يلعب الإعلام بجميع أطيافه سواء السمعي أو البصري دورا مهما في ترجمة كل ما يقع حول المواطن من وقائع و أحداث و في تنوير الحقائق التي يجد الفرد صعوبة في اكتشافها,فