تعرف حكومة عبد الإله بنكيران فترة صعبة لم تعرفها منذ مجيئها إلى المشهد السياسي المغربي، وذلك راجع إلى خياراتها التي عملت على المضي قدما في تنفيذها رغم الانتقادات العديدة التي وجهت إليها. وتلك الانتقادات لم يكن مصدرها الوحيد المعارضة بل حتى الأحزاب المشاركة في حكومة حزب العدالة والتنمية التي رأت في السياسة الاقتصادية والاجتماعية لبنكيران تتدرج نحو وضع البلاد في مواجهة كثير من المآزق. مشاكل عدة تحاصر الحكومة الحالية جعلت الطريق أمام حزب العدالة والتنمية غير واضحة المسالك، مما قد يضعها في ورطة كبرى يصعب معها الترميم ويدفع نحو خيار الانتخابات المبكرة.
فقد عجز بنكيران إلى الآن عن تحديد النسخة الثانية من الحكومة وإعلانها للملأ وسط تملل من أحزاب المعارضة مما يضع الحكومة وجها لوجه مع أزمة سياسية خانقة.
ولازالت المفاوضات جارية بين رئيس الحكومة ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار صلاح الدين مزوار، لترميم الأغلبية الحكومية، وإخراج الوضعية السياسية الحالية من الأزمة التي تتهددها وذلك بطرح الهيكلة الحكومية والحقائب الوزارية الجديدة.
ويذهب بعض المراقبون إلى القول إن بنكيران سيجد نفسه مدفوعا، بعد انسحاب حزب الاستقلال من الائتلاف الحكومي، للتحالف مع صلاح الدين مزوار، وذلك تجنبا للانتخابات المبكرة التي قد تخرج حزب العدالة والتنمية من المشهد السياسي.
كما يعتقد البعض الآخر أن من أهم أسباب المشكلات التي تواجهها حكومة بنكيران أنه لم يكن هناك انسجام بين الائتلاف المكون لها إلى أن وصل الأمر بانسحاب أحد أضلاعها والمتمثل في حزب الاستقلال المحافظ. ذاك الانسحاب الذي أدى إلى ركود سياسي في البلاد، ودفع بنكيران إلى البحث عن توازن جديد لحكومته من خلال التشاور مع بعض أحزاب المعارضة .
ومنذ صعود بنكيران إلى المشهد عبر عن توجهاته السياسية وبرامجه التي سيعمل على تنفيذها مؤكدا أنه سيكون المدافع عن الديمقراطية والحكم الرشيد. وأنه ملزم بإعادة النظر في البرامج للاتفاق على برنامج مشترك، لكن الأمر الأساسي في برنامجه وبرنامج من سيحكمون معه يقوم على محورين هما الديمقراطية والحكم الرشيد.
كما وعد المغاربة وقتها، وهو في نشوة الفوز، "سأحاول والفريق الذي سيعمل معي، أن نكون أكثر جدية وعقلانية، وأن المغاربة سيشعرون أن الدولة في خدمتهم وليس العكس وهذا أمر مهم جدا بالنسبة إلينا".
مشيرا أنه "أصبح عندنا دستور جديد يعطي صلاحيات أكبر للحكومة ورئيسها، و يتعين العمل مباشرة مع جلالة الملك".
بنكيران أبان أيضا أن العلاقات مع الغرب لا تستدعي التخوف ومع حزب العدالة والتنمية لا مجال أبدا للمفاجآت. وأنه سيعزز العلاقات مع الغرب.
مؤكدا "لسنا بحاجة لطمأنة الغرب فهو مطمئن أصلا، ولا مخاوف".
ولخص بنكيران تواجهاته وقتها أنه سيتدافع مع قوى الفساد والاستبداد التي تريد أن تحافظ على منهج التحكم ليدوم في يدها استغلال الخيرات بطرق مشروعة وغير مشروعة، مهما كلفه ذلك.
