نحن هنا في هذه الورقة المتواضعة، لسنا أمام عنوان شريط سينمائي من الأفلام التي تعود بالذاكرة إلى تلك الحقبة من الزمن الرائع، حيث كان للسينماوأنديتها المتوغلة في عمق المجتمع، ذلك التوهج الذي يزيد المواطن وعيا سياسيا ونضجا ثقافيا يمنحانه القدرة على الاستيعاب والتحليل، وإنما نحن إزاء إعلان بارز عن إفلاس حزب حاكم، يبحث دون جدوى عن إقعاد الدنيا التي أقامها ذات موسم انتخابي، مستغلا انتفاضة شباب "حركة 20 فبراير" المباركة ضد القهر والتسلط، وحلول ربيع الديمقراطية في المحيطات الإقليمية... ف "البيجيدي"، الحزب الذي ساقته الأقدار إلى تصدر نتائج الانتخابات التشريعية في نونبر 2011 لاعتبارات ما عادت اليوم خافية على أحد، والذي يقود أمينه العام،"الربان"المرتعش والمتردد على الدوام السيد: عبد الإله ابن كيران سفينة الحكومة المتأسلمة، استشعارا منه لما يحدق به من مخاطر الغرق إثر ما يلوح في الأفق من بوادر كارثة اقتصادية عظمى، وما سيترتب عنها من تداعيات لن تزيد أوضاع البلاد إلا تفاقما وتأزما في كافة القطاعات: الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية والثقافية... وما لحق إدارته للشأن العام من فشل ذريعغير مسبوقفي تاريخ حكومات المغرب المعاصر، لم يجد من مبرر مقنع للتملص من المسؤولية عدا التباكي وافتعال الأزمات، وبالتالي تشغيل أسطوانة المظلومية المشروخة، التي تفيد ترانيمها أن حزبه الذائع الصيت من سلا إلى الكويت، مستهدف من لدن لوبيات الفساد، وأن البعض يتربص بمناضليه في انتظار الفرصة المواتية للانقضاض عليه ونسفه، وما تخلي أكبر حلفائه حزب الميزان بقيادة الصديق اللدود: حميد شباط، في بداية المشوار إلا أحد العناصر المشوشة على إبحار السفينة "الميمونة"، في الوقت الذي يعزو فيه شباطاختلافه مع ابن كيران إلى تطاول هذا الأخير على العديد من المؤسسات العمومية ومحاولته الهيمنة عليها، ناهيكم عن عناده واستبداده بالقرارات، دون العمل على الاستشارةوإشراك باقي الأعضاء في الائتلاف الحكومي، وإلا كيف يمكنه تفسير عدم مراعاته للزمن الضائع، وعجزه البينإلى الآن بعد مرور أربع جولات من التفاوض، عن إيجاد صيغة ملائمة تقرب وجهات النظر بينه وبين الحليف الجديد المفترض، أمين عام حزب الحمامة السيد: صلاح الدين مزوار لتشكيل أغلبية جديدة؟ اللهم إذا كان "البلوكاج" الحاصل ناجم عن مؤامرة دنيئة كما يدعي سيادة الرئيس، يسعى أصحابها إلى الإيقاع بينه وجلالة الملك وإلى تشتيت ما تبقى من الحكومة الحالية، أو ربما يكون السيد مزوار يتراجع بهدوء خوفا على مستقبل حزبه وما قد يسيء إلى صورته،بعدما فطن إلى أن رئيس الحكومة لم يستوعب درس السيد شباط جيدا، وأنه غير مؤهل للقيادة الحكيمة والتسيير الجيد،فضلا عن افتقاده إلى مقومات التدبير العلمي الرصين لإنقاذ الاقتصاد الوطني، سيما أن الحكومة مقبلة على تحضيرالقانون المالي لسنة: 2014، وأن السيد: أخنوش وزير الفلاحة الذي حل بصفة مؤقتة مكان السيد: بركة وزير المالية السابقفي انتظار الترميم الموعود، بعيد كل البعدعن الميدان، علما أن السيد: الأزمي، العضو القيادي في الحزب الحاكم هو الوزيرالمنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية وهو الأولى بالمهمة في الوقت الراهن... عموما، يبدو أن الحزب الحاكم استنفد كل ألاعيبه وظهرت حقيقته جلية للعيان، ولم يعد لاستمراره في تدبير الشأن العاممن مسوغات، بعد أن أخفق في تحقيق النزر القليل من وعوده، فقد ثقة الشارع الذي اكتوى بنار الأسعار التي أشعلها القرار الداعي إلى رفع أثمان المحروقات، فقد ثقة أرباب العمل والمقاولات في غياب التواصل المثمر، فقد ثقة النقابات عندما جمد الحوار الاجتماعي، فقد ثقة الموظفين حين تجرأ على الاقتطاع من رواتبهم كلما انخرطوا في الإضرابات احتجاجا على أوضاعهم المزرية، فقد ثقة الطلبة والمعطلين لما حرم الموقعين على محضر 20 يوليوز من التوظيف المباشر... بدت كل وعوده وهمية وشعاراته زائفة، فلا هو نجح في محاربة الفساد ولا استطاع استئصال أورام الاستبداد أوالقضاء على اقتصاد الريع، ولا هو تمكن من رفع نسبة النمو ولا بادر إلى الزيادة في الحد الأدنى للأجور أو إلى إصلاح صناديق التقاعد... وربما قد يفلح فقط في جرنا يوما إلى تكرار تجربة اليونان في أردأ نسخة لها، القلق وحده يدغدغ مشاعرناولا شيء ينذر بالفرج أويدعو إلى السكينة والاطمئنان، باتت ملامح المستقبل قاتمة في وجوهنا ومصائر فلذات أكبادنا تعبث بها التماسيح غير المروضة، مادام سيادة الرئيس يهدد في أكثر من مناسبة بالنزول إلى الشارع وأنه بابتعاده عن سدة الحكم سيغيب الاستقرار والسلم الاجتماعي، يا سلام ! فماذا يمكن انتظاره من حزب حول مناضلوه انتقادات صاحب الجلالة في ذكرى "ثورة الملك والشعب" للسير غير الطبيعي للحكومة التي يترأسها، إلى ردود أفعال متباينة، شككت غالبيتها في أهدافها النبيلة واعتبرتها نوعا من التحامل والتشويش،حزب لم يستطع خلق تضامن وانسجام مع حلفائه في الحكومة، وحماية مناضليه مما يتعرضون إليه من اعتداءات؟ بل لم يقدر حتى على حماية برلمانييه من الجلد والتهديد، فما بالكم بعامة أفراد الشعب؟ ولعل ما حدث للقيادية وعضو الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، والنائبة في البرلمان السيدة: آمنة ماء العينين، من استفزازات وتحرشات طالت حتى المصون زوجها، خير دليل على أننا عدنا في عهد المتأسلمين، سنين ضوئية إلى الوراء إذا كانالتحرشصحيحا، وفي هذه الحالة فإن "رفيقها" في الحزب السيد: مصطفى الرميد وزير العدل والحريات، مطالب بتنسيق مع وزير الداخلية السيد: امحند العنصر، بحماية على الأقل هذه النخبة من هذه الهجمات الشرسة نهارا جهارا من طرف "العفاريت"،ذلك أن قصة "المناضلة" الصنديدة مع هؤلاء الأشباح بدأت شرارتهاالأولى حين سلب منها حاسوبها الشخصي ومحفظتها الحاملة لوثائق تخص مجهوداتهاالذاتية وملفات المواطنين، إبان لقاء تواصلي مع مجموعة من الفعاليات الحزبية والنقابية، بتأطير منرئيس الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية السيد: عبد الله بوانو في مقر وكالة المغرب العربي للأنباء، دون أن نعلم كيف تسلل "المغرضون" إلى اللقاء، ومن تم انطلقت الملاحقات والمضايقات لتستهدفها وعائلتها، إلى أن بلغت أقصى درجات الوعيد والتهديد، مما أقلق راحتها ووزع بذور الرعب في أفئدة الأهل والأحباب، بيد أن الذي أثارنا في