و أخيرا أصبحنا خليجيين ... و من ماء زمزم شاربين ... و سنستفيد من بترودولارات الحجازيين... و سنحج البيت وقت ما شئنا أجمعين...و سنسير في الأرض فرحين مرحين .... و بملايين الريالات لاعبين... و سنعيش في نعيم آمنين ... أليس هذا بخير من أن نتعاون مع الأوروبيين؟" هكذا علق مازحا أحد أصدقائي الظرفاء على خبر قبول انضمام المغرب و الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي، نعم إنها مفاجئة تلقاها الشعب المغربي في خضم الأحداث المتسارعة التي يعرفها الوطن العربي بوجه الخصوص و الدولي بشكل عام ، و الكل يتسائل ما السبب؟و ما دواعي مثل هذه القرارات في هذه المرحلة المحورية التي تجتازها البلدان العربية ؟ و ماذا سيستفيد المغرب من هذا الإنضمام؟ و كالعادة بدأ المعارضون لهذه المبادرة يعلنون أنهم يشتمون رائحة المؤامرة و أن الملكيات العربيات تتخندق لمواجهة رياح التغيير التي تهب يمينا و شمالا ؟ و ستجد من يردد أن الخليجين يريدون استباحة نسائنا و جعلنا عبيدا و جواري عندهم و آخرون سينكرون على المغرب ارتباطه وإنتماؤه الحضاري لأمة العرب، و سينسجون في خيالاتهم مؤامرة هوليودية بين الشيخة موزة (أو بنانة إن شئتم) و أمريكا و بنو صهيون و الماسونية و... و ماأدرانا إن لم يكتشفوا أن سبب هذا هو وزن الوقيدة (عود الكبريت) التي أشعل بها البوعزيزي النار في جسده!!!. أولا فالتاريخ مليء بالمؤامرات ،لكن التاريخ ليس بمؤامرة و نحن المتفرجون لا ندرك من حقيقة ما يحدث في الكواليس إلا القليل و خصوصا و نحن في عصر سرعة المعلومات و الأحداث و أي تحليل متسرع بدون الأخذ بالإعتبار بجميع المعطيات الجيوستراتيجية فإنه لن يكون إلا رد فعل تحليلي ساذج و سيتوه عن الحقيقة . ثانيا يجب الإشارة إلى أنه رغم البعد الجغرافي للمغرب عن الخليج فإنه يوجد قواسم مشتركة بين مجتمعات و أنظمة هذه الدول، فدول مجلس التعاون الخليجي الست إضافة إلى الأردن و المغرب تعتبر هي الملكيات الوحيدة في العالم العربي و ملوكها كلهم لديهم أصول قرشية و هي دول مستقرة بشكل ما عن باقي الجمهوريات التي كادت أن تصبح وراثية لولا الثورات الحالية التي قلبت الطاولة على هؤلاء الرؤساء، و لو نظرنا جغرافيا لهذا الحلف المستقبلي فإننا سنجده عبارة عن مثلث ملكي سني عربي رؤوسه السعودية (الخليج)و الأردن(بلاد الشام والعراق ) و المغرب( المغرب العربي) و ليس من المستبعد أن تكون من دوافع هذا الإتحاد مقاومة المد الشيعي المتواصل والذي أصبح يشكل هلالا و خطرا حقيقيا على المنطقة (أقول هذا رغم أنني لا أحبذ الحديث عن الفتنة الطائفية بين الشيعة و السنة و لكنها أصبحت واقعا لا يحق لنا تجاهله و الكل يعرف من أشعل هذه الفتنة و لماذا) . و من ناحية الإختلاف بين الدول الثماني، فما عدا الحالة المغربية بالنسبة للجغرافيا فإن الإختلافات الإقتصادية واضحة بشكل كبير فدول مجلس التعاون تتوفر على مخزون كبير من البترول و الغاز يجعل منها دولا غنية بالمقارنة بالمغرب و الأردن ، و كمثال على هذا الفارق الشاسع فإن معدل الدخل الفردي في هذه الدول يشكل ستة أضعاف معدل الدخل الفردي في المغرب ، و في المجال السياسي فيعتبر المغرب و الأردن أكثر حرية و تعددية و ديمقراطية و سباقين إلى الإصلاحات الدستورية بينما تقريبا كل دول مجلس الخليج ملكيات تنفيذية توزع فيها الأدوار الحكومية بين أفراد العائلة الملكية الحاكمة. لا أنكر وجود إحتمال أن يكون الهدف من هذا الحلف إحتواء موجة الإحتجاجات التي تجتاح العالم العربي لأنه في حالة سقوط نظام واحد من بين هذه الأنظمة فإن زلزالا قويا سيضرب باقي الأنظمة ، كما أن الأردن و المغرب البلدين الفقيرين في هذه المنظومة الملكية في حاجة لمساعدات إقتصادية لمواجهة آثار الأزمة الإقتصادية الخانقة التي يمر منها العالم ، و نحن قد رأينا ما حصل لدول أوروبية كاليونان و ايرلندا ، حيث أنه لولا تدخل إخوانهم في الإتحاد الأوروبي لأصبح الوضع فيها أفظع من الوضع التونسي واليمني. نأمل أن تكون هذه الخطوة اللبنة الأولى في طريق بناء الإتحاد العربي القوي ، و أي دارس لتاريخ تكوين الإتحاد الأوروبي ،الذي أصبح القوة الثانية في العالم،يعلم أنه قد بدأ بتكثلات اقتصادية و سياسية رغم الإختلاف في اللغات، أما نحن فمتحدين في الدين و اللغة و لن يصعب علينا إستغلال هذين العاملين لتشكيل كيان قوي لطالما حلمنا به،أما بالنسبة للعلاقة بين دول الخليج و القادمين الجديدين فالمغرب و الأردن سيتطلعان لشراكة إقتصادية مع تلك البلدان الغنية هم برؤوس أموالهم و نحن بالعقول و العضلات ،و هذا أفضل من توسلاتنا للأوروبيين لضمنا معهم و نحن نعلم مدى كرههم لنا و رغبتهم في إستمرار تبعيتنا لهم، و ستتطلع الدول الخليجية إلى الإستفادة من التجربتين المغربية و الأردنية لإصلاح أنظمتها السياسية ربما لتأسيس نموذج حديث للنظام الملكي في القرن الواحد و العشرين لضمان إستقرار بلدانهم .