أنزلوك في القبر وحيداً فريداً لا أم تقيم معك لا أب يرافقك لا أخ يؤانسك وهناك يحس المرء بدار غريبة ومنازل رهيبة عجيبة ، وفي لحظة واحدة ينتقل العبد من دار الهوان الى دار النعيم المقيم نعم .. في لحظة واحدة ينتقل العبد من ضيق الدنيا الى سعة الآخرة ومن جوار الأشرار الى جوار الواحد القهار لقد طويت صفحات الغرور وبدا العبد هو البعث والنشور مضت الملهيات والمغريات ،، وبقيت التبعات فلا إله إلا الله من ساعة تطوى فيها صحيفتك إما على الحسنات أو على السيئات وتحس بقلب متقطع من الألم والحسرة على أيام غفلت فيها كثيراً عن الله واليوم الآخر فهاهي الدنيا بما فيها قد انتهت وانقضت ايامها سريعاً وها أنت تستقبل معالم الجد أمام عينيك وتسلم روحك لباريها وتنتقل الى الآخرة بما فيها وفي لحظة واحدة أصبحت كأن لم تكُ شيئا مذكوراً فلا اله الا الله من ساعة نزلت فيهاأول منازل الآخرة واستقبلت الحياة الجديدة فإما عيشة سعيدة او عيشة نكيدة فياليت شعري ماحال أهل القبور؟ كم من قبور في كهوف مظلمة وفي أماكن موحشة ملئت أنواراً وسروراًُ على أهلها ؟ وكم من قبور حولها الانوار مضية والناس يسرحون ويمرحون فيها الجحيم والعذاب المقيم ؟ ولما ضمت القبور اهلها ، وانطوت بمن حل فيها ونُعم أو عُذب فلما جُمعت تلك الأشلاء والأعضاء نادى مناد الله تعالى عليها أن تخرج على اللقاء الموعود واليوم المشهود الذي تتبدل فيه الأرض غير الأرض والسموات ، وبرزوا لله الواحد القهار يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولاهم ينصرون وصاح الصائح بصيحتة ففزعت الأسماع والآذان إذ قرعت بصوته وخرجت من تلك الأجداث وتلك القبور الى ربها حفاة عراة غرلاً ، فلا انساب ، ولا أحساب ، ولا جاه ولا مال لقد أتاه العزيز ذليلاً والكريم مهاناً إنه اليوم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين إنه اليوم الذي تنتهي عنده الأيام إنه اليوم الذي تتبدد عنده الأوهام والأحلام إنه اليوم الذي تجتمع فيه الخصوم ، وينصف فيه الظالم والمظلوم إنه اليوم الذي تنشر فيه الدواوين وتنصب فيه الموازين فيا أيها الأخ المسلم تصور نفسك وأنت واقف مع الخلائق الذين لا يعلم عددهم إلا الله عز وجل إذ نودي باسمك على رؤوس الخلائق مع الأولين والآخرين أين فلان بن فلان هلم الى العرض على الله فقمت ترتعد فرائصك وتضظرب رجلاك وجميع جوارحك وقلبك من شدة الخوف وانهيار اعصابك وقواك قد تغير لونك وحل بك من الغم والاضطراب والقلق مالله به عليم وتصور وقوفك بين يدي بديع السموات والارض وقلبك مملوء من الرعب محزون وجل وطرفك خائف خاشع ذليل قد أمسكت صحيفة عملك بيدك فيها الدقيق الجليل فقرأتها بلسان كليل وقلب منكسر وداخلك الخجل والحياء من الله الذي لم يزل اليك محسناً وعليك ساتراً فب الله عليك بأي لسان تجيبه حين يسألك عن قبيح عملك وعظيم جرمك وبأي قدم تقف غداً بين يديه وبأي طرف تنظر اليه وبأي قلب تحتمل كلامه العظيم الجليل ومساءلته وتوبيخه أيها الاخ المبارك ماذا تقول اذا قال لك : ياعبدي ما أجللتني أما استحيت مني ؟ أستخففت بنظري اليك ؟ ألم أحسن اليك ؟ ألم أنعم اليك ؟ ماغرك مني ؟ شبابك فيم أبليته ؟ وعمرك فيم أفنيته ؟ ومالك من أين اكتسبته ؟ وفيم انفقته ؟ وعلمك ماذا عملت به ؟ أخي المسلم تصور حال الكافر عندما يوقن بالهلاك فيذهب به الى جهنم مسود الوجه يتخطى الخلائق بسواد وجهه وكتابه في شماله أو من وراء ظهره ينادي بالويل والثبور والملك آخذ بعضده ينادي هذا فلان بن فلان قد شقي شقاء لا يسعد بعده أبدا أيها العبد الضعيف تذكر الصراط .. الجسر المنصوب على متن جهنم وقد حل بك من الفزع بفؤادك لما رأيته وعاينت دقته ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته ثم قرع سمعك شهيق النار وتغيظها وقد كلفت أن تمشي على الصراط مع ضعف حالك واضطراب قلبك وتزلزل قدمك وثقل ظهرك بالأوزار المانعة لك من المشي على بساط الأرض فضلاً عن حدة الصراط فكيف بك إذا وضعت عليه احدى رجليك فأحسست بحدته واضطررت أن ترفع قدمك الثاني والخلائق بين يديك يزلون ويعثرون وتتناولهم زبانية النار بالخطاطيف والكلاليب وأنت تنظر اليهم كيف ينكسون الى جهة النار رؤوسهم وتعلو ارجلهم فيا له من منظر ما افظعه ومرتقى ما اصعبه ومجاز ما اضيقه اخوتي افيقو من رقادكم وبادرو الى التوبة الى الله فأنت في نعمة كبيرة يامن تقرأ كلماتي لأنك مازلت على وجه الارض فتستطيع ان تتوب وترجع الى الله فأنه غفور رحيم رؤوف بالعباد وهو الذي يقبل التوبة عن عبادة احبتي في الله ...سنقف مع اهل الصالحات في وقفات اخرى لأني قد اطلت عليكم فعذراً على الاطالة وأسال الله العلي القدير ان يحفظني واياكم من النار وان يسكننا فسيح جناته انه ولي ذلك والقادر عليه والصلاة والسلام على اشرف الانبياء سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم