قمة بروكسيل.. هذا ما قاله الاتحاد الأوروبي عن علاقاته مع المغرب بعد قرار المحكمة    ناشط صحراوي ل"رسالة 24″: مقترح دي مستورا مبرر لانسحابه من هذه الوساطة أو الدفع إلى إقالته    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    حركة حماس تعلن مقتل قائدها يحيى السنوار        المنتخب المغربي يخوض مباراتين وديتين أمام تنزانيا والسنغال    في تقرير حديث للأرصاد.. 2023 الأكثر حرارة بالمغرب خلال 80 سنة الماضية    مراكش: افتتاح الدورة ال14 للمعرض الجهوي للكتاب    انفوجرافيك | سواء المبردة أو المجمدة.. "أونسا" تحدد الدول المسموح باستيراد اللحوم الحمراء منها    الدوري الممتاز لكرة السلة: قمة ساخنة بين الفتح واتحاد طنجة    ⁨انفوجرافيك | تدهور مستوى المعيشة للأسر المغربية خلال الفصل الثالث من 2024⁩    فتح تحقيق مع ضابط شرطة متهم باختلاس 40 مليون    التوترات الجيوسياسية تدفع الذهب لأعلى مستوياته على الإطلاق    شفشاون تحتضن فعاليات مهرجان الضحك في نسخته الرابعة    تامسنا: عرض مسرحية "دوخة" للتحسيس بمرض السرطان    لواء سابق بالجيش الاسرائيلي: "قطيع من الحمقى يقود دولتنا نحو خطر يهدد وجودها"    توقيف 66 شخصا في عملية لمكافحة الإرهاب نسقها الإنتربول' في 14 دولة من بينها المغرب    استهلاك التبغ بين الشباب الأميركيين يسجل أدنى مستوى له منذ 25 عاما    سعر الذهب يتجاوز 2700 دولار للأونصة    غياب زياش أو حضوره في معسكر التدريب تتحكم فيها جاهزيته و قناعات المدرب    قيادي بحماس: لا يمكن القضاء على الحركة    كائنٌ مجازي في رُكْن التّعازي! (من رواية لم تبدأ ولم تكتمل)    السنة الثقافية 2024 .. مبادرة "قطر تقرأ" تقرب الأطفال من ثقافات البلدين    أرت'كوم سوب وكوم سوب تفتتح الحرم الجامعي الجديد في الدار البيضاء وتوقّع 14 شراكة استراتيجية    بعد طوفان الأقصى أي أفق لمقترح "حل الدولتين" ؟    غوتيريش يوصي بتمديد مهمة المينورسو في الصحراء المغربية..    الوطن أولا.. قبل ماذا؟    مطالب للحكومة بالارتقاء بحقوق النساء والوفاء بالتزاماتها    هل نحن في حاجة إلى أعداء النجاح؟    نسبة الفقر تقارب مائة في المائة في قطاع غزة بعد عام على بدء الحرب    ملامح العلاقة مع المغرب في ظل العهدة الثانية للرئيس الجزائري    المنتخب المغربي لكرة القدم يرتقي إلى المرتبة 13 عالميا    الهلال السعودي يكشف عن نوعية إصابة ياسين بونو    مجلس المستشارين يعلن أسماء أعضاء مكتبه ورؤساء اللجان الدائمة    هؤلاء هم أهم المرشحين لخلافة السنوار في قيادة حماس؟    مغربيان ضمن الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشرة    علماء يطورون تقنية جديدة لتجنب الجلطات الدموية وتصلب الشرايين    علماء يطورون تقنية جديدة لتجنب الجلطات الدموية وتصلب الشرايين    دي ميستورا يطرح على مجلس الأمن الدولي مشروعا لتقسيم الصحراء المغربية    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: في الحروب يقف الموت على الأبواب    ديميستورا المنحرف عن الشرعية و التجاوز غير المسبوق لكل القرارات الأممية    النجم حميد السرغيني والمخرج العالمي إدريس الروخ يشاركان بالفيلم السينمائي " الوترة" بالمهرجان