هذه "القصة" التي تصلح نموذجا لتدريس أبنائنا وحثهم على معنى الالتزام والصمود في وجه الأعادي، هو أن البطلة "المضطهدة" ظلت تقاوم ببسالة وفي صمت لمدة يعادل زمنها عمر الحكومة المتأسلمة، وأنها بشهامتها وحرصها الشديد على نجاح التجربة الفتية لحزبها "المقاوم"، أصرت على تغليب المصلحة العليا للبلاد في ظل ما كانت تعرفه الساحة السياسية من تجاذبات ونقاشات ساخنة، وغضت الطرف عما اعتبرته أسلوبا لا يرقى إلى مستوى النضج السياسي والمسؤولية، وأنه في واقع الأمر مجرد "لعب عيال" ليصبح فيما بعد مطاردة عفاريت، ذلك أن المتحرشين من "الجنون" اخترقوا حسابها فحمدت الله على أنه فقط حساب "الفايسبوك" وليس حسابها البنكي، وزادت بأن صرحت بأن الأمر لم يقف عند هذا الحد حين وصلوا إلى بريدها الإلكتروني وشرعوا في إمطارها بوابل من الشتائم النابية عبر المكالمات والرسائل الهاتفية، مما اضطرها إلى الاستغناء عن هاتفها المحمول، وتفويت الفرصة على هؤلاء الرعاع الذين يجهدون أنفسهم للحط من قيمتها وإشعال نار الغيرة في قلب زوجها، غير أن ما يستغرب له حقا في هذه القصة وإن بدت نوعا ما غير متجانسة كالائتلاف الحكومي، هو التوقيت الذي اختير لعرض أحداثها على الجمهور حيث جاءالإعلان مباشرة بعد فترة وجيزة من الخطاب الملكي الأخير، وألا أحد حاول التعرف على الجهات التي تقف وراء هذه الحملة الشعواء، باستثناء مؤازرة الفريق النيابي للحزب برئاسة السيد عبد الله بوانو الذي وقع بيان الإدانة لمثل هذا السلوك الأخرق والمنحط، وبلاغ نقابة الجامعة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب التابع للحزب الحاكم، معلنين تضامنهم المطلق مع مناضلتهم الغالية، مطالبين الجهات المسؤولة بالقيام بالتحريات الضرورية للكشف عن هوية هؤلاء "العفاريت"، وإحالتهم على المساءلة القضائية للوقوف على ملابسات القضية وأهدافها، مستنكرين أساليب التهديد والتخويف لثني المناضلين عن مواقفهم المبدئية الشجاعة...
إننا بالرغم من اختلافاتنا العميقة مع توجهات وسياسة الحزب الحاكم، وما راكمناه من تناقضات في خطب أمينه العام السيد رئيس الحكومة وتصريحات قيادييه، نرى لزاما علينا من جانب الواجب الأخلاقي، أن نعلن عن تضامننا مع السيدة: آمنة ماء العينين، لتجفيف دموعها ومؤازرتها في محنتها، وأن نشجب بقوة الأساليب القذرة الرامية إلى تكميم الأفواه، فاختلافنا مع الآخر لا يعني إطلاقا عدم مساندته في الدفاع عن حقوقه، وإن كان هذا الآخر لم يجشم نفسه يوما عناء الدعم والوقوف إلى جانب المناضلين الحقيقيين عندالشدائد، من أولئك الذين خبروا دروب المعتقلات السرية، وتعرضوا للخطف والاغتصاب وكل أنواع التعذيب والتنكيل، ونطالب بفتح تحقيق فوري لرفع الغطاء عن حقيقة ما يجري حولنا من ترويع لأمن المواطنين، وإن كنا ضد سياسة "فتح التحقيقات" التي لا تفتح إلا لتغلق بعيدا عن العيون دون نتائج تذكر،لكننا في ظل ما بتنا نرصده من أكاذيب يختلقها بعض عناصر الحزب الحاكم للتمويهعن إخفاقاته المتعددة ، ومحاولة استدرار عطف الآخرين بالمجان ، لم نعد نميز بين الحقيقة والخيال لدى حزب يستجمع أنفاسه الأخيرة للنطق بشهادة الوفاة...وإنا لله وإنا إليه راجعون.