ليست الحرب مسألة جديدة في حاضر الإنسانية،وليست مقلقة،لأنها أصبحت خاصية انسانية من جهة ومن جهة اخرى تجسيدا لتاريخه.أنها تظهر احيانا كقدر لا يمكن سوى التفكير فيه وممارسته، لكن تبقى وستبقى الحرب والى الأبد شكلا لا عقلانيا لتدبير الاختلافات والخلافات،فإذا ما نظرنا الى تاريخ الإنسان نجد أن الحرب كانت دائما تنخر جسده الاجتماعي، فالصراعات كانت يومية بين الأفراد والعائلات والقبائل،وهذا الصراع الداخلي كان أحد أهم العوائق الأساسية في تأخر ظهور الدولة كمفهوم حديث. فبمجرد ظهور الدولة ومأسسة جميع القطاعات، ستطرد الدولة الحرب من جسدها ومن العلاقات بين المواطنين وتلقي به خارج حدودها،فأصبحت الحرب أولا هي صراع على الحدود،كما اصبحت الحرب مسألة قانونية في يد السلطة المركزية هي من تعلن الحرب وشكلها وكذلك من الممكن ان تحدد مدتها وعدوها، هذا الشكل الجديد للحرب هو ما يسميه فوكو بدولنة الحرب، لكن هذه الدولنة للحرب ستنتهي بعد الحرب العالمية الثانية، وستظهر مؤسسات جديدة الى جانب الدولة لها الحق في اعلان الحرب او رفظها وأقصد "مجلس الأمن"،هذا المجلس الذي يستحق ان يسمى أسطورة القرن العشرين،بعد أن سمي العقل اسطورة العصر الحديث، فلا العقل استطاع عقلنة العلاقات الاجتماعية والسياسية بين المواطنين، ولا مجلس الأمن استطاع عقلنة العلاقات الدولية وبالضبط العلاقات الدولية باعتبارها اعلانا للحرب، فجميع الخطابات السياسية اليوم لا تخفي عن كونها خطاب حرب مستمرة لا تنتهي. بعد أن تم دولنة الحرب ابتداءا من العصور الوسطى وهيمنة الخطاب السياسي التاريخي الذي سيتم التخلي عنه بعد الحرب العالمية الثانية باعتباره خطابا مسكونا بلغة الحرب والتهديد خوفا من أن يقود الإنسانية الى حرب عالمية اخرى، وسيتم تغييره بالخطاب القانوني الفلسفي المنظم اليوم للعلاقات الدولية، لكن هذا الخطاب في نظري لا زال قاصرا اليوم على فهم حقيقة الإنسانية وقيمة الإنسان وحقه في الحياة،فإذا ما نظرنا الى الخطابات السياسية اليوم نجدها مسكونة بلغة الإدانة للأسلحة الكيماوية باعتباره سلاحا فتاكا وقاتلا،لكن هذا الرفض بقدر ما يكشف عن تعاطف مع الشعب السوري، يخفي قضية أساسية وهي ما الفرق بين الموت بالحجارة والسكين ؟ ما الفرق بين الموت بالرصاص والموت بالأسلحة الكيماوية؟ ما الفرق بين الموت بالأسلحة الكيماوية والموت بالقنبلة الذرية؟ ما الفرق بين الموت بالقنبلة الذرية والموت بالقنبلة النووية؟ ما الفرق بين الموت بالقنبلة النووية والموت بالجوع؟ ان الموت يبقى واحدا مهما اختلفت الوسائل فاذا كان هناك مدافعا عن أن لا يموت الشعب السوري بالكيماوي فعليه أن يدافع على أن لا يموت الشعب السوري بالرصاص كما ينبغي عليه أن يدافع على أن لا يموت الشعب الصومالي .......وباقي الشعوب الأخرى وأي شخص في العالم بالجوع.لنحارب الموت لأن الموت لا يمكن دولنته أي لا يمكن أن نجد طريقة جميلة في الموت متفق عليها دوليا مادام لا أحد يريد ان يموت أو على الأقل لا يريد أن يموت مقتولا، لأن الموت دائما هو العدم والعالم السفلي هو عالم واحد، لذلك ينبغي على جميع الدول التي تعتقد أنه ينبغي أن يتم التدخل في سوريا، ينبغي عليها أن تراجع فكرتها،لأنها لا يمكن أن تتدخل دون أن تقتل. تبقى الحرب السورية والأسلحة الكيماوية هي مجرد لحظة تاريخية لتصفية الحسابات العالقة مع بشار،فاذا كانت امريكا وحلفائها يعارضان الأسلحة الكيماوية فلماذا تنتجها ؟ بل الأكثر من ذلك لماذا تبيع هذه الأسلحة للدول الأخرى هل لقتل الصراصير وطحالب؟ طبعا لا بل لقتل الإنسان وتعجيل قدره،هذا الموت المفاجىء والقاسي والبشع الذي يترصد أي مواطن في عالم يبقى دليل على أن الإنسان لم ينتقل بعد الى حالة المدنية،لتصبح فكرة السياسة العالمية هي مجرد استمرار لحرب عالمية يتعدد فيها الحلفاء والأعداء ويختلف فيها الضحايا والمنكوبين والتعساء.