باتت الحكومة المغربية التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي برئاسة عبدالإله بن كيران في موقف صعب وهي تسعى لترميم أغلبيتها بعد اعلان حزب الاستقلال التخلي عن عضوية ائتلافها الحاكم باستقالة خمسة من وزرائه الستة في الحكومة واختياره التحول إلى المعارضة. وتتهم المعارضة البرلمانية الحكومة التي يقودها لأول مرة في المغرب إسلاميون بمفاقمة مديونية المغرب وازدياد عجز الميزان التجاري الذي ارتفع الى اكثر من سبعة في المئة وانحسار المشروع التنموي، وتباطؤ النمو الاقتصادي الذي بلغ 2.4 في المئة خلال عام 2012 وارتفاع الأسعار والإضرار بالقدرة الشرائية للمواطنين وفشل الحكومة في محاربة الرشوة والفساد. وتعزو احزاب المعارضة الى "الحصيلة الهزيلة" لعمل الحكومة بعد مرور سنة ونصف على تنصيبها بنما تصر قيادات العدالة والتنمية في الائتلاف الحاكم أن هذه "الازمة" مفتعلة ومختلقة لمحاصرة الاصلاح برؤية "إسلاموية". وتطرح "جبهة الصمود والتصدي" لقطبي المعارضة الجديدين المتشكل من حزب الاستقلال حليف الأمس وبين حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض اللذين قررا بعد أن انفرط عقد الأغلبية، تنسيق المواقف في مواجهة (التوجه التكفيري الجهادي) لحكومة بن كيران، كما جاء في بيان صادر عن قيادتي الحزبين. ويواجه بن كيران ايضا، استمرار رفض حزب الاصالة والمعاصرة المسبق للدخول ضمن اية حكومة يقودها إسلاميون. كما أن حزب التجمع الوطني والأحرار الذي ينتظر حزب العدالة أن يعوض انسحاب حزب الاستقلال في الائتلاف الحكومي له جملة من الشروط للموافقة قد لا يقبلها بن كيران في النهاية. وأعلن قياديو هذا الحزب الذي يمتلك 52 مقعدا في مجلس النواب (الغرفة العليا للبرلمان المغربي) في وقت سابق أنهم لن يكونوا "عجلة احتياطية". ويبدو أن كل هذه الصعوبات قد فعلت فعلها في نفسية رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران واصبح في وضع لا يسمح له بسماع المزيد من الأصوات المعارضة أو المعرقلة لرغبته في إغاضة حزب الاستقلال وتشكيل ائتلاف حكومي جديد من دونه. والأربعاء استشاط عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة المغربية، غضبا في جلسة المساءلة الشهرية في البرلمان المغربي، وصاح بأعلى صوته موجها خطابه لرئيس الغرفة الثانية في المؤسسة التشريعية المغربية، محمد الشيخ بيد الله، بالتأكيد على أنه "ليس حائطا قصيرا"، وبأن له "الحق في التكلم". وقال بن كيران في الجلسة البرلمانية إن "الفاصل هو الدستور". ووجه الدعوة لرئيس الغرفة الثانية من البرلمان بعدم "الانضمام إلى ما أسماها الجهات التي تشوش عليه"، مذكرا بأن "الشعب المغربي يعرفه". وهدد بن كيران ب "الذهاب لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها"، مشيرا إلى أن حكومته أتت في سياق "حراك عربي عصف بدول"، ومنبها إلى أنه أتى لرئاسة الحكومة "وفق تصالح وتوافق قاده الملك محمد السادس"، وأنه "مستمر في رئاسة الحكومة تحت قيادة العاهل المغربي". ويشعر بن كيران بحجم الرفض المتنامي لسياسة حزب العدالة والتنمية والتشكيك في قدرة حكومته على ادارة الدولة. وجوبه بن كيران في الجلسة البرلمانية الأربعاء باحتجاجات قوية من برلمانيي المعارضة، وخاصة من نواب حزب الاستقلال، طالبوه فيها، بالابتعاد عن الحشو في خطابة والتركيز على موضوع الجلسة الشهرية التي كانت مخصصة للمساءلة حول الاستثمارات الخارجية. وأدى ذلك إلى تحول البرلمان المغربي لساحة عراك سياسي بالأصوات العالية وبالصراخ وبالصراخ المضاد. واتهم رئيس الحكومة المغربية ما وصفها ب"اللوبيات"، بأنها تستمر بالتحكم في الاقتصاد المغربي كما فعلت في السياسة. وأشار إلى أن "حكومة لا يوجد فيها سوبرمان ولا عباقرة ولا أولياء"، لكنه أصر على أن "الشعب المغربي لا يزال يريد هذه الحكومة". وينتظر أن يشرع بن كيران الاسبوع المقبل في إجراء مجموعة من اللقاءات مع مع قيادات الاحزاب الممثلة في البرلمان من أجل تشكيل أغلبية برلمانية جديدة في غياب حزب الاستقلال المنسحب. وسيكون رئيس الحكومة المغربية إذا ما فشل في تشكيل أغلبية جديدة خلال 60 يوما تعقب موافقة الملك محمد السادس على قبول رئيس الحكومة استقالة الوزراء، مطالبا وفقا للدستور المغربي بحل مجلس النواب واجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها. ويقول مراقبون إن الإسلاميين في المغرب يعيشون أوقات عسيرة وهم يحاولن تشكيل النسخة الثانية من حكومتهم الائتلافية، تتخللها حالة ترقب لحركة "تمرد" المغربية التي أعلنت عن الخروج في تظاهرة احتجاجية مقررة ليوم 17 أغسطس/آب المقبل، من اجل إسقاط حكومة بنكيران.