سمعت أحد خطباء المساجد يوم الجمعة صباحا على إحدى قنوات المذياع وهو يتحدث عن ذكرى الاستقلال تمجيدا وتذكيرا بالتاريخ وبالذي مضي، وفي معرض حديثه أشار إلى استرجاع الأرض والكرامة و الحرية من المحتل الفرنسي فقلت في حينها جميل وهنيئا للمغاربة قاطبة بهذه الذكرى الغالية والغالية جدا بهذا التحرير للبلاد والعباد، ولكن وجدت نفسي لا أستطيع أن أهنئهم باسترجاع الكرامة والحرية، بصراحة سأكون منافقا وكاذبا غير محب لأبنا هذا الوطن وبالتالي سأكون مجرد انتهازي ووصولي محب لذاتي ولمصالحي سالكا من أجل ذلك كل السبل، وبصراحة أوضح فإني أعتبر مثل هذا الخطاب الذي جاء به صاحبنا وأمثاله إنما هو ضرب من ضروب النفاق الاجتماعي الانتهازي كما يقال، فعندما يتعرض أهل هذا البلد الحبيب للاغتصاب و الاستلاب الفكري والنفسي قبل أن تسرق مقدراته وأرزاقه من قِبل ممن ينتسبون إلى نفس الوطن والأهل والعشيرة وممن يتصدرون كل زمام ويمسكون بكل لجام وممن يسمون أنفسهم نخبة الأنام، ويحز في نفسي أكثر وأكثر عندما يأتي مثل هذا الكلام من رجل يزعم أنه إمام وخطيب يتصدر وعظ الناس والارتقاء بهم إلى أبهى الكمال العقدي والفكري والروحي ولكن هيهات لفاقد الشيء وهيهات للمحروم أن يصوم، فأنا لا أخص بهذا الكلام خطيبا أو إماما فقط فكل من اعتلى منبرا فهو خطيب ولكل منبر أهله وأصحابه ولكل لغة خطباءها وفصحائها والمصيبة الأدهى والأمرُّ فبلدنا الحبيب غارق في الأمية الأبجدية والدراسية غارق في الأمية الثقافية الاجتماعية وأما الأمية السياسية فحدث ولا حرج ناهيك عن المشاركة السياسية، أما الفعل السياسي فهذا من سابع المستحيلات، فهذه مراتع خصبة لكل ناعق ومنافق وحقل ملغم بكل ما لذ وطاب من الكذب المعسول وأحسن الخطاب، إرث ثقيل وحاضر أليل (مظلم). ألا يجدر بنا الخروج من هذا النفق الحالك والأرق الهالك ؟ أمن المعقول الحديث عن سفاسف الأمور والصياح والنباح والسكوت عن الكلام المباح ؟ أمن المواطنة الإنصات والتصفيق لكل زاعق لاعق شاقق ؟ لا جرم أن هذه الأفعال قبيحة في جنب الله والأرض والناس أجمعين، يقولون دوام الحال من المحال إنما الدوام لله الواحد القهار، ومسارنا في بلدنا هذا لا ينبأ بخير اقتصاديا واجتماعيا ولا سياسيا ولا حتى سلوكيات شعبية لا تمت للمواطنة في شيء، مسارنا أينما توجهه لا يأتي بخير وإنما هي الحافة والهاوية وما ادراك ما هي دخان وغبار وجحافل جيش جرار، لا يبقي ولا يذر يأتي على الأخضر والأصفر وعلى العاقل الفاضل والمستثفر الحابل النابل، لذا أقول حان الوقت لإدراك ما فات وتعويض ما مات، ومراجعة المسار بل وتغييره برمته لندرك معنى الاستقلال فكرا أرضا ومواطنة. ((il n'est jamais trop tard))