"إلى روح أيقونة التحرر والسلام، المناضل الأسطوري: نيلسون مانديلا" مما لا ريب فيه، أن القوانين الدولية والتشريعات الوطنية، أفردت نصوصا خاصة بالعمل النقابي كحق من الحقوق الأساسية للمواطنين، لما له من أهداف سامية تتمثل في الدفاع عن منخرطي النقابات، تحسين أوضاعهم المادية والمعنوية، توعيتهم بالواجبات والحقوق، تأهيلهم للعمل، وتوفير الخدمات والحماية الاجتماعية... وعلى هذا الأساس تدعم الدولة النقابات بأغلفة مالية مهمة، لتعزيز أدوارها في تكوين المنخرطين وتأطيرهم، وليس لتثبيت القيادات في مناصبها ضدا عن إرادة الكادحين.... والمغرب كغيره من البلدان، عرف حركات نقابية بزعامات وطنية، يشهد لها الجميع بمسارها النضالي الشاق والمشرق، عندما رفضت بإباء المساومات، وقاومت باستبسال الوجود الاستعماري الغاشم، وتدخلاته في الشؤون الداخلية للبلاد، مما جعل انتماءها السياسي يعرضها إلى القمع والاعتقال... فالمتفحص لتاريخ حركاتنا العمالية وللدور الريادي الذي لعبه رموزها، من أجل ترسيخ مفهوم النضال، عبر ما سطروه من برامج تحررية للتخلص من ربقة الاستلاب والتبعية الاقتصادية والسياسية، وما حققوه للرفع من مستوى فكر وعيش الطبقة العاملة وكافة المواطنين، سيقف دونما تردد باحترام وإجلال، تقديرا لما بذله هؤلاء الأفذاذ من جهود مضنية ضد القهر الاجتماعي والاستبداد السياسي، في سبيل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، إلا أن ما يعاب على البعض، هو ذاك التشبث الأعمى بدكة القيادة، الذي يتعارض مع المبادئ المعلن عنها ويتنافى مع الشعارات المطالبة بالتغيير والديمقراطية، إلى حد الإسهام في تنامي النقابات الطفيلية في المؤسسات الخاصة ومختلف القطاعات العمومية، وخير ما يستدل به: أن المحجوب بن الصديق رحمه الله، وإن كان من أبرز القادة النقابيين، الذين كتبوا تاريخ المغرب الحديث، فإنه ظل يتربع على عرش نقابة "الاتحاد المغربي للشغل"، منذ: 20 مارس 1965، أي زهاء 44 سنة، مكونا بذلك امبراطورية نقابية تخضع لنزواته وأوامره، ولم يفكر لحظة في الانسحاب والتفرغ لحالته الصحية، إلى أن غيبه الموت في إحدى المصحات الباريسية بفرنسا، يوم 17 شتنبر 2010، عن سن تناهز ثمانية وثمانين عاما، في حين استمر السيد: عبد الرزاق أفيلال، ماسكا بقبضة من حديد كرسي القيادة في منظمة "الاتحاد العام للشغالين بالمغرب" الجناح النقابي لحزب الاستقلال، منذ سنة: 1964 إلى غاية: 29 يناير 2009، أي ما يقارب 45 سنة، لينتهي به المطاف متهما باستغلال المركزية لمصالحه الشخصية، من قبل نخبة من "الغيورين" ثارت ضد ما سمته بالأوضاع الفاسدة، المتمثلة في سوء التسيير والاستبداد بالقرارات والتصرف المطلق في مالية المؤسسة النقابية، واستمر الصراع محتدما حتى تمت إزاحته على يد أعتى مناوئيه السيد: حميد شباط، الذي سيعمل فيما بعد على الإطاحة بآل الفاسي والاستلاء على منصب الأمانة العامة للحزب، وأصبح من كان يزلزل الأرض من تحت الأقدام، مرفوعا على كرسي متحرك في مواجهة الأسقام والآلام والرد على الاتهام، الموجه إليه من لدن المحكمة حول مشروع الحسن الثاني لإيواء قاطني دور الصفيح بالدار البيضاء.... وبخصوص السيد: محمد نوبير الأموي، الذي يحلو للبعض مناداته ب" بوسبرديلة" لالتزامه الشديد بانتعال حذاء رياضي في معظم حلبات التظاهر، ذلك القادم من إقليم الشاوية حيث عرف النور بدائرة ابن أحمد سنة 1936، فقد انخرط في العمل السياسي بحزب الاستقلال وعمره لا يتجاوز 16 سنة، ومن تم انضم إلى صفوف حركة المقاومة السرية، ليتشبع بفكر كبار الرجال من الوطنين المخلصين أمثال: علال الفاسي، المهدي بن بركة، عمر بن جلون وعبد الرحيم بوعبيد... صنع مجده من قلب المعتركين السياسي والنقابي، ولملم جراحات المعتقلات، التي لم تزده إلا إصرارا على الصمود والكفاح، متطلعا إلى وطن حر ورائع ... كان عضوا بارزا في المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عمل مدرسا لمادة اللغة العربية، وإثر احتكاكه برجال