الحمد لله رب العالمين القائل (وكذلك جعلناكم امة وسطا) والصلاة والسلام على الرسول القائل (ولن يشاد الدين احد إلا غلبه ..) ..... فنحن بصدد كتابة ورقات معدودة في هذا الموضوع المهم الذي يحتاج لطول بحث واستقصاء للنماذج وغيرها نظرا لخطورة الموضوع ومكانته العظيمة ولما يتعلق بسبب الوجود في الدنيا وتعبيد الناس لله رب العالمين وعمارة الأرض كما امر الله ( {ومآ خلقت الجن والإنس الا ليعبدون (56) ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون (57)} الذاريات فالانسان هو خليفة الله في أرضه وهو عبد من عبيد الله تعالى ولما كان الخطاب هو اساس التبيغ بالكلمة والموعظة الحسنه فقد انقسم الناس في ذلك الى فئات ما بين المتساهل والمتشدد ما بين تارك للخطاب الإسلامي وما بين متشدد فيه ووسط وهو الذي نسعى لتوضيح معالمه ونحن من خلال هذه الورقات نحاول جمع ما تناثر حول الموضوع لنساهم في توضيح ذلك للناس ونرسم بعضا من ملامحه ونسال الله ان يوفقنا الى طاعته وعبادته واتباع هدي رسوله الذي نشهد له بانه قد بلغ الرسالة وادي الامانة ونصح لهذه الامة فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى اله وصحبه ومن سار على نهجه الى يوم الدين . وسنتكلم في هذا البحث حول التالي: المبحث الاول مفهوم الخطاب الديني المبحث الثاني: سلبيات الخطاب الديني المبحث الثالث: الخطاب الديني المنشود
المبحث الاول: مفهوم الخطاب الديني الخطاب الإسلامي هو الخطاب الذي يستند إلى مرجعية إسلامية من أصول دين الإسلام: القرآن والسنة، وأي من سائر الفروع الإسلامية الأخرى، سواء كان منتج الخطاب منظمة إسلامية أم مؤسسة دعوية رسمية أم غير رسمية أم أفرادا متفرقين، جمعهم الاستناد إلى الدين وأصوله كمرجعية لرؤاهم وأطروحاتهم لإدارة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمؤسساتية والثقافية التي يحيونها، أو التعاطي مع دوائر الهويات القطرية أو الأممية أو الوظيفية التي يرتبطون بها ويتعاطون معها. والخطاب الإسلامي يمتاز بالتجديد في إطار أسس العقيدة الإسلامية، وترتبط مضامينه بحاجات المسلمين، وفق احتياجاتها ووفق أولوياتها، وتتصل مقاصده لمعالجة التحديات التي تواجهها الأمة، . وتعريف اخر مفهوم الخطاب الديني: ينحصر المعنى فى مجمل التعريفات حول السعي لنشر دين الله عقيدة وشريعة وأخلاقا، ومعاملات وبذل الوسع في ذلك، لتعليم الناس ما ينفعهم في الدارين وبذل أقصى الجهد والطاقة من اجل خدمة هذا الدين الحنيف وامتثالا لامر الله تعالى وامر رسوله صلى الله عليه وسلم. ولابد لمن يتصدر لهذا المقام من شروط يلتزم بها لتعينه في هذا المجال وليس مجال البحث عنها ولكن نذكر بعضها على عجالة الإخلاص وابتغاء الأجر من الله سبحانه العلم اللازم لذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة أيضا الأسلوب الأمثل الحكمة والموعظة الحسنة الصبر والتحمل لما يلحقه فسوف يواجه بعض من المشاكل والمتاعب فالصبر الصبر أيضا الرحمة للناس تكون شعار يتمثل به أثناء سيره في هذا المجال وكذلك الأهم مما سبق القدوة الحسنة من ابلغ صور التبليغ
المبحث الثاني سلبيات الخطاب الديني المعاصر
