الخط : إستمع للمقال أكد البروفيسور خالد آيت الطالب، وزير الصحة والحماية الاجتماعية السابق، أن القارة الإفريقية تعيش حالياً دينامية صحية واعدة، لكنها ما تزال في أمسّ الحاجة إلى تعزيز التكامل والتآزر بين دولها من أجل إرساء سيادة صحية جماعية قادرة على التصدي للأزمات الوبائية والصحية. وفي مداخلته خلال فعاليات الدورة الثالثة للأيام الإفريقية للاستثمار والتشغيل، المنعقدة بالرباط، شدّد آيت الطالب على أن التشتت الجغرافي والمؤسساتي بين مناطق إفريقيا – شمالاً، غرباً، وسطاً وشرقاً – يُعد عائقاً حقيقياً أمام بناء منظومة صحية متجانسة وفعالة، رغم الجهود المبذولة من طرف مؤسسات مثل "CDC Africa" لتجاوز هذا التشتت عبر تعزيز التنسيق القاري، خصوصاً بعد الدروس المؤلمة التي خلفتها جائحة كوفيد-19، حينما شعرت إفريقيا بأنها مهمشة وخارج دائرة أولويات العالم. وأشار الوزير السابق إلى أن الجائحة عرّت هشاشة المنظومات الصحية عبر العالم، بما فيها تلك الموجودة في دول متقدمة ذات بنية تحتية متطورة، مضيفاً أن المغرب، بفضل التوجيهات الاستباقية للملك محمد السادس، تعامل مع الأزمة الصحية بكثير من الحزم والنجاعة من خلال إحداث لجنة قيادة عليا تضم القطاعات الحيوية، وإنشاء صندوق للتضامن، وتشكيل لجنة لليقظة الاقتصادية. وأوضح آيت الطالب أن الاستثمار خلال الأزمات ينبغي أن يركز على تقوية البنيات التحتية، ورفع قدرات الاستشفاء، وبناء احتياطيات استراتيجية من الأدوية والمستلزمات الطبية، مبرزاً أهمية تطوير منظومات للرصد الوبائي تعتمد على معطيات آنية ودقيقة تسهم في اتخاذ قرارات فعالة. وفي هذا السياق، أكد الوزير السابق أن السيادة الصحية ليست مجرد خيار وطني، بل ضرورة قارية جماعية تتطلب توحيد الرؤى والاستراتيجيات، مستشهداً بحالة اليابان التي رغم تطورها، واجهت صعوبات في تلقيح مواطنيها بسبب نقص عالمي في الحقن نتيجة سيطرة الصين على سوق الإنتاج. كما لفت إلى أن القارة الإفريقية تتوفر على مؤهلات بشرية وطبيعية هائلة، داعياً إلى الاستثمار في الوقاية أكثر من العلاج، مذكّراً بأن كل درهم يُضخ في مجال الوقاية يوفّر ما لا يقل عن عشرة دراهم في كلفة العلاج مستقبلاً. وأضاف أن التحدي الأبرز أمام القارة يكمن في ضعف الاهتمام بالعنصر البشري، حيث لا يحظى العاملون في قطاع الصحة بالتقدير والتحفيز اللازمين، ما يضعف قدرة القارة على الحفاظ على كفاءاتها، مؤكدا في هذا السياق أن المغرب أطلق، بتعليمات ملكية سامية، ورشاً كبيراً لإصلاح المنظومة الصحية يرتكز على تأهيل الموارد البشرية، وتعزيز الحكامة، وتحديث البنيات، والانفتاح على التحولات التكنولوجية، لاسيما الذكاء الاصطناعي والطب التنبؤي. وتوقف آيت الطالب عند أهمية الانتقال من النموذج العلاجي الكلاسيكي إلى نموذج استباقي يعتمد على تحليل المورثات والبيانات البيولوجية من أجل تقديم علاجات شخصية تأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل مريض، وهو ما يتطلب استثمارات ضخمة في البحث العلمي والتطوير. وفي هذا الإطار، انتقد الوزير السابق محدودية الاستثمار في البحث العلمي داخل القارة، رغم توفرها على ثروات طبيعية وبشرية كبيرة، معتبراً أن ضعف هذا الجانب يمثل الحلقة المفقودة في مسار بناء استقلال صحي حقيقي. ودعا إلى ضرورة توطين صناعة اللقاحات داخل القارة، مشيراً إلى أن ثمانية دول إفريقية أضحت قادرة على إنتاج اللقاحات، لكنها تحتاج إلى التنسيق فيما بينها لضمان الأمن الصحي دون الاعتماد المفرط على الخارج. وفي ختام مداخلته، شدّد خالد آيت الطالب على ضرورة الخروج من هذا اللقاء بتوصيات عملية قابلة للتنفيذ، تُعرض على صناع القرار الأفارقة من أجل بناء منظومة صحية إفريقية قوية، عادلة، ومهيأة لمجابهة التحديات المستقبلية، مؤكداً أن مستقبل القارة بيد شبابها وبفضل مؤهلاتها الاستراتيجية، داعياً إلى المزيد من التفاؤل ومواصلة العمل الجماعي. الوسوم إفريقيا المغرب المنظومة الصحية خالد آيت الطالب صحة