الجامعة العربية تقرر ولكن هذه القرارات من النادر ان تدخل حيز التنفيذ، خاصة اذا تعلق الامر بالأوضاع في سورية، كل ما تستطيع الجامعة فعله هذه الايام هو تصدير الأزمات الى مجلس الامن الدولي، والطلب من امريكا وبريطانيا وفرنسا القيام بالواجب، تماما مثلما فعلت عندما حرضت للاطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين، والعقيد الليبي معمر القذافي. الدول الغربية لا تريد التجاوب مع المقترح الاخير لوزراء الخارجية العرب بإرسال قوات حفظ سلام عربية ودولية الى سورية، لأنها تخشى على قواتها من مصير مماثل لما حصل في العراق وافغانستان، ووليم هيغ وزير خارجية بريطانيا قالها صريحة بأن بلاده، او اي دولة اوروبية اخرى، لن ترسل قوات الى سورية لوقف حمامات الدم هناك. الزمن الذي كانت ترسل فيه امريكا قواتها الى هذه الدولة او تلك انقرض، والفضل في ذلك يعود الى المقاومتين العراقية والافغانية . الشعوب الغربية لم تعد مستعدة لتأييد حروب جديدة تربحها في البداية وتخسرها في النهاية، ومعها آلاف الجنود من القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى، وفوق كل خسارة آلاف المليارات من الدولارات. من سخريات القدر ان سابقة ارسال قوات ردع عربية وقعت عام 1976 في لبنان، وباقتراح من سورية، وكانت معظم القوات المشاركة فيها من سورية ايضا، ولكن هناك فرقا رئيسيا بين الوضع في سورية الآن، وذلك الذي كان في لبنان عام 1976، حيث لا يوجد اي من الشروط اللازمة لوجود قوات حفظ سلام، فلا يوجد وقف لاطلاق النار، ولم توافق سورية ،الدولة المعنية، على وجود قوات اجنبية على اراضيها، ولا توجد معارضة موحدة تمثل الطرف الثاني في المفاوضات، واخيرا لا يوجد اي قرار من الاممالمتحدة يدعم ويساند وجود هذه القوات، مما يعني عمليا ان قرار وزراء الخارجية العرب هو حبر على ورق، ومحاولة يائسة لتصدير الأزمة الى طرف آخر، بينما يتواصل نزيف الدم في مدن مثل حمص وحماة. الأمر الآخر الذي يجب ان يتم التوقف عنده هو ان جامعة الدول العربية لا تملك جيشا، ولا حلفا عسكريا، وقوات قطر والامارات والاردن التي شاركت مع قوات حلف الناتو في ليبيا لاطاحة نظام القذافي كان دورها ثانويا، وكانت محمية في الاساس من قبل طائرات الحلف، وبعد ان دمرت كل القدرات الدفاعية والهجومية للنظام الليبي السابق، تماما مثل دورها وغيرها من القوات العربية في حرب عاصفة الصحراء التي اخرجت القوات العراقية من الكويت عام 1991. الحديث عن ارسال قوات حفظ سلام عربية ودولية الى سورية خفت حدته، لان الحليف الامريكي الاوروبي لم يرحب بها ولم يتحمس لها، وفوق هذا وذاك انه لا يوجد هناك سلام في سورية لكي تحافظ عليه هذه القوات، وعلى وزراء الخارجية العرب ان يبحثوا عن مبادرة جديدة تضاف الى المبادرات الاخرى الموضوعة على ارفف الجامعة. الذهاب الى موسكو وربما بكين بعد ذلك هو اعتراف صريح من قبل الجامعة بخطيئتها الكبرى في تجاهل الدولتين وتأثيرهما في الاممالمتحدة والسياسة الدولية، مثلما هو دليل افلاس سياسي ودبلوماسي ايضا. صحيح ان سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي اعلن خلال لقائه مع نظيره الاماراتي الشيخ عبدالله بن زايد انه سيدرس المبادرة العربية المذكورة، ولكن الصحيح ايضا ان هذا الرد لا يعني شيئا على ارض الواقع، فالدراسة الروسية قد تستمر اشهرا او سنوات. الجامعة العربية تبحث عن خيارات جديدة، ابرزها تشكيل تحالف جديد مع الولاياتالمتحدة واوروبا تحت اسم “اصدقاء سورية”، يعقد اول اجتماعاته في تونس، على غرار تحالف