الدولي للفيلم بطنجة    أمريكا: مقتل السنوار فرصة لنهاية الحرب    المديني: المثقفون العرب في فرنسا يتخوفون من إبداء التضامن مع قطاع غزة    الدولي المغربي رضا بلحيان محط اهتمام مجموعة من الأندية الأوروبية    "جائزة كتارا" للرواية تتوج مغربييْن    تسجيل أزيد من 42 ألف إصابة بجدري القردة بإفريقيا منذ مطلع 2024    توقيع اتفاقية شراكة لتطوير منطقة صناعية جديدة بالجرف الأصفر بقيمة 1.4 مليار درهم    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    ما الذي بقي أمام الجزائر؟    تحسن الوضعية الهيدرولوجية في 6 أحواض مائية يبشر ببداية جيدة للموسم الفلاحي    دراسة تظهر وجود علاقة بين فصيلة الدم وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    نقطة نظام .. النائبة البرلمانية النزهة اباكريم تطرح وضعية المواطنين بدون مأوى بجهة سوس    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع علال الفاسي في (وصيته) من أجل مجتمع ملتزم بالإسلام وقيمه..؟
بقلم: محمد السوسي

في الحديث الأخير أنهينا ما حاولنا استعراضه من بعض القضايا المتعلقة بالنهضة من خلال قصيدتين شعريتين رائعتين للشاعر الفيلسوف محمد إقبال وقد كان إقبال مهووسا بموضوع الحالة التي كان عليها الوضع في العالم الإسلامي والتي كان المسلمون عليها، وما كدنا نلخص من هذا حتى داهمتنا ذكرى شاعر ومفكر ومناضل آخر، يتقاسم مع إقبال الكثير من هموم الأمة وأشجانها ومصائبها إن صح التعبير، ولا شك أن المنبع الذي استقى منه كل منها جعل التوجهات لديهما تكاد تكون واحدة أو على الأقل متطابقة، وإنما الذي يميز بين الرجلين هو ما تميز به تكوين كل واحد منهما والبيئة التي نشأ فيها كل منهما.
وهذا من طبيعة الحال استدعى نوعا من خصوصية التناول لدى كل منهما كما أن معايشة أحدهما لمراحل مهمة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وتأخير عمر أحدهما عن وفاة الآخر مدة مهمة من الزمان عرفت تطورات حاسمة في تاريخ الأمة قوت ما بينهما من تطابق في جهة واختلاف من جهة أخرى فحلم إقبال تحقق بميلاد دولة الباكستان واستقلالها، والآخر عاش مرحلة الاستقلال وحظي بشرف النضال من أجل بناء الاستقلال وإعطاء الكلمة للشعب في نظام ديمقراطي وهو ما لم يتمكن إقبال من الوصول إليه و ما فوضه لرفيقه محمد علي جناح.
ولعل من المناسب ونحن نقوم بهذه المقارنة البسيطة أن نسجل نضال علال الفاسي من أجل صيانة وحدة دولة الباكستان والدفاع عن استقلالها، كما قامت دولة الباكستان المستقلة بتبني قضية استقلال المغرب ووحدته في المحافل الدولية وفي هذا دليل على صدق توجه كل من المجددين المصلحين في القرن العشرين، ولنترك المقارنة بين الرجلين لفرصة لعلها تكون قريبة إن شاء الله ونعود للحديث عن الذكرى الأربعين للمرحوم الأستاذ الزعيم علال الفاسي هذه الذكرى التي تكون لكل المناضلين الذين يقاسمونه فكرة النضال والتمسك بالحرية والكرامة والعدالة ليتذكروا ما بذله من جهد ونضال في سبيل حق الأمة الإسلامية والمغربية في التمتع بالنظام الديمقراطي الشورى والتعادلية الاقتصادية والاجتماعية ولعل الكثيرين سيتناولون هذا فيما سيعقد من ندوات ومناظرات بمناسبة الذكرى.
