عندما نصر على البقاء في خندق أمريكا ونبقي غير قادرين على مغادرة هذا الخندق برغم التراب الذي ينهال فوق رؤؤسنا كل يوم فأن هذا انقياد اعمي , وعندما لا نفكر بالبحث عن مخرج من هذا الخندق الأسود الذي وضعنا فيه على اعتقاد خاطئ انه سيأتي اليوم الذي تقف فيه أمريكا معنا وتساعدنا لنبني بيوتنا خارج حديقتها وخارج أسوارها العالية وتبتعد عن رأسنا والعبث فيه وتتركنا في حالنا نزرع ونحصد ونبني السدود و نبيع ثرواتنا كما ينبغي ومن مالنا نربي أبنائنا ونعلمهم حسب شرائعنا وطرائقنا , ونمارس حياتنا بالتساوي مع باقي شعوب الأرض دون تدخل من احد ودون وصاية من احد فان هذه مراهنة خاسرة , ولعل البقاء داخل أسوار أمريكا في المرحلة الحالية بعد انكشاف مخططاتها التي تطال عمق الأمة العربية وتاريخها أصبح خطرا محدق بدول المنطقة فلا يمكن أن نبقي مغامرين نراهن على عدالة أمريكا حتى تتحقق , ولا يمكن أن تبقي صداقتنا مع أمريكا دون أن تخلص النية في صداقتها لنا ,رغم كل هذا نتزاحم لمصادقة أمريكا وبناء علاقات معها على أساس غير متوافق وأساس وهمي وهي التي وقفت ومازالت تقف سدا منيعا أمام طموحات الأمة العربية لحل القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع بحيادية كاملة ومازلنا نعتقد خطأ أن أمريكا هي من ستخلصنا من الاحتلال الاسرائيليي وستجعل المنطقة كلها حديقة سلام حتى دون تفكير في حليف أخر قد يكون أكثر عدلا و نزاهة وسعيا لتحقيق السلام الشامل في المنطقة . أن ما يحدث الآن على مستوي الصراع العربي الإسرائيلي من إنكار لحقوق الفلسطينيين وتجاهل لتطلعات الشعب الفلسطيني الشرعية في إنهاء الاحتلال وحق تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على حدود العام 1967 يفرض حالة من التفكير الدقيق والطموح للبحث عن قوة مؤثرة بالعالم تواجه الانحياز الأمريكي الغير محدود لإسرائيل والذي يؤثر سلبا على تحقيق السلام بالمنطقة ويجعل الصراع صراع مستدام تستغله أمريكا وإسرائيل لبقاء المنطقة في حالة فوضي سياسية تعود بالنفع على المشروع الأمريكي الصهيوني دون منازع, والجديد أننا كعرب بدأنا بالتفكير في الخروج من دائرة الهيمنة الأمريكية وان الحجاب الذي كان بيننا وبين البحث عن حليف ثاني بدأ يزول ويتلاشي لان المخطط الأمريكي الذي فشل بمنطقة الشرق الأوسط اثبت لنا كعرب أن حليفنا يخطط لإغراقنا في مستنقع فوضي لن ينتهي إلا بتقسيم البلاد العربية إلى دويلات, لكن فلسطينينا مازال البعض منا يتطلع إلى عدول أمريكا عن حالة الانحياز التام لإسرائيل والتعامل مع القضية الفلسطينية بعدالة تسمح بعودة الحقوق المغتصبة لأهلها وتسمح بتقرير المصير السياسي في ظل تطبيق قرارات الأممالمتحدة وتفعيل مبادرة السلام العربية 2002 و بالتالي الانطلاق نحو الحرية و الاستقلال الوطني والسياسي, لكن توانى أمريكا في المرحلة الأخيرة من المفاوضات عن لعب دور ضاغط نحو تخلى إسرائيل عن ممارسة الاحتلال والاستيطان يؤكد لنا يوما بعد أخر أن أمريكا تضحي بكل تحالفاتها مع العرب مقابل بقاء تحالفها مع إسرائيل بذات القوة والدفع و أن الأمل في إنهاء حالة الانحياز مجرد سراب. أن تفعيل القيادة المصرية الجديدة التحالف من جديد مع الروس جاء كرد طبيعي وممتاز وفي التوقيت المناسب على مخططات أمريكا الفاشلة و رد على حالة الانحياز الأميركية لان الروس قد يصدقوا الفعل والقول أكثر من الأمريكان , وبالتالي جاءت زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو و وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف لتوسيع أفاق تعاون استراتيجي قادم في المنطقة قد تكون مصر نواة هذا التعاون وهذا بالطبع مؤشر ممتاز لتحول في المنطقة العربية يعتمد مبدأ جديد وهو "لنجرب غير أمريكا" وعندها لن نخسر شيئا بل أن قوة مصر سوف تزداد وتعرف أمريكا أن مخططاتها التحتية والظاهرة كلها كانت مغامرة بتحالفاتها مع العرب وتعرف أن حالة الانحياز الغير متناهي مع الاسرائيلين واعتبار أن إسرائيل فوق كل قضايا المنطقة سوف يؤثر على مستقبل النفوذ الأمريكي بالمنطقة . لو افترضا أن أمريكا تعاملت مع قضية الشرق الأوسط بعدل مركزي يفرض الوقوف على مسافة متساوية بين أطراف الصراع لتعديل الخطاء التاريخي الذي وقع الفلسطينيين ضحيته لما استمر الصراع لهذا التاريخ والذي يعتبر أخر صراع قائم على الاحتلال بالعالم , لهذا فان الفلسطينيين كغيرهم مطلوب منهم اليوم البحث عن قوة غير أمريكا توثر في الصراع وتلزم إسرائيل بالتفاوض الجدي على أساس قرارات الشرعية الدولية وعلى أساس مبادرة السلام العربية وعلى أساس حق كل شعوب المنطقة في الحرية والاستقلال وتقرير المصير دون وصاية ودون تدخل من أحد , وهذا لا يعنى قطع كافة العلاقات والمصالح مع أمريكا بل العكس فانه ينبغي إبقاء العلاقات مع أمريكا بحالة ممتازة , وفي نفس الوقت التجهيز دوليا عبر تحالفات جديدة مع روسيا والصين والاتحاد الأوربي لنضال دولي فاعل لفرض السلام الشامل برعاية دولية وعدل متساوي وليس برعاية أمريكة كلاعب وحيد في مسيرة السلام بالمنطقة , وهذا يتطلب أيضا الاستفادة من المحور الجديد الذي بدأت تشكله مصر العرب وقيادتها الوطنية التي اكتشفت خطأ الوثوق بأمريكا كحليف استراتيجي وحيد لان هذا الحلف بالتأكيد يقوي أي توجه فلسطيني نحو الشرعية الدولية كبديل عن المفاوضات التي يتوقع فشلها مع ازدياد احتمالية هذا الفشل يوما بعد أخر.