إن الشاعر يصور حال بعض الناس في كل زمان ومكان الذين يتصدون لدعاة الإصلاح ودعاة القيم والمثل العليا، وذلك لإيجاد مبرر لما هم فيه وما أباحوه لأنفسهم في هذا الصد والنكران من لدن قومه، ورميهم إياه بما رموه به نهج الأقوام المنحرفين والصادين عن سبيل الرقي والتقدم حتى مع الرسل والأنبياء وأحرى مع دعاة التجديد والحرية والإصلاح الاجتماعي.
رفض الاستسلام
ولكن الشاعر لم يستسلم وإنما تصدى لهذه الدعاوي الباطلة بهمة عالية وروح نضالية متوتبة، لأنه يرى ان الموت أفضل مما عليه واقع الأمة لأن الموت الحسي ليس شيئا يخيف أو يضرا أمام الموت العنوى موت الضمير والاستكانة للعدو والخضوع له، وعدم اتخاذ ما يلزم من العدة للمقاومة والمواجهة وهذا ما نلحظه في الأبيات التالية حيث نجد من الشاعر العزيمة والإرادة في خوض معركة الإصلاح بكل ما يتطلبه الموقف وبعد فإما إلى عز أو ممات، وليس بضمائر الحر ما يلاقيه لأنه يومن إيمانا عميقا انه لن يجد نفسه وذاته يصدق الا حين يرضي ضميره ويريح نفسه بالصدع بدعوة الحق ومقاومة التخلف الفكري والعقدي عند الناس يقول:
فقلت وقد فطرت كبدي
هو الحر يقتحم المهلكا
وليست براضية نفسه
ولو أن نفسي تطاوعني
ولاكن نفسي تمنعني

وسألت على خدي العبرات
ت إما إلى العز أو للممات
مقاما على مثل هاذي الحياة
وارضي ضميري رضيت السكاة
وذلك شأن نفوس الاباة
حديث النفس
وبعد هذا يتحول الشاعر الشاب اليافع الى الحديث عن نفسه وعن الدور الذي يهيئ نفسه للقيام به، وهو يعرف أن هذا الدور يستلزم من التضحيات الكبرى ما لا يقوى عليه الا عظماء الرجال، وأن الإلهام الذي ألهمه في هذه المرحلة إلهام تحقق الكثير منه، ولذلك لا يمكن أن يقال عن هذه الأفكار التي نثرها الشاعر إنها مجرد تحرصات وأقوال أوحت بها مرحلة من العمر من عادة بعض الناس فيها أن تكون لربهم أحلامهم أكثر من قدرتهم واستعدادهم ولكن الشاعر هنا في الواقع التزم الهدف مع نفسه وحول خواطره وأحلامه إلى واقع ملموس.
رفض الذل
أأرضى بذل ومنقصة
سأجعل لي مسكنا في السهى
ولي أمة فقدت مجدها
وأنفخ في نفسها نهضة
وألقي على نشئها نظرة
فتبلغ ما أبتغيه لها

وعندي لسان من المرهفات
فإن لم أجده فبين الرفات
سأخدمها بسنا الخدمات
تروق على سائر النهضات
ترقي البنين وتعلي البنات
وما يرتجيه جميع الحماة
الثبات على المبدأ
والشاعر له مبدأ لا يمكن أن يتخلى عليه فإما ان ينجزه أو يهلك دونه وهذا ولاشك استلهام لمواقف لم تعرف إلا لذوي الرسالات الكبرى في التاريخ وهو لا يعبأ بما يقوله من اعتياد التحرض بالأقوال التي تنال من الإرادات وتثبط العزائم يقول:
فلي مبدأ سوف أخدمه
وليس علي إذا غضبوا
سيكفيني الله شرهم
وإني على مبدئي سائر

وأبلغه رغم انف العداة
وكانوا الوشاة واردى الوشاة
وهل مثلهم يبرد العزمات
فإما حياة وإما ممات
الدرس الوصية
هذه إشارة منحصرة ونبذة عن بعض ملامح التزام الشاب بالذود عن حياض الأمة والسعي لتحريرها بكل الوسائل ونعود إلى موضوع الوصية التي اعتمدنا فيها على احد الدروس الحسنية كما أسلفت وفي هذا الدرس يقول الأستاذ المرحوم عبد الرحمان الحريشي في تقديمه لكتاب الدروس الحسنية أن هذا الحديث وحده الذي وجده مكتوبا بخط المرحوم، ولهذا معنى ودلالة يجب اعتبارها وهي أن هذا الدرس أراد رحمه الله أن يوثقه، وأن يجعله أساس تأكيد مواقفه السابقة تجاه أمر الحاكمين والحكوميين وعلاقة الجميع بإحكام الشريعة التي أنزلها الله في كتابه ووضح الرسول وبين ما كان محتاجا إلى توضيح وتبيان وهذا الدرس بجانب بعض إنتاجه الشعري شاهدان على انحياز الأستاذ رحمه الله إلى ضرورة تطبيق أحكام الشريعة، وان الخروج عنها أو الانحياز ضدها للقوانين الوضعية التي هي من صنع البشر هو تنكب عن الطريق وابتعاد عما أمر الأمة به عباده من الانقياد لأحكامه التي جاء بها محمد (ص).
منهج الدرس
وقد انشغل الأستاذ كعادته في هذا الدرس بتبيان ما يحمله من دلالة حيث يتصدى لألفاظه وكلماته بالتحليل وتوضيح معانيها سواء ضمن التركيب أو باعتبارها مفردات ذات مضامين قد تكون متعددة أو بعبارة أن تكون من الألفاظ المشتركة وفي هذا الحديث تعرض لبعض ما يروج له البعض في شان ما جاء في القرآن الكريم من كلمات مثل الأسطورة والقصة والمثل وانتقد من يسعى ليزيل عن القصة القرآنية صدقها وتصدى في هذا الصدد لما كتبه الدكتور محمد خلف الله في رسالته الجامعية (ألقى القصصى في القرآن)، ورد ما جاء به وحلل معنى التناقض الذي لم يفهمه بعض الناس وذلك ما وضحه الأصوليون والمناطقة.
نقد المفاهيم
والواقع أن الفقيد توجه كذلك إلى توضيح أمور عدة فيما يرجع لهذا الباب ولجأ إلى بعض ما كتبه أحد الأساتذة الباحثين اليابانيين في هذا الباب، وكل ذلك ليوضح سطحية بعض المفاهيم التي جرجرها بعض المثقفين دون أن يدركوا معناها وذلك لأنها حتى عند المستعملين لها من الدروتين. وهذا الأسلوب والمنحى في الجدال والنقاش ليس جديدا في منهج الأستاذ في مناقشة القضايا العلمية والفكرية إذ كانت له باستمرار عناية بالكلمات أو المفردات يشرح معناها ويبين أن ما يحمله الناس عليها من معاني وما يستعملونها من أجله، قد يكون خطأ سواء من حيث الدلالة اللغوية أو حتى المضامين الاجتماعية أو السياسية التي يحملونها عليها، فقد عمل هذا في تحليل مفهوم (الرجعية) التي كانت كثيرة الاستعمال والتداول في العقود الأولى من القرن العشرين ومثلها التقدمية والديمقراطية والاشتراكية.
نحت الكلمات
وليس الأمر كذلك بل انه وخوفا من الأخطاء التي يحملها استعمال هذه الكلمات تجنبها في كتاباته وحاول أن يجد ما يقابل ما يريده دون أن يكون ذلك مفضيا إلى الخلط أو الملابسة، وهو في هذا المجال لم يستعمل مثلا كلمة الإقطاع لما توحي به من تشابه مع الاستعمال الذي كان سائدا لدى المسلمين فهي عند المسلمين لا تعني المفهوم الاجتماعي والاقتصادي الذي تعنيه لدى المغرب ولذلك اختار الإبقاء على (الفيودالية) بدل الإقطاع، والاشتراكية تجنب استعمالها واختار التعادلية بحيث التي لها من المضمون ما يحقق الهدف الأصلي من الاشتراكية وهو العدل الضروري بين الناس في المجال الاقتصادي والاجتماعي.
وهكذا نجده في هذا الدرس الذي آثرت أن أسميه الوصية وذلك لأسباب نذكر بعضها فيما يلي:
1 – لأنه سجله كتابه دون بقية الدروس التي كان يلقيها ارتجالا ولا يعود إليها بالكتابة والتحرير.
2 – ضمنه الكثير من الأفكار والآراء والاختيارات التي اعتاد الدفاع عنها وتضمينها لكتاباته وقصائده.
3 – لأنه عالج موضوعا كان طرحه في تلك المرحلة يفرض نفسه ولا يزال وهو موضوع الشريعة وعلاقاتها بالدولة وفصل في كثير من المسائل في هذا الدرس بالذات.
4 – عرفت هذه المرحلة في المجتمع الغربي بروز بعض الجماعات من الشباب التي تتبنى أفكارا إسلامية وتحتاج إلى سند ودعم من شخصية في مستوى علال الفاسي.
5 – أنهى الدرس بتقديم برنامج في نقط رئيسة لمعالجة قضايا الأمة المغربية والأمة الإسلامية.
6 – توجد في ديوانه قصائد شعرية تدعم هذا التوجه حيث طالب بدعم هذه الجماعات التي سماها (شباب الاستقلال) كما جاء في تقديمه لإحدى قصائد.
هذه بعض الأسباب التي رأيت إيرادها وأمد الدرس فكان بعنوان: (مثل المدهن في حدود الله والواقع فيهم).
ونعود إلى مقدمة الدرس لنأخذ منها بعض انتقاداته وتحليلاته لبعض الكلمات التي لا يرى فيها ما يراه
القصة والأقصوصة
فهو أولا تناول القصة والأقصوصة والمثل ليميز ما يجب أخذه بعين الاعتبار عند الحديث عن هذه الكلمات في القرآن.
«والقصة والأقصوصة والمثل من الأسلوب الحكيم المعروف عند العرب والذي استعمله القرءان كمثال إلى توضيح غاية يدعوا إليها أو قدوة يعطيها أو مثل يضربه ليتعظ به القارئ والسامع، أن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها، وقد قال تعالى لنبيه: "نحن نقص عليك أحسن القصص».
والقصة ليست أسطورة كما يريد البعض يقول:
وليست القصة أسطورة أو حديث خرافة كما عن لبعض المستشرقين أو أتباعهم أن يقولوا، لأن الأسطورة خبروثني باطل ليس فيه فائدة، أو على الأقل خيال لا يتمثل له وجود وقد يكون تطويرا لخرافة من خرافات الشعوب القديمة التي تتحدث عن تقاليدهم الوثنية وأوهامهم في تأثيراتها، ومن المعلوم أن أقدم الشعوب في هذا هم أهل بابل والفراعنة واليونانيون وكان للعرب في الجاهلية حديث خرامة زعموا أن صاحبه رجل اختطفه الجن فبقي عندهم زمنا ثم أرسلوه فصار يروي لهم خرافات مستملحة وأنباء يتفكهون بها.
وقد روى الترمذي في الشمائل عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (ص)قص عليها حديث خرامة عن أم زرع، وختمه بقوله لها انا لك كأبي زرع لام زرع غير أني لا أطلقك.
القصة والصدق التاريخي
ويتحدث عن القصص القرآن وما يمتاز به من الصدق التاريخي فيقول:
والواقع أن في القرآن قصصا نص على وقوعها فلا بد أن يكون فيها الصدق التاريخي كقصة ولادة مريم التي يقول على أثرها لنبيه (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم، وما كنت لديهم إذ يختصمون) فالنص على أنها من أنباء الغيب يوجب صدقها التاريخي قطعا.
وهو يتحدث كذلك على أن في القرآن بعض القصص التي تجري مجرى الأمثال وهذه من طبيعتها ليست من القصص التاريخي يقول:
وفي القرآن قصص تجري مجرى الأمثال ولا يلزم أن يكون لمحتواها واقع تاريخي كقوله تعالى: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون؟ الحمد لله، بل أكثرهم لا يعلمون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.