وفي سياق الذكرى رأيت من المناسب تناول ما أعتبره شخصيا وصية من وصاياه التي تفصل فصلا واضحا في موضوع شائك في حياته وازداد بعد وفاته تعقيدا ذلك هو موضوع الشريعة وتطبيقها في المجتمع الإسلامي وهذه الوصية في نظري وردت في الدرس الحسني الذي ألقاه في شهر أكتوبر عام 1973 أي قبل وفاته بشهور وهو الدرس الوحيد الذي تفرغ له وكتبه تحريرا كما قال المرحوم الأستاذ عبد الرحمان الحريشي.
*********
إحساس خاص
في منتصف شهر مايو الحالي وبالضبط يوم 13 منه يكون قد انصرم أربعون سنة كاملة على وفاة القائد والعالم والمجاهد المجتهد، وهي سنوات في عمر الزمان لا تكاد تذكر غير أنها في مشاعر وإحساس تلاميذ ومريدي هذا القائد الذي لم ينعم بالراحة والاستقرار، لها طعم خاص ومذاق لا يدركه إلا من عشق القيم والمبادئ والمثل التي نذر هذا القائد نفسه لخدمتها والدفاع عنها.
ميلاد وتباشير
وفي ذكرى رحيل القائد يستحضر الذهن كل قواه وتنشط الذاكرة في محاولة للقيام بمسح لمراحل قطعها الوطن منذ ميلاده إلى حين وفاته. وفي هذا المسح يشخص بعض المعالم والمواقف التي كانت لهذا الوطن أو عليه فيتساءل عندما أشرقت الشمس في تلك المدينة المليئة بعبق التاريخ وأريج النضال والجهاد، والتي تتحدث جدرانها وأزقتها عن خطى أولئك العباقرة الأفذاذ الذين كانوا أعلاما ترفرف في سماء المعرفة والعرفان من أولئك الأعلام الذين طاطأ لهم الناس الرءوس وهم يسعون ليقبسوا من أنوار معارفهم العرفانية ومداركهم العقلية.
وطن يغالب الأحداث
لقد كانت هذه المدينة في العشرية الأولى من القرن العشرين الميلادي ونهاية العقد الثالث من القرن الثالث عشر، عندما رأى هذا الطفل النور تغالب الزمان وتحاول في جهد قوى أن تدفع عن نفسها وقومها انسياب الطاعون الذي لا يبقى ولا يذر، لقد كانت تلك السنوات سنوات الأمل الذي يراود النفوس، ولكنه الأمل الذي لا سند له في الواقع المادي الملموس، لقد كان أملا ورجاء لعل المدد غير المنظور يتحرك لينقذ الناس مما هم فيه، لقد تعلقوا بأوهام استبدال حاكم بحاكم ووضع شروط وقيود على كاهل الحاكم الجديد، ولكن كان ذلك كله وهما اغتر به البعض، وأدرك البعض أن الأمر لا يتعلق بشخص يستبدل بشخص، أو حاكم يستبدل بحاكم، أو هي مجرد التزامات في صيغ الرجاء ليقف الطاعون ويستعيد المرضى عاقبتهم، إن الأمر لم يكن كذلك، ولا هو بتلك السهولة التي يتصورها البعض حينداك.
لحظات صعبة
لقد كان المرض منتشرا في كل الجسد، وكان الناس في كل مكان يشعرون بالعافية التي تشبه لحظة استعداد الروح لمغادرة الجسد، وما هي الا لحظات فأدرك الناس ان عقد الوفاة قد هيئ وقبل قليل سيعلن النعي، ويتبادل الناس العزاء في أنفسهم وفي ما آل إليه أمر الوطن وأهله حيث سقط ضحية الغفلة والتهاون.