التعليم ومن ورائهم الطبقة العاملة، ذاع صيته وسطع نجمه لتكلل نضالاته بالتتويج كاتبا عاما للكونفدرالية الديموقراطية للشغل، تلك النقابة العتيدة التي انبثقت عن تحالف ثماني نقابات قطاعية وطنية، اجتمع مندوبوها في شهر نونبر 1978 لجعلها بديلا عن "الاتحاد المغربي للشغل" كرد فعل عما لامسوه من انزياح تجسد في هيمنة البيروقراطية والمحسوبية، وكان من ضمن الركائز الأساسية للمركزية الجديدة، احترام الديمقراطية الداخلية وتوسيع دائرة المبادرات القاعدية والمسؤولة، والحرص الشديد على تكسير قيود التسلط والاستعباد، ومناهضة كل أشكال الاستغلال والفساد... قطعت المنظمة مسافات طوال في درب النضال، تحت إدارة الأموي الذي لبث قائدا محنكا قرابة خمس وثلاثين سنة، عرف فيها إنجازات وإخفاقات، انتصارات وانكسارات، لم تنل من مسيرته محاولات الإضعاف بعد انسحابه من حزب الاتحاد الاشتراكي، وإقدامه على تأسيس حزب "المؤتمر الوطني" كغطاء سياسي لمنظمته، سواء بعد الانشقاق الأول في 2002 وظهور الفدرالية الديمقراطية للشغل (فدش) أو خلال الانشقاق الثاني للمنظمة الديمقراطية للشغل (مدش)، وباستمراره متماسكا وقويا داخل الحساسيات النقابية وبممارساته النضالية ومواقفه التاريخية، احتفظت المركزية بحوالي أكثر من سبعين ألف منخرط من بينهم ما يفوق عشرين ألف من رجال التربية والتعليم... وببلوغه اليوم السابعة والسبعين عاما من العمر، ما زل الأموي يغالب بكبرياء، أعاصير المرض وقساوة العمل النقابي، بعدما كنا نأمل أن يخلد إلى الراحة، وينأى بنفسه عن الترشح لولاية أخرى، طالما هناك جيل جديد من الشباب المتنور، قادر على تحمل المسؤولية ،احتواء الخلافات الداخلية، وحمل المشعل عن جدارة وباقتدار، حفاظا على صحته ونقاء سجله النضالي، لكن واقع الحال خيب كل الآمال، وأسفرت نتائج الانتخابات التي جرت يوم السبت: 30 نونبر 2013، خلال المؤتمر الوطني الخامس، المنظم تحت شعار: "التعبئة العامة من أجل إصلاح حقيقي"، عن إعادة الثقة في "الزعيم" بفوزه الكاسح على "ظله"، وحصوله على 1815 صوتا مقابل معارضة 3 أصوات. أما كان حريا بجميع المناضلين الحقيقيين، معارضة ترشحه بشدة حتى لو كان القرار مؤلما لشخصه و"شعبه"، سيما وأن (ك.د.ش) كما "والدتها" (ا.م.ش)، تضم أجود الكفاءات من مختلف تيارات التنظيمات السياسية: اشتراكية، ويسارية جذرية، وأصولية متشددة...؟ وهذا التعدد هو سر قوتهما ومصدر ثرائهما. كان من اللازم أن يتم الاحتفاظ له بمنصب الرئاسة الشرفية، وأن ينصب الاهتمام على التنسيق كاختيار استراتيجي بين كافة فعاليات المركزيات، لخلق جبهة نقابية قوية، في أفق تطوير آليات الدفاع وصيانة المكتسبات الحقوقية، دعما للبناء الديمقراطي الصلب، وتوحيد الجهود لحماية مصالح العمال والموظفين والفلاحين، والارتقاء بالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وإذ نأسف أن يستمر واقع ديمقراطيتنا في مركزياتنا النقابية، وأحزابنا السياسية، وجمعياتنا المدنية، يرزح تحت وطأة الإكراه والتحكم، فإننا نخشى أن تتحول هذه المؤسسات إلى "أصول تجارية"، لا سبيل فيها سوى لإرادة المزاج وأسلوب الغطرسة...
أيها الفارس الوافد من سهول "امزاب"، سارع إلى الترجل كي ننحت لك تمثالامن العزة والوفاء، ونغمرك بفيض من الحب الجارف، فبترجلك ستلهم الحكمة للأجيال القادمة، وستبصم على عهد جديد نحو تغيير سعيد. إننا نحيي فيك ما صنعت من ملاحم وبطولات، عبر محطات حاسمة في تاريخنا النضالي، وندعوك بكل صدق الشرفاء، الأموات منهم والأحياء، إلى تسليم المقود لغيرك ممن تختاره القواعد بشفافية وديمقرطية، حتى ننفذ رغباتك في تحويل المغرب إلى نقطة جذب للاستثمارات، وفي تعميق الإصلاح وترسيخ الديمقراطية والاستقرار والعدالة الاجتماعية، لمواجهة التحديات وبناء الدولة الحديثة، وفي الحفاظ على مصداقية الشعارات، وإقناع الجمهور العريض بضرورة الانخراط في العمل النقابي والسياسي والجمعوي.. فليرحم الرب أيقونة النضال ضد الميز العنصري والاضطهاد: "ماديبا"...