لم يكن الشعب المغربي يعتقد بتاتا قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكومة أنه سيعيش أزمة سياسية وفراغا حكوميا كالذي يعيشه الآن بعد فشل حكومة عبد الإله بنكيران في الإعلان عن النسخة الثانية من الحكومة بعد أن خرج حزب الاستقلال من الأغلبية و انضم إلى المعارضة تاركا سعادة السيد بنكيران تائها بين الاستقالة والإعلان عن انتخابات جديدة وبين أن يقبل بالتنازل للأحرار الذين يظهرون من حين لآخر قوتهم لابن كيران وعدم تقديمهم تنازلات لكي يتسنى لرئيس الحكومة الخروج من هذه الأزمة التي يبدو أن نتائجها بدأت تؤثر بشكل سلبي على المواطن المغربي بشكل عام . مع مرور كل هذا الوقت على مفاوضات عبد الإله بنكيران حول تشكيل النسخة الثانية من الحكومة ، ومع استفحال الأزمات التي زادت من أحزان المغاربة الذين كانوا ينتظرون غدا أفضل مع الحكومة التي جاءت بعد الحراك الشعبي ، يمكن القول أننا نعيش مفترق طرق ، خاصة مع حالة الفراغ السياسي الذي نعيشه والذي يوحي بمنعطف خطير من الممكن أن نصل إليه في الأيام القليلة المقبلة ، حيث من غير المستبعد أن يكرس هذا الفراغ في مخيلة المغاربة نوعا من عدم الإهتمام لا بالحكومة ولا بالبرلمان ولا بالديمقراطية ولا بصناديق الإقتراع، ما دام أن المشهد الآن معطل ليس لشيء سوى لان الحكومة اختارت أن تجعل مصلحتها فوق كل اعتبار . لا شك أن لامبالات الحكومة قد أضاع على المغرب فرصا حقيقية فيما يخص العديد من الإصلاحات التي أصبحت في خبر كان ، حيث لم تستطع منذ أن فقدت أغلبيتها على السير نحو إعادة إنتاج حكومة تستطيع أن تستكمل مسلسل الإصلاح الذي جاء بعد دستور 2011، حيث أهدرت كل الوقت في مفاوضات أظهرت الأيام أنها دون جدوى وبالتالي أدخلت البلاد في دوامة أزمات لا تنقطع ، فولاية الحكومة التي لا تتعدى خمس سنوات ربما ذهبت دون أن تحقق تلك المكاسب التي من أجلها خرج الشعب في 20 فبراير والتي من أجلها وضع الثقة في حزب العدالة والتنمية الذي أظهر عجزه التام عن إدارة مرحلة ما بعد الإصلاحات الدستورية التي كانت أمل المغاربة جميعا. حكومتنا المبجلة بعد فشلها الذريع الذي أضاع على مغرب جملة من الإصلاحات التي كان من المقرر أن يتم تنفيذها ، وبالتالي وجهت صفعة قوية لأسس الديمقراطية التي راهن عليها الشعب المغربي وخلقت نوعا من اليأس السياسي لدى الشارع المغربي الذي من الممكن أن يكفر بهذه الديمقراطية المزيفة التي حمل شعارها السيد بنكيران، والتي قدمها للشعب في غير صورتها الحقيقية ، فالحكومة منذ خروج الاستقلال لم تعد قادرة لا على إنتاج النسخة الثانية من الحكومة ولا على حفظ ماء وجهها وتدعو إلى انتخابات جديدة ربما تكون صمام أمان للدولة المغربية نحو الانتقال الديمقراطي واستكمال مسلسل الإصلاح الذي من اجله وجدت أصلا . المشهد واضح تماما لا يحتاج إلى إعطاء أكثر من تفسير ، فكل المؤشرات تبين وبجلاء أن حكومة عبد الإله بنكيران غير قادرة على ترميم نفسها ،حيث وقفت في بداية الطريق ولم تستطع أن تخرج برؤية واضحة دقيقة تخرج البلد من الأزمة الخانقة التي يتخبط فيها بالإضافة إلى تعنتها وعدم قبولها بالعودة إلى الحل الذي بدا من الواضح أنه الأمثل بسبب تخوفها من صناديق الإقتراع التي تعرف أنها لن تبلي فيها البلاء الحسن بعد أن سقط القناع وتم فضح مسرحياتها الوردية عبر المباشر. الأزمة السياسة في البلد معقدة إلى أبعد الحدود فالحكومة التي من الممكن أن تباشر عملها بشكل عادي وديمقراطي غائبة عن المشهد تماما ، بل تعرف فراغا إلى حدود الآن ، بل حتى البرلمان الذي يراقب الحكومة لم يعد له دور يذكر مادام أن الحكومة مستمرة دون حاجتها للشرعية التي تستمدها منه ، حيث ستكرس الاعتقاد الذي يقضي بأننا في المغرب لا نحتاج لا إلى حكومة ولا إلى برلمان ولا إلى انتخابات ولا حتى إلى الديمقراطية، ما دام أن الكل يفتقر إلى التنظيم ويعمل في العشوائية المقيتة التي أوصلتنا إلى أرذل الأزمان نعانق الأزمات من كل حدب وصوب . منذ أن تراجع السيد بنكيران عن كل وعوده النرجسية التي كان قد رفعها في حملته الانتخابية ، ومنذ أن قرر التحالف مع من كان يصفهم بأقبح الصفات ويسميهم بأقذر المسميات ، ومنذ أن أطلق حملته الداعية إلى الصفح عن كل المفسدين، تأكدنا جليا أن الديمقراطية التي من أجلها خرج الشعب إلى الشارع، والتي راهن عليها مع حزب العدالة والتنمية هي مجرد وهم كنا نعتقد أنه الحقيقة ، فالسيد عبد الإله بنكيران لم يكن بالفعل صادقا كما يدعي هو وإخوانه في الدعاية الانتخابية الكاذبة ،حيث استغل هؤلاء الديمقراطية وركبوا على نضال الشعب المغربي، واستطاعوا أن يصلوا إلى سدة الحكومة وهذا همهم الأكبر الذي من جاءوا من أجله. لا صوت يعلو فوق صوت الأزمة الآن في المغرب بعد أن فقدت الحكومة بوصلة التحرك ووصلت إلى الطريق المسدود ،وتركت البلد تائها في أزماته التي لا تنتهي ، دون أن تبحث عن الحلول الكفيلة التي تمكن البلد من تجاوز هذه الأزمات ، فهم هؤلاء الذين جاءوا على أكتاف الشباب ووصلوا على إثرها إلى السلطة، لم يكن هو تحقيق مزيدا من الإصلاحات للشعب المغربي ، ولا المساهمة في بناء دولة المؤسسات التي تحترم حقوق الشعب وتكرس مفهوم الديمقراطية الذي غاب عن الشعب لقرون ، بل كل ما في الأمر أن هؤلاء سلكوا طريق الكذب والخداع لخدمة مصالحهم الشخصية ، فدولة الحق والديمقراطية التي تعهد السيد بنكيران على العمل عليها انكشفت في بداية الطريق ، والعهد الجديد الذي طالما يؤكد عليه في كل المناسبات تبين أنه الخديعة الكبرى التي جعلت المغاربة يلدغون من الجحر ألاف المرات .