وافدوا الأمل
في هذه السنوات واللحظات كانت تباشير العافية والحياة تنبعث من هذا وهناك وكانت بعض البيوت والأسر تستقبل وافدين جددا ولم يكن احد يدرك أن من هؤلاء الأطفال نوابغ وأعلاما سيقبسون من أنوار أولئك الأجداد الغابرين ومن عبقريتهم وصدقهم وإخلاصهم ما يستطيعون معه أن يعيدوا الأمة إلى جادة الصواب وأن يربطوا ماضيها بحاضرها وأن يعيدوا المجد القديم الذي ضاع أو كاد والسيادة التي فقدت، والوحدة التي مزقت، والأمن والأمان في ظل وطن متميز.
بداية التحولات
لقد كانت نهاية العقد الأول من القرن بداية التحول مع ميلاد هؤلاء الشباب الذين لمع من بينهم نجم ساطع ما لبث أن أعلى على الناس أنه جاء يحمل فكرا جديدا أو رسالة الوحدة والتجديد، وعبر عن ذلك شعرا أو نثرا.
طفل يصوغ دموعه
وكانت إرهاصات شعره الأول موحية ومبشرة بما سيكون له في المستقبل وما ينتظره فهو طفل لا يملك إلا أن يؤثر في الناس وهو يصوغ لهم دموعه التي يذرفها عن آسى والماعن وطن ومواطنيه فيقول:
وما أنا ذو شعر الذي طار صيته
وأنظم شعري عقودا غواليا
ولكنني طفل تسيل دموعه
فآتى بالسحر الحلال تحديا
فيرددها من لا يزال مناغيا
فينظمها للقارئين قوافيا
الانشغال بالسفاسيف
وكل ذلك على ما آل إليه حال أمته، وما أصبحت عليه بين الأمم وقد كانت في المقدمة ولكنها اليوم أدركها ما أدركها حتى صارت حريتها مقيدة، وسيادتها مفقودها، وبنوها صاروا يأتون القوم بالمصحكات.
حنانيك يا وطني ما اعترا
أضاع بنوك عقولهم
ألا ينظرون إلى شعبه
لقد شعلوا بسفاسهم
ك كم ذا أصابتك من مفجعات
وجاءوا إلى القوم بالمضحكات
اما عندهم له أذنى التفات؟
وليس عليهم إذ قيل مات
لا مبالاة
هكذا يرى الشاعر الأمة وحالها بين الأمم، ولكن مع ذلك فإن الناس لا يشعرون بما هم فيه وما هم عليه لأنه لم يعد يهمهم من حياتهم إلا العيش الهني والإخلاد إلى الراحة والدعة والسكون وهو ما عبر عنه الشاعر على لسان قائلة التي جاء على لسانها:
وقائلة لم لا تقتفي
ألست تراهم: فعيشهم
أتحزن انت على حالهم
سبيلهم إن أردت النجاة
هنئ وهم ارفع الطبقات
وهم ينسبون لك الموبقات
الغواية
وهذه القائلة التي تمثل الغواية وانحراف طبقة معينة من الأمة وهي ما يمكن ان نسميها بالنخبة آنذاك التي استلذت ما كان يرميها لها المستعمر من فتات والتي قال في شانها في قصيدة أخرى:
وكنت أرى تحت العمائم حاجة
فما هي إلا أن يدوم المرتب
نخبة منحرفة
وهذه النخبة لا تقبل من هذا الشاعر الطفل أو الشاب اليافع أن يسفه واقعها ويعبر عن ذلك كله في سره وعلنه وفي مجاله مع أترابه الذين يشاركونه الرأي ومشاعر الأسى على الأمة وهكذا يروي لنا الشاعر ما يرمي به في ذلك الحين في قوله:
فطورا يقولون ذو غرض
وأنا جهول وكم مرة
لأنك سفهت أحلامهم
فدعهم وشأنهم واتخذ
وآونة ما له من حصاة
يريدون سقيك كأس الموات
وعبت قبولهم المرجفات
لنفسك غير سبيل العظات
تبرير مواقف
إن الشاعر يصور حال بعض الناس في كل زمان ومكان الذين يتصدون لدعاة الإصلاح ودعاة القيم والمثل العليا، وذلك لإيجاد مبرر لما هم فيه وما أباحوه لأنفسهم في هذا الصد والنكران من لدن قومه، ورميهم إياه بما رموه به نهج الأقوام المنحرفين والصادين عن سبيل الرقي والتقدم حتى مع الرسل والأنبياء وأحرى مع دعاة التجديد والحرية والإصلاح الاجتماعي.
