تشهد بلادنا في المرحلة الراهنة ما لم تعرفه منذ إثنى عشر قرنا خلت و التي تشكل عمر هذه المملكة المديد و تاريخها العريق,فكل المؤشرات البادية على الساحة الوطنية تدل على أن المغرب سيدخل حتما مرحلة جديدة ليس بالضرورة أن تكون مكسوة بالورود إذ من الممكن أن يئتثها ظلام أحلك من هذا الذي نعيشه حاليا في هذا البلد السعيد. فجميع المبادرات الملكية التي يجوز وصفها بالشجاعة و الهادفة تعتبر أمرا إيجابيا لن يستطيع محو مختلف أشكال الفساد التي تعشش في العقليات و الإدارات العمومية لكنها على الأقل ستضخ دماء جديدة في الممارسة السياسية التي غالبا ما تصاب الشلل الفتاك,و من أهم هذه الإنجازات التي تحسب للملك و التي تخلق نقاشا مستفيضا هذه الأيام هي المتمثلة في التعديل الدستوري الذي أُعلن عنه في9 مارس ضمن خطاب وصف بالتاريخي لما قدمه من تغيير جذري في المشهد السياسي و الذي خرج إلى أرض الواقع في 17 يونيو بالتزامن مع الخطاب الملكي الذي أفصح عنه الملك عن جدوى هذا الدستور و الكيفية المرجوة للتعامل مع هذا الأخير.
فمهما كان هذا الدستور الذي سيصوت عنه في فاتح يوليوز إيجابيا و محتويا على بنود تضمن الحياة الكريمة للمواطن و تقصي الفساد و تعطي مصداقية أكثر للعمل السياسي و العلاقة بين المواطن و ملكه إلا أن هذه البنود ستظل غير كافية للوصول إلى كل الغايات المرجوة منها إذا ظلت حبيسة الأفواه و لم تترجم إلى الأرض الواقع,و لهذا فالميلاد الجديد للدستور لا يعتبر إلا خطوة لم تبلغ بعد نصف الطريق لأن استباق الأحداث و التهليل لهذا الدستور لن يضيف الكثير إذا لم يتم الشروع في تفعيلها في أقرب وقت ممكن .
عندما نتحدث عن بلد حداثي و ديمقراطي على جميع الأصعدة فمن الضروري أن يكون الدستور الفاعل الرئيسي في ازدهار هذا البلد,و لا يمكن أيضا الحديث عن تطبيق الدستور أي القانون الأسمى بكل حذافره دون قيام مكونات المجتمع و من بينها الأحزاب السياسية بالأدوار المنوطة بها و البارزة في التأطير السياسي و التعبير عن هموم الشعب و تشجيع أفراد هذا الأخير على الإنخراط الفعال في العمل السياسي و ليس المساهمة في نفوره في هذا الأخير الذي يحتاج إلى الطاقات الهائلة التي يتوفر عليها شبابنا و التي غالبا ما تهدر في العدم,لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه فأقل ما يمكن القول عن الأحزاب السياسية المغربية أنها عديمة الفائدة و ملوثة للعمل السياسي عبر الأساليب المبيتة التي تنهجها للوصول إلى أهدافها ,فهي لا تعبر عن رغبات المواطن و إنما تهدف إلى تلميع صورتها الزائفة,فمهما شاهدت الأحزاب السياسية تنشط بشكل كبير في هذه الأونة ضمن الإعلام العمومي تناقش و تثمن خطوات الملك و تستحضر مشاكل الشعب فاعلم أنها ليست سوى تحضير لحملة انتخابية مطعمة بجميع الوسائل المشروعة و غير المشروعة.
و لهذا أصبح من الحتمي أن يعرف التغيير طريقه في هذا البلد,فبعد تغيير الدستور فيجب علينا تغيير البنيات الهشة و الهرمة للأحزاب التي لم تقنع من نعيم الحكومة و لم تعطي القيمة المضافة لتنمية هذا الوطن,فالمواطن المغربي بدون شك سئم من الوجوه الحزبية و التي تطل غير ما مرة على الإعلام العمومي لتعبر عن نيتها العكرة و تمارس ألاعيبها على المواطن الذي فطن لقواعد اللعبة السياسية في هذا البلد.
و بالتالي إذا كنا نطمح بتحقيق الديمقراطية الحقة و نعيد ثقة المواطن في العمل السياسي فعلينا أولا و قبل كل شئ تقوية دور النخب السياسية و إعادة النظر في الهيكلة الحالية للأحزاب السياسية التي يظل عملها موسميا إبان الإنتخابات فقط,فليس التغني و التهليل للدستور الجديد هو الكفيل بتحقيق التنمية و الوصول إلى ركب الدول المتقدمة و إنما تفعيل بنود هذا الدستور الذي يأتي في مرحلة حساسة نحن في حاجة إلى أحزاب قوية و فعالة قادرة على تطبيق مقتضيات هذا الدستور,و كما سبق القول فإن هناك العديد من الثغرات التي يجب ملءها و تصحيحها و من أهمها البنيات الهرمة للأحزاب السياسية,فهذه المرحلة تحتاج إلى شباب طموح و حماسي متشبع بالروح الوطنية و بحتمية خدمة الصالح العام,إلا أن هذا لا ينفي أن لجمعيات المجتمع المدني و المواطنين أيضا دورا في توجيه بوصلة هذا البلد نحو الوجهة الصحيحة و ذلك عبر الإنخراط في العمل السياسي و لتقرير مصيرهم بأيديهم و فرض وجودهم على الساحة الوطنية مما يجبر المفسدين و ناهبي المال العام على التراجع عن خططهم العكرة الرامية إلى خدمة المصالح الشخصية . [email protected] rafkayoub.blogspot.com