يبدو أن الحيط القصير لإنقاذ صناديق التقاعد المتهاوية، حدده مسؤولو الحكومة وخُبراؤُها في المنخرطين من موظفين ومستخدمين لا حول ولا قوة لهم. يسهل التجرؤ عليهم، بل ويُصَدِّقون كُل ما يُقال لهم... عبد الإله بن كيران تحدث عن إصلاح هاته الصناديق قبل نهاية السنة الجارية، بل وهنا حديث عن سيناريوهات لهذا الإصلاح، تم التوافق بشأنها بين أحزاب الأغلبية، بشكل يهمش عمل الجهات الأخرى المتدخلة، والتي يبدو أن فاعليتها تتراجع يوما بعد يوم، علما أن بعضها إنتهى منذ أمد غير قصير. الحلول المقترحة تُفضي لِمَد سِن العمل بسنتين في مرحلة أولى، وبشكل تدريجي لِسِن المَمَات عفوا الخمس والستين... ولما لا في أفق أزمة أخرى السبعين وهكذا.. وأيضا بإعتماد معدل أجور الثمان أو العشر سنوات الوظيفية الأخيرة، بدل آخر أجر المعمول به حاليا. وأيضا الرفع من مبالغ الإقتطاعات، مع تعويض كل سنة عمل ب 2 بدل 2.5 لإحتساب نسبة التقاعد الجاري بها العمل حاليا. تدابير تتم كلها على "ظهر" المنخرط، رغم أنه دفع مساهماته في وقتها، ودونما تأخير ولسنوات بل لعقود طويلة، ورغم أن العديد من التقارير تحدثت عن إختلالات لا ذنب لهذا الأخير فيها، لا من قريب ولا بعيد. الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي وبعد زيارة لجنة تقصي حقائق برلمانية له (2002)، طفت أرقام ومعطيات مهولة على السطح. وتحدث التقرير الصادر حينها عن 4770 مليار سنتيم وباحتساب الفوائد 11500 مليار سنتيم، أموال ضخمة تم تبديدها وإضاعتها وأحيانا إختلاسها... وتحدث التقرير عن مظاهر وأسباب للفساد منها: انغلاق المؤسسة على نفسها وسلوكها تدبيرا عشوائيا، سيادة الرشوة والمحسوبية في عملية تحصيل واجبات الاشتراك، تزوير الوثائق و عدم تحري المعطيات في منح التعويضات، توظيف أكثر من 5000 مستخدم خارج أي إطار قانوني، عدم تغطية المراقبة المالية لمجالات نشاط الصندوق... تقرير المجلس الأعلى للحسابات لم يحد عن هذا النحو السلبي، ووقف على تجاوزات مالية وتدبيرية خطيرة، ساهمت في بعثرة أموال العمال والمستخدمين لسنوات طويلة منها: مبالغ تعويضات تمت تأديتها خطأ، حيث حددت هذه المبالغ بين 2005 و2008 فقط في مليار و716 مليون سنتيم، وهي مبالغ لا يتم إدراجها في الميزانية ولا تتبعها. مداخيل مصاريف المتابعات التي لا يتم تتبعها في محاسبة الصندوق ولا تدرج في ميزانياته، والتي قدرت بين 1998 و 2009 بحوالي 5 مليار و245 مليون سنتيم، ووجود مداخيل غير مودعة في الحسابات البنكية رغم أنها مقيدة في محاسبة الصندوق على أنها مبالغ مستخلصة، حيث بلغت قيمة هذه المداخيل إلى غاية 13 دجنبر 2009، 3ملايير و650 مليون سنتيم. إستخلاص أبناك لمصاريف تجاوزت 3مليار و800 مليون سنتيم بدون موجب حق.... الصندوق المغربي للتقاعد ووفقا لتقرير سابق لقضاة المجلس الأعلى للحسابات، فإن الصندوق تكبد خسائر بملايير كثيرة بسبب المتاجرة في أسهم شركات وصفت بالخطرة... كما وقف تقرير المجلس على تقاضي موظفين سامين وغير سامين لمعاشات رغم تسلمهم لرواتب من جهة أخرى وهو ما يعتبر مخالفة للقانون، وتبذيرا لمال المنخرطين وذوي حقوقهم. هذه نماذج من إختلالات كلفت صناديق التقاعد ملايير كثيرة، دون أن يكون لمنخرطيها أدنى ذنب أو مسؤولية في ذلك، ليتم في هذه المرحلة مطالبتهم بتغطية ما نتج عن سوء التدبير والجهل أحيانا، والإختلاس أحيانا أخرى.. وهو ما لن يتقبله الكثيرون، خصوصا في ظل الأوضاع الصحية المتدهورة لفئات واسعة من المستخدمين والموظفين، والذين لا يمكن مقارنة ظروف عملهم ولا متابعاتهم الصحية بتلك المطبقة في بلدان أخرى حيث سن التقاعد أعلى من الستين. أيضا الدولة ملزمة برفع مساهماتها كمشغلة في صناديق التقاعد عن الموظفين إلى ضعف ما هو عليه الأمر اليوم، كما هو الأمر في بلاد العالم. الدولة أيضا مطالبة بمتابعة ناهبي أموال المنخرطين، وإسترجاع ما توفر منها، ومعاقبة المذنبين، ومحاسبة من ثبت سوء التدبير بحقه بالخطإ الجسيم. إعادة هيكلة هاته الصناديق، وترشيد نفقاتها والتخلص من الزائد منها. جعل 62 أو 65 إختيارية لمن شاء ذلك وتوفرت فيه الإمكانيات الصحية، وهو أمر حتما سيخدم مصالح البعض ممن إلتحق بقطار العمل في سن متأخر...