1 - المذهبية الضيقة والحزبية البغيضة قال تعالى {فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما فرحون} لديهم [المؤمنون: 53] فكل واحد يدعي انه على الحق وما سواه هو الباطل ويتعامل مع الناس على هذا الاساس ويبرز في خطابه للآخرين. 2 - الجمود والركود وعدم التجديد والإبداع في الأسلوب والطريقة مما يدفع المخاطب الى الملل و السئامة. 3 - التكرار والبعد عن الابتكار حيث أصبح الكثير يردد موضوع واحد حول الترغيب او الترهيب او التعلق بالدنيا او ترك الدنيا والتعلق بالآخرة والتعلق بالماضي وعدم اخذ العبر مما مضى وجعله طريقا نحو المستقبل لنرسم للأمة طريق متميزا وواضح المعالم بالاستفادة من الماضي 4 - قلة الهمة ودوافع التبليغ عند أصحاب الخطاب الديني فينهزم عند أول المعوقات. 5 - الانطواء والانكفاء على الموجود وجعل الخطاب الديني محصور في تلك الامكنه المعروفة ولا يخرج منها وعدم البروز في الأماكن التي تحتاجها ألامه في الحضارة والتقدم والرقي والاستفادة من الأخر ووضع الحلول والبرامج المنقذة للبشرية فتكون من صميم الدين الحنيف منهلها ومرجعها. 6 - التقليد في الخطاب من البعض ويكون نسخة طبق الأصل في الإلقاء واختيار الموضوع وحتى في الحركات والسكنات بعيدا عن اثبات الذات وبروز الشخصية. وكذلك يبرز من بعض الجماعات والطوائف في الخطاب 7 - الانهزام أمام التيارات المعادية للإسلام والإحباط النفسي وضعف المواجه لتلك التيارات المعادية والمحاربة لهذا الدين العظيم والوقوف عند اول عقبة كئود ورد اللوم نحو الدين وابناء هذا الدين. فلا بد لنا من البحث عن الحلول والخروج من هذه المئازق التي يضعها أعداء الإسلام بلا انهزام او رجوع الى الوراء 8 - الانتقاد والهجوم اللاذع على الأخر والمخالف بعيدا عن النقد البناء حيث يقول القائل (رحم الله أمراء اهدي الى عيوبي) واصبح ميدان لتبادل التهم والقاء المبررات بعيدا عن المقصد المنشود والمستوى المطلوب والغاية السامية والمكانة الرفيعة التي يسعى اليها من حمل رسالة الانبياء والمرسلين وهي الدعوة والتبليغ. 9 - ادعاء التزكية والإخلاص والحسن والكمال في العلم والمعرفة وما سواه ليس بشىء فيخاطب الناس بشيء من الغرور والعلوا (فلا تزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقى ..)
المبحث الثالث سمات الخطاب الديني المنشود: الخطاب الإسلامي المنشود لا بد له من سمات وركائز ينطلق منها ليحقق المراد، وأهم هذه الركائز: 1 - الربانية في المصدر والمنشىء: فالخطاب الإسلامي يجب أن يكون ربانيا في مبدئه ومصدره ومنشئه .. يستمد كل مبادئة وقيمه من تعاليم الدين الحنيف التي امر الله بها وامر بنشرها بين الناس لانقاذ البشرية من الظلمات الى النور مستنيرا بنور سيد الخلق اجمعين محمد صلى الله عليه وسلم. 2 - ان يكون عالميا للبشرية جمعاء فالخطاب الإسلامي عالمي للناس كافة قال تعالى عن رسوله الكريم حين بعثه (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) فلا يقف عند مكان معين او لون وجنس او طائفة دون أخرى 3 - الانسانية في الخطاب ومرعات الناس فالنزعة الإنسانية هي لحمة الخطاب الإسلامي لإنقاذ البشرية والإنسانية ورفع مكانتها ونشر الخير والأمن والأمان في مختلف أرجاء المعمورة 4 - وسطية المنهج الخطاب الإسلامي يراعي التوازن بين العقل والوحي، وبين المادة والروح، بين الحقوق والواجبات، ويراعي جميع جوانب الحياة دون افراط او تفريط دون غلوا او تشدد وانحلال فهو منهج الاعتدال والتوسط 5 - الايجابية في الخطاب فينبغي ان يكون خطابنا الديني ايجابي في جميع مناحي الحياة وان يكون نافع للبشريه ولا ينكفئ على نفسة وعلى شخصياته وذكرياته وانتصاراته ولكن مساهما في المجتمع بايجابية وترك الدور السلبي وعدم التمسك بشعارات تتردد دون عمل وتجديد وإبداع وتقديم ما يخدم الإنسانية والبشرية وما ينقذها من براثين الجهل والغواية والضلالة وما يدعو الى تميز المسلم في جميع حياته وتقديم الحلول والمقترحات المتمثلة في الامور التالية: تحقيق التنمية المستدامة: والتي يقصد بها التنمية التي تفي باحتياجات الجيل الحالي دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على الوفاء باحتياجاتهم وعدم مصادرة احتياجات الآخرين والعيث بمقدرات الأمة ونبذ الأنانية وحب الذات والعيش على معانات الآخرين. تحقيق العدالة الاجتماعية: إن الخطاب الإسلامي يكون قاصرا إن تجاهل "العدالة الاجتماعية" التي تحدث عنها القرآن في بحر آياته العديدة، وأرسة قواعدها السنة النبوية، وأوضح أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول (الناس سواسية كأسنان المشط لا فرق بين عربيا وأعجمي الا بالتقوى)، ودعا الى تكوين المجتمع الفاضل الذي يسوده التكافل والترحم والتعاطف .. فالعدل أساس بناء المجتمع وكذلك تقوم عليه الدول وان الله لينصر الدولة العادلة وان كانت كافرة فما أحوج الأمة ودعاتها ورعاياها الى اتباع هذا المنهج القويم والسديد ونشره بين المجتمعات واظهاره للعالم. القضاء على البطالة: إن الناظر لزيادة معدلات البطالة في العالم يدرك بلا شك عمق المشكلة التي تواجه المجتمعات التي تنشد الرفاهية في المعيشة، وتطمح إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية وتطبيق التنمية المستدامة. فلا بد من توجيه الخطاب الديني الى وضع الحلول والبدائل الإسلامية لهذه الظاهرة العالمية المتفاقمة والمنتشرة في اسقاع المعمورة. الاهتمام البيئة والمحافظة عليها: إن الخطاب الديني والإسلامي لا يغفل مشاكل البيئة التي أدت إليها الثورة الصناعية المعاصرة؛ فأحدثت خللا كبيرا في البيئة؛ فلابد من توعية الناس وعدم إغفال هذا الجانب والدعوة الى التوازن و الترتيب والتنظيم لجميع جوانب حياتنا وبيئتنا التي نعيش فيها والاهتمام بالنظافة والهندام والمظهر الحسن فالله جميل يحب الجمال ويقول (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها انه لا يحب المفسدين) ونهى الرسول عن تغيير منار الأرض 6 - التدرج في المراحل: غاية الخطاب الإسلامي الوصول بالناس لتطبيق الدين في حياتهم ليفوزوا في الدارين، ولتحقيق المراد لا بد من التدرج والمرحلية في ذلك اقتداء بالرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم. حيث بدء الرسول بالأهم فألاهم ورتب حيات الناس ونظمها تدريجيا 7 - الشمول لجميع الجوانب : ان الخطاب الإسلامي والديني جزء من هذا الدين الذي جاء كاملا وشاملا لما يحتاجه الانسان في حياته ومعاده فلا بد من السير في خطين متوازيين والتوازن في ذلك والاعتدال والتوسط فلاتغفل عن الاخرة من اجل الدنيا ولا تنسى نصيبك من الدنيا 8 - ارتباط بالأصل واتصال بالعصر فالخطاب الإسلامي يبرز خصوصية الأمة وتفردها ويرتبط بأصوله؛ العظيمة وكذلك يستخدم مستجدات العصر والياته من اجل مصلحة الأمة فلابد من جعل الخطاب الديني متصلا بالأصول العامة للشريعة وعدم إغفال الواقع المعاصر الذي نعيش فيه فالحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها فهو أحق بها . 9 - التنوع في الخطاب والتجديد : بما أن الخطاب الإسلامي خطاب عام للعالمين، ، والناس لهم مشارب مختلفه ومذاهب متنوعة؛ لذلك لا بد للخطاب الإسلامي أن يكون متنوعا يروي ظمأ الجميع من مفكرين ومثقفين ورياضيين وعلماء ومتعلمين واغنياء وفقراء يخاطب كل على حسب فهمه وقدرته ولابد من التنوع ما بين الترغيب والترهيب وما بين التفكر والتدبر والتأمل والاستنباط والاستنتاج قدوتنا في ذلك إمام المتقين وسيد المرسلين الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم. فكان مخاطبا للصغير والكبير للعالم والجاهل للغني والفقير للمسلم والكافر وكذلك للنساء والرجال للسيد والعبد 10 - حكمة بلا تهور : والحكمة هي وضع الشىء في مكانه من غير زيادة ولا نقصان، وهي شأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، حيث يقول تعالى (وانك لعلى خلق عظيم) سورة ن ووجهه إلى أفضل أساليب الخطاب فقال عز وجل: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} (النحل: 125، ومراعاة المخاطبين وأحوالهم في بلاغة وفصاحة منقطعة النظير مراعيا للإحداث ومتغيراتها من سلم وحرب وفرح وسرو ر وحزن من حياة وموت وربح وخسارة ...... 11 - صدع بالحق بلا انهزام : الخطاب الإسلامي يجهر بفكرته في وضوح وقوة، ولا يطلب رضا الناس فالناس وإرضائهم غاية لا تدرك ولكن رضا الله تعالى ورسوله هو المطلب المنشود والمراد المقصود. 12 - مراعاة الأولويات والشريعة الإسلامية راعت الأولويات فى التشريع والأحكام، والفقهاء باستقرائهم عرفوا أن ترتيب الأولويات سنة تشريعية، فبنوا عليها قواعدهم الفقهية، واحتكموا إليها، فأحرى بالخطاب الاسلامي والديني ان يهتم بما سبق: ونذكر طرف من القواعد العامه التي سطرها العلماء من روح الشريعه الاسلامية فلا ننغفل عناه في خطابنا · فالشريعة تقدم الفرض على النافلة. · وتقدم النص على الاجتهاد. · ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح. · والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة. · ويدرأ الضرر العام قبل الضرر الخاص. · ويرتكب أخف الضررين وأهون الشرين مخافة ضرر أكبر وشر أخطر. · وطلب العلم أولى من التنفل عند التعارض. · ومحاربة الشرك الجماعي مقدم على محاربة الشرك الفردي. واعلم أن ما يجمع الأمة خير مما يفرقها،
-13 التيسير والتسهيل على الناس اقتداء بسيد الناس اجمعين الرسول الأمين حيث قال (يسرو ولا تعسروا وبشرو ولا تنفرو) فكان الرسول ما خير بين أمرين الا اختار أيسرها وانب الرسول معاذ بن جبل حينما اطال � �ي الصلاة بالناس فقال (افتانا انت يامعاذ من ام فليخفف ..) -15 الدعوة إلى جمع كلمة المسلمين وشتاتهم امتثالا لقوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ..) ونبذ الفرقة المذهبية والطائفية والحزبية وغيرها والاجتماع تحت راية واحدة وكلمة واحده لا اله إلا الله محمد رسول الله والدعوة الى ذلك وتطبيقها على ارض الواقع. وفي الختام هذه ورقات جمعت فيها على عجالة ما تناثر في عدة بحوث حول وما يحضرني من كلمات حول الموضوع وتوصلت الى النتائج التاليه: - ان الموضوع يحتاج الى بحث مستفيض لاهميته وطرحه بموضوعيه اكثر.