الرؤية الثاقبة للملك
بحكم المقاربة الاستثنائية والاستشرافية للأوضاع التي يملكها ملك المغرب محمد السادس، فقد نجح في استباق آثار الربيع العربي وعمل بجهده المعهود على إقرار إصلاح هادئ عمّ جميع القطاعات الحيوية في المملكة المغربية. وكانت حكومة بنكيران نتاجا واضحا لذلك السياق الإصلاحي الذي فرضه الملك.
ونجح الملك محمد السادس في إدماج الإسلاميين وتحويلهم إلى قوة فعل ضمن القوى السياسية الأخرى التي تؤثث الساحة السياسية في المغرب.
وفي نفس السياق الإصلاحي كان ملك المغرب قد اقترح تعديلات دستورية تحد بعضا من صلاحياته في حركة عبرت عن قدرة على قراءة المشهد الذي استدعى التغيير وتحقيق مطالب الشعب المغربي في النهوض والتطور.
لكن التوجه الإصلاحي الذي دعّمه محمد السادس وسعى إلى تكريسه ومكن الحركة الإسلامية في المغرب من أن تمارس حريتها في العمل السياسي دون قيود أو شروط لا يعني بالضرورة السكوت عن إمكانية جر البلاد إلى مأزق في ظل توجهات سياسية لحكومة بنكيران التي لم تحقق الآمال المرجوة.
فكان أن وجه الملك من خلال خطابه بمناسبة الذكرى الستين لثورة الملك والشعب في ال 20 من أغسطس الماضي انتقادات حادة للحكومة.
وتركزت انتقادات الملك على قطاع التعليم. وقال إنه " كان على الحكومة الحالية استثمار التراكمات الإيجابية في قطاع التربية والتكوين، ذلك أنه من غير المعقول أن تأتي أية حكومة جديدة بمخطط جديد كل خمس سنوات، متجاهلة البرامج السابقة علما أنها لن تستطيع تنفيذ مخططها بأكمله، نظرا لقصر مدة انتدابها".
وأكد خطاب الملك محمد السادس على ضرورة "اعتماد النقاش الواسع والبناء بدل الجدال العقيم والمقيت، الذي لا فائدة منه، سوى تصفية الحسابات الضيقة، والسب والقذف والمس بالأشخاص، الذي لا يساهم في حل المشاكل، وإنما يزيد في تعقيدها".
انتقادات الملك جاءت نتيجة طبيعية للمشاكل التي تتخبط فيها حكومة بنكيران، فلا معني للحسابات السياسية الضيقة أمام المصلحة الوطنية وأمام استقرار الشعب المغربي وأمنه.
فهذه التجاذبات السياسية التي عرفها المغرب في ظل صعود حزب العدالة والتنمية لا تخدم مصلحة المغرب إذ ساهمت في تعطيل الخدمات العامة وبدأت تسير بالبلاد نحو أزمة حقيقية.
لذا كان النقد الذي وجهه الملك لأدائها ولخياراتها في الوقت المناسب قبل أن تجر حكومة بنكيران المشهد السياسي برمته إلى مرحلة متوترة تصعب فيها الحلول.
ويذهب عدد من المراقبين إلى أن حزب العدالة والتنمية لم يستوعب بعد الدرس الملكي جيدا من حيث أنه لم يراع مساحة الحرية وهامش التحرك الذي وفره له الإصلاح الهادئ الذي اختارته المملكة المغربية، مما قد يكلف الحزب نهاية غير منتظرة في الانتخابات القادمة.
حكومة بنكيران مهددة بالفشل
رغم استيعابه للمنطق الفيزيائي الذي مكنه من النجاح في دراسته، إلا أن المعادلات السياسية لبنكيران لم تخضع لذاك المنطق النظري الذي يجيده الرجل.
ولد عبد الإله بنكيران في الثاني من أبريل 1954 بحي العكاري الشعبي بالعاصمة المغربية الرباط، وهو ينتمي إلى أسرة فاسية صوفية تعمل في التجارة، وهو متخرج من شعبة الفيزياء بكلية العلوم.
