تشهد الساحة الوطنية في الأونة الأخيرة متغيرات أقل ما يمكن أن نصفها بأنها تاريخية و جذرية إذ لم يسبق لبلادنا أن عرفتها طيلة اثنى عشر قرنا, من مراجعة دستورية أشركت فيها جميع المكونات و حراك اجتماعي عبر فيه الشباب المغربي عن تطلعاته و مطالبه الهادفة إلى السير نحو الديمقراطية الحقة,و يمكن القول أن هذا الورش الدستوري كسر مجموعة من الحواجز و أخرج العديد من المواطنين عن صمتهم بالخروج إلى الشوارع للتهليل و الإبتهاج بمناسبة الخطاب الملكي الذي أفصح عبره عن الملامح الكبرى للدستور الجديد. و ما يثير الإهتمام حول هذا المشروع الجديد هو أن أغلب المواطنين الذين عبروا عن سرورهم و ابتهاجهم بهذا الدستور بعيد الخطاب الملكي لم يستوعبوا قط معظم مضامينه و دلالته مؤمنين فقط بأن هذا الورش سيقطع صلة بلدهم بجميع أشكال الفسادو التخلف,لذا خرجوا إلى الشوارع بعفوية كبيرة لكي يعبروا عن ولائهم الخالص للملك و يبعثوا برسائل غير مشفرة لكل أولئك الطامحين إلى زعزعة استقرار هذا الوطن مفادها أن هناك تلاحم لا مثيل له بين الشعب و ملكه و علاقة متينة قائمة على الثقة و الإحترام المتبادل,فأصبحنا نشاهد أطفال ,شباب,شيوخ و بالتالي كل شرائح المجتمع على اختلاف مستواياتهم الثقافية و العمرية يعبرون عن رضاهم اللامحدود حول الدستور الجديد,لكن هذا لا يمنع بوجود تلة لا يستهان بها من المحللين السياسيين و المثقفين الذين أبدوا موافقتهم التامة على مضامين هذا المولود الجديد لما يحمله من جديد من شأنه العبور بنا إلى ركب الدول المتقدمة والأكثر ديمقراطية.
كما استطاع هذا الدستور الجديد أن يوحد رؤى الأحزاب السياسية على اختلاف توجهاتها,فمن المناسبات القلائل التي تتوحد فيها وجهات نظر اليسار و اليمين و الإسلاميين على حد سواء,بحيث أن أغلب الإقتراحات التي قدمت للجنة مراجعة الدستور أخذت بعين الإعتبار مما خلف انطباعا إيجابيا حول فصول الدستور الجديد.
شخصيا أرى بأن هذه اللحظة تعد تاريخية بكل المقاييس إذ أنها تضخ دماء جديدة في العلاقة بين جميع مكونات المجتمع المغربي دون حصر,بحيث أن كل مواطن مغربي سيجد نفسه في هذا الدستور لما تضمنه من تمسك بالهوية الوطنية و الإسلامية بالإضافة إلى ترسيم اللغة الأمازيغية مما يساهم في لم شمل جميع مكونات المجتمع المغربي دون حصر,فكل هذه الخطوات التي تم اتخاذها من قبيل التشبث بثوابت الأمة و توطيد التلاحم بين مكونات الهوية المغربية من عربية , أمازيغية, صحراوية حسانية, إسلامية, متوسطية , أندلسية و عبرية,ساهمت بشكل كبير في خلق هذا التجاوب غير المسبوق مع الدستور الجديد الذي يُنتظر منه الكثير الكثير.
فرغم أن هذا الدستور أثلج صدر فئة مهمة من الشعب المغربي إلا أنه بالمقابل لم يرق البعض بحجة أنه لا يختلف كثيرا مع سابقه ,إذ لم يأخذ بعين الإعتبارإلى مطالبهم التي تهدف إلى الملكية البرلمانية,لكنني أعتقد بأن عدم الحد من سلطات الملك بصفة جذرية يعتبر شئ إيجابي لما أبان عنه العاهل المغربي منذ توليه عرش الحكم من تفاني و جدية في الرقي بالمغرب إلى مصاف الدول الديمقراطية و لهذا فأعتبر بأن الملك هو الضامن الوحيد و الأوحد لاستقرار البلاد و تنميتها,فإذا تم إعطاء رئيس الحكومة صلاحيات تفوق الملك فمن سيضمن لنا وقتها نهج الرئيس نفس سياسة الملك القائمة على تسليط الضوء على مشاكل المواطن المغربي والرامية إلى التنمية و التقدم.
و بالتالي فعلى كل مكونات المجتمع المغربي و أخص بالذكر هنا الإعلام العمومي بأن يستغل هذه الفرصة الثمينة و المتمثلة في حملة الإستفتاء لتكذيب كل أصابع الإتهام المصوبة نحوها و التي تفيد بأن الإعلام العمومي المغربي ليس إلا عبدا مأمورا للدولة و ذلك عبر ترك المجال مفتوحا لجميع الرؤى سواء المدعمة أو المعارضة لهذا الورش الدستوري للتعبير عن اعتقاداتها و آرائها ,لأن لا وجود لتنمية بدون اختلاف .
على كل,فرغم القيل و القال الذي رافق تقديم هذا الدستور الجديد فإننا نأمل بأن يكون هذا الأخير بمثابة ذلك القطار السريع الذي سينقلنا إلى مسار الديمقراطية الحقة,الخالية من كل أشكال الفساد و المرتبطة بضمان العيش الكريم للمواطن المغربي الذي يعلق أمالا كبيرة على هذه الخطوة التاريخية التي قام بها صاحب الجلالة الذي يبقى الضامن الوحيد و الأوحد لاستقرار البلاد,و ليبقى السؤال المطروح الذي يفرض نفسه مع كل تعديل دستوري و هو هل بمقدور هذا الدستور الجديد أن يقطع صلتنا بكل أشكال الفساد و البيروقراطية و أن يتغلب على المشاكل الجمة التي يعاني منها المواطن المغربي البسيط؟؟؟؟؟؟؟؟؟