اصدقاء ليبيا، ولكن الفرق بين التحالفين ان الثاني كان مدعوما من حلف الناتو، والنظام الذي يستهدفه ضعيف ومهلهل، بلا جيش قوي او اصدقاء عرب او اجانب. اقصى ما يستطيع فعله تحالف اصدقاء سورية هو تقديم الدعم المادي والسياسي للمعارضة السورية، ولكن على هؤلاء الاصدقاء توحيدها اولا، وتحقيق المصالحة، ليس بين اطيافها المتعددة في الداخل والخارج فقط، وانما بين اعضاء الفصيل الواحد نفسه، ووزراء الخارجية العرب، والخليجيين منهم على وجه الخصوص، يعرفون ما هو اكثر من ذلك من معلومات حول هذه الخلافات، بل والتنافس على الزعامة. العمل العربي المشترك كانت زعامته في الماضي من دول ذات اسنان ومخالب، مثل العراق ومصر وسورية، الآن زعامته من دول ذات جيوب فقط، وهذا ما يفسر حالة الضياع التي يعيشها حاليا، والارتباك المتفاقم على صعيد كيفية التعاطي مع الأزمة السورية المتفاقمة. التحالف بين المخالب والانياب والجيوب هو الذي اعطى هذا العمل القدرة على تحقيق بعض النجاحات، وابرزها وقف الحرب الاهلية اللبنانية بعد 17 عاما من القتل والدمار. ومن المفارقة ان القوات السورية هي التي لعبت الدور الابرز في هذا الصدد. المنطقة العربية تتجه الآن الى حروب طائفية مدمرة، فالدول الاعضاء في تحالف اصدقاء سورية ليس من ابرز اولوياتها انقاذ الشعب السوري من القتل على ايدي نظام ديكتاتوري قمعي، يعتمد حلولا امنية دموية فاشلة، وانما كيفية اضعاف الهلال الشيعي الذي يمتد من حدود افغانستانالشرقية، مرورا بإيران والعراق وسورية، وينتهي بحزب الله في لبنان، ولكن لهذا الاستقطاب الطائفي الجديد اخطاره، فقد تستطيع الولاياتالمتحدة الانحياز الى العرب السنة والهجوم على ايران، ولكن ماذا سيحدث بعد ذلك، وخاصة اذا قررت امريكا الانسحاب من المنطقة، مثلما انسحبت من العراق والصومال وقريبا من افغانستان؟! الحرب في المنطقة اذا اشتعلت لن تكون بسبب تنصيب السنة في الحكم في سورية، ولا من اجل احترام حقوق الناس وتكريس القيم الديمقراطية، وانما من اجل امرين، الاول الهيمنة على النفط، والثاني حماية اسرائيل، ويمكن اضافة امر ثالث وهو نهب الثروات والعوائد العربية الخليجية لانقاذ الاقتصادات الاوروبية والامريكية من الانهيار. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة عما اذا كانت جامعة الدول العربية باغراقها المنطقة في الحرب الباردة، والاستقطاب الراهن الذي ربما يقود الى حرب اهلية طائفية في المنطقة بأسرها، قد فكرت بأنها قد تدفع بدخول الصين وروسيا الى الحلبة في الخندق الآخر المقابل لها. ثم ماذا سيكون حال سورية اذا ما تحولت الى دولة فاشلة مهددة بالتقسيم الفعلي، مثلما حدث ويحدث حاليا في العراق وقبلها في السودان؟ بعد دخول تنظيم القاعدة على الخط، وتكفير زعيمه الدكتور ايمن الظواهري للنظام السوري، وحث اتباعه للقتال الى جانب اخوانهم السوريين الثائرين، وتأكيد تقارير امريكية رسمية وجود جماعات اسلامية متشددة تقاتل النظام، الا يعني هذا ان الصراع في سورية والصراع عليها قد يستمر لسنوات ان لم يكن لعقود. جامعة الدول العربية دمرت ما تبقى لها من مصداقية بإدارتها المرتبكة للأزمة الدموية في سورية، واذا كانت جادة فعلا في حماية السوريين ووقف اراقة الدماء، عليها ان ترسل قواتها لنصرة الشعب السوري، ولكنها لم تفعل، تماما مثلما هو الحال في فلسطين، والدول التي فعلت غائبة عن جامعة الدول العربية، وان وجدت، مثلما هو حال العراق ومصر فوجودها هامشي، ولذلك ننصح الشعب السوري بالاعتماد على نفسه، وليس على هذه الجامعة ودولها.