ووجهت لحكومته العديد من الانتقادات تعلق أغلبها بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية. فقد طالبه منتقدوه بتنفيذ شعاراته الانتخابية وتفعيل وعود الإصلاح الاجتماعي الاستعجالية ومحاربة الفساد واقتصاد الريع ومحاربة التهرب الضريبي واستخلاص الديون المتراكمة على بعض المتهربين الكبار من أداء الضرائب واسترجاع الامتيازات غير القانونية التي يتمتع بها بعض المنتفعين.
وكان حزب بنكيران وعد خلال الحملة الانتخابية بخفض نسبة الفقر إلى النصف وزيادة الحد الأدنى للدخل بنسبة 50 بالمائة، لكن بين الوعود والفعل على الارض تبقى المسافة بعيدة للغاية ولم يشعر المغاربة أن هناك شيئا قد تغير في واقعهم بعد مجئ بنكيران وحكومته.
وقد انتقد حزب الاستقلال انفراد العدالة والتنمية بالقرارات المصيرية الكبرى، واحتضان الحكومة للفساد وتشجيعها عليه، واستنفد الحزب الطرق المؤسساتية في تنبيه الحكومة إلى الوضع الاقتصادي الكارثي الذي أوصلت إليه البلاد مما دفع حزب الاستقلال للانسحاب من الائتلاف.
كما تواجه حكومة بنكيران انتقادات كثيرة تتعلق بمعالجتها لملف التعليم وإصلاح صندوق المقاصة (صندوق الدعم الاجتماعي). كما تعتزم الحكومة خفض دعم الوقود، وتؤكد أن هذا الأمر يدخل في إطار إصلاح صندوق المقاصة من خلال مراجعة أسعار بعض المواد الأساسية.
ويشكل صندوق المقاصّة في المغرب عبئا كبيرا على ميزانية الدولة، إذ وصلت مخصصاته العام الماضي إلى أكثر من 53 مليار درهم، أي ما يعادل 6.4 في المئة من الناتج الاقتصادي المغربي.
ويقضي قرار مراجعة الأسعار الذي وقعه رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران في
ال 19 من أغسطس الماضي بربط أسعار المحروقات في المملكة بكل زيادة أو انخفاض في السوق العالمية، أمر سينعكس سلبا على ارتفاع أسعار جميع المنتوجات والسلع وقد يوجه ضربة قاسية للقدرة الشرائية للمغاربة.
الانتقادات والاتهامات التي طالت حكومة بنكيران كثيرة من بينها اتهام حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال لعبد الإله بنكيران، بالاعتماد على أسلوب في الحكم يرتكز على منطق التحكم والهيمنة والانفراد بالقرار.
وقال حزب الاستقلال إن "شباط نبه إلى طبيعة الأسلوب الذي اعتمده رئيس الحكومة في تدبير مختلف القضايا، وهو أسلوب يرتكز على منطق التحكم والهيمنة والانفراد بالقرار، والدخول في صراعات مع مختلف الأطراف داخل المجتمع، والانحراف عن التوجهات التي تهدف إلى تحقيق المزيد من المكتسبات للشعب المغربي".
وأضاف شباط أن تلك الأسباب كانت كافية لإعلان خروج حزب الاستقلال من "الأقلية الحكومية وتخندقه مع الأغلبية الشعبية".
وأمام هذه الانتقادات وعجز حكومة بنكيران عن الخروج من الأزمة الخانقة التي تجر إليها البلاد ، فإن الخيارات أمامها تبقى محدودة فإما أن تمضي في سياستها وخياراتها دون الاستماع إلى أصوات المعارضة ودون الانتباه إلى دقة الوضع، أو أن تعلن فشلها في التعديل الحكومي والذهاب نحو انتخابات سابقة لأوانها لتفادي دخول البلاد في سيناريوهات مجهولة، لا سيما وأن جزءا كبيرا من الرأي العام المغربي يعتبر أن بنكيران مسؤول عن الوضع الحالي بسبب تردده في تطبيق الدستور والتستر على الفساد.