رفض الاستسلام
ولكن الشاعر لم يستسلم وإنما تصدى لهذه الدعاوي الباطلة بهمة عالية وروح نضالية متوتبة، لأنه يرى ان الموت أفضل مما عليه واقع الأمة لأن الموت الحسي ليس شيئا يخيف أو يضرا أمام الموت العنوى موت الضمير والاستكانة للعدو والخضوع له، وعدم اتخاذ ما يلزم من العدة للمقاومة والمواجهة وهذا ما نلحظه في الأبيات التالية حيث نجد من الشاعر العزيمة والإرادة في خوض معركة الإصلاح بكل ما يتطلبه الموقف وبعد فإما إلى عز أو ممات، وليس بضمائر الحر ما يلاقيه لأنه يومن إيمانا عميقا انه لن يجد نفسه وذاته يصدق الا حين يرضي ضميره ويريح نفسه بالصدع بدعوة الحق ومقاومة التخلف الفكري والعقدي عند الناس يقول:
فقلت وقد فطرت كبدي
هو الحر يقتحم المهلكا
وليست براضية نفسه
ولو أن نفسي تطاوعني
ولاكن نفسي تمنعني
وسألت على خدي العبرات
ت إما إلى العز أو للممات
مقاما على مثل هاذي الحياة
وارضي ضميري رضيت السكاة
وذلك شأن نفوس الاباة
حديث النفس
وبعد هذا يتحول الشاعر الشاب اليافع الى الحديث عن نفسه وعن الدور الذي يهيئ نفسه للقيام به، وهو يعرف أن هذا الدور يستلزم من التضحيات الكبرى ما لا يقوى عليه الا عظماء الرجال، وأن الإلهام الذي ألهمه في هذه المرحلة إلهام تحقق الكثير منه، ولذلك لا يمكن أن يقال عن هذه الأفكار التي نثرها الشاعر إنها مجرد تحرصات وأقوال أوحت بها مرحلة من العمر من عادة بعض الناس فيها أن تكون لربهم أحلامهم أكثر من قدرتهم واستعدادهم ولكن الشاعر هنا في الواقع التزم الهدف مع نفسه وحول خواطره وأحلامه إلى واقع ملموس.
رفض الذل
أأرضى بذل ومنقصة
سأجعل لي مسكنا في السهى
ولي أمة فقدت مجدها
وأنفخ في نفسها نهضة
وألقي على نشئها نظرة
فتبلغ ما أبتغيه لها
وعندي لسان من المرهفات
فإن لم أجده فبين الرفات
سأخدمها بسنا الخدمات
تروق على سائر النهضات
ترقي البنين وتعلي البنات
وما يرتجيه جميع الحماة
الثبات على المبدأ
والشاعر له مبدأ لا يمكن أن يتخلى عليه فإما ان ينجزه أو يهلك دونه وهذا ولاشك استلهام لمواقف لم تعرف إلا لذوي الرسالات الكبرى في التاريخ وهو لا يعبأ بما يقوله من اعتياد التحرض بالأقوال التي تنال من الإرادات وتثبط العزائم يقول:
فلي مبدأ سوف أخدمه
وليس علي إذا غضبوا
سيكفيني الله شرهم
وإني على مبدئي سائر
وأبلغه رغم انف العداة
وكانوا الوشاة واردى الوشاة
وهل مثلهم يبرد العزمات
فإما حياة وإما ممات
الدرس الوصية
هذه إشارة منحصرة ونبذة عن بعض ملامح التزام الشاب بالذود عن حياض الأمة والسعي لتحريرها بكل الوسائل ونعود إلى موضوع الوصية التي اعتمدنا فيها على احد الدروس الحسنية كما أسلفت وفي هذا الدرس يقول الأستاذ المرحوم عبد الرحمان الحريشي في تقديمه لكتاب الدروس الحسنية أن هذا الحديث وحده الذي وجده مكتوبا بخط المرحوم، ولهذا معنى ودلالة يجب اعتبارها وهي أن هذا الدرس أراد رحمه الله أن يوثقه، وأن يجعله أساس تأكيد مواقفه السابقة تجاه أمر الحاكمين والحكوميين وعلاقة الجميع بإحكام الشريعة التي أنزلها الله في كتابه ووضح الرسول وبين ما كان محتاجا إلى توضيح وتبيان وهذا الدرس بجانب بعض إنتاجه الشعري شاهدان على انحياز الأستاذ رحمه الله إلى ضرورة تطبيق أحكام الشريعة، وان الخروج عنها أو الانحياز ضدها للقوانين الوضعية التي هي من صنع البشر هو تنكب عن الطريق وابتعاد عما أمر الأمة به عباده من الانقياد لأحكامه التي جاء بها محمد (ص).
منهج الدرس
وقد انشغل الأستاذ كعادته في هذا الدرس بتبيان ما يحمله من دلالة حيث يتصدى لألفاظه وكلماته بالتحليل وتوضيح معانيها سواء ضمن التركيب أو باعتبارها مفردات ذات مضامين قد تكون متعددة أو بعبارة أن تكون من الألفاظ المشتركة وفي هذا الحديث تعرض لبعض ما يروج له البعض في شان ما جاء في القرآن الكريم من كلمات مثل الأسطورة والقصة والمثل وانتقد من يسعى ليزيل عن القصة القرآنية صدقها وتصدى في هذا الصدد لما كتبه الدكتور محمد خلف الله في رسالته الجامعية (ألقى القصصى في القرآن)، ورد ما جاء به وحلل معنى التناقض الذي لم يفهمه بعض الناس وذلك ما وضحه الأصوليون والمناطقة.
نقد المفاهيم
والواقع أن الفقيد توجه كذلك إلى توضيح أمور عدة فيما يرجع لهذا الباب ولجأ إلى بعض ما كتبه أحد الأساتذة الباحثين اليابانيين في هذا الباب، وكل ذلك ليوضح سطحية بعض المفاهيم التي جرجرها بعض المثقفين دون أن يدركوا معناها وذلك لأنها حتى عند المستعملين لها من الدروتين. وهذا الأسلوب والمنحى في الجدال والنقاش ليس جديدا في منهج الأستاذ في مناقشة القضايا العلمية والفكرية إذ كانت له باستمرار عناية بالكلمات أو المفردات يشرح معناها ويبين أن ما يحمله الناس عليها من معاني وما يستعملونها من أجله، قد يكون خطأ سواء من حيث الدلالة اللغوية أو حتى المضامين الاجتماعية أو السياسية التي يحملونها عليها، فقد عمل هذا في تحليل مفهوم (الرجعية) التي كانت كثيرة الاستعمال والتداول في العقود الأولى من القرن العشرين ومثلها التقدمية والديمقراطية والاشتراكية.
نحت الكلمات
وليس الأمر كذلك بل انه وخوفا من الأخطاء التي يحملها استعمال هذه الكلمات تجنبها في كتاباته وحاول أن يجد ما يقابل ما يريده دون أن يكون ذلك مفضيا إلى الخلط أو الملابسة، وهو في هذا المجال لم يستعمل مثلا كلمة الإقطاع لما توحي به من تشابه مع الاستعمال الذي كان سائدا لدى المسلمين فهي عند المسلمين لا تعني المفهوم الاجتماعي والاقتصادي الذي تعنيه لدى المغرب ولذلك اختار الإبقاء على (الفيودالية) بدل الإقطاع، والاشتراكية تجنب استعمالها واختار التعادلية بحيث التي لها من المضمون ما يحقق الهدف الأصلي من الاشتراكية وهو العدل الضروري بين الناس في المجال الاقتصادي والاجتماعي.
وهكذا نجده في هذا الدرس الذي آثرت أن أسميه الوصية وذلك لأسباب نذكر بعضها فيما يلي:
1 – لأنه سجله كتابه دون بقية الدروس التي كان يلقيها ارتجالا ولا يعود إليها بالكتابة والتحرير.
2 – ضمنه الكثير من الأفكار والآراء والاختيارات التي اعتاد الدفاع عنها وتضمينها لكتاباته وقصائده.
3 – لأنه عالج موضوعا كان طرحه في تلك المرحلة يفرض نفسه ولا يزال وهو موضوع الشريعة وعلاقاتها بالدولة وفصل في كثير من المسائل في هذا الدرس بالذات.
4 – عرفت هذه المرحلة في المجتمع الغربي بروز بعض الجماعات من الشباب التي تتبنى أفكارا إسلامية وتحتاج إلى سند ودعم من شخصية في مستوى علال الفاسي.
5 – أنهى الدرس بتقديم برنامج في نقط رئيسة لمعالجة قضايا الأمة المغربية والأمة الإسلامية.
6 – توجد في ديوانه قصائد شعرية تدعم هذا التوجه حيث طالب بدعم هذه الجماعات التي سماها (شباب الاستقلال) كما جاء في تقديمه لإحدى قصائد.
هذه بعض الأسباب التي رأيت إيرادها وأمد الدرس فكان بعنوان: (مثل المدهن في حدود الله والواقع فيهم).
ونعود إلى مقدمة الدرس لنأخذ منها بعض انتقاداته وتحليلاته لبعض الكلمات التي لا يرى فيها ما يراه
القصة والأقصوصة
فهو أولا تناول القصة والأقصوصة والمثل ليميز ما يجب أخذه بعين الاعتبار عند الحديث عن هذه الكلمات في القرآن.
«والقصة والأقصوصة والمثل من الأسلوب الحكيم المعروف عند العرب والذي استعمله القرءان كمثال إلى توضيح غاية يدعوا إليها أو قدوة يعطيها أو مثل يضربه ليتعظ به القارئ والسامع، أن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها، وقد قال تعالى لنبيه: "نحن نقص عليك أحسن القصص».
والقصة ليست أسطورة كما يريد البعض يقول:
وليست القصة أسطورة أو حديث خرافة كما عن لبعض المستشرقين أو أتباعهم أن يقولوا، لأن الأسطورة خبروثني باطل ليس فيه فائدة، أو على الأقل خيال لا يتمثل له وجود وقد يكون تطويرا لخرافة من خرافات الشعوب القديمة التي تتحدث عن تقاليدهم الوثنية وأوهامهم في تأثيراتها، ومن المعلوم أن أقدم الشعوب في هذا هم أهل بابل والفراعنة واليونانيون وكان للعرب في الجاهلية حديث خرامة زعموا أن صاحبه رجل اختطفه الجن فبقي عندهم زمنا ثم أرسلوه فصار يروي لهم خرافات مستملحة وأنباء يتفكهون بها.
وقد روى الترمذي في الشمائل عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (ص)قص عليها حديث خرامة عن أم زرع، وختمه بقوله لها انا لك كأبي زرع لام زرع غير أني لا أطلقك.
القصة والصدق التاريخي
ويتحدث عن القصص القرآن وما يمتاز به من الصدق التاريخي فيقول:
والواقع أن في القرآن قصصا نص على وقوعها فلا بد أن يكون فيها الصدق التاريخي كقصة ولادة مريم التي يقول على أثرها لنبيه (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم، وما كنت لديهم إذ يختصمون) فالنص على أنها من أنباء الغيب يوجب صدقها التاريخي قطعا.
وهو يتحدث كذلك على أن في القرآن بعض القصص التي تجري مجرى الأمثال وهذه من طبيعتها ليست من القصص التاريخي يقول:
وفي القرآن قصص تجري مجرى الأمثال ولا يلزم أن يكون لمحتواها واقع تاريخي كقوله تعالى: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون؟ الحمد لله، بل أكثرهم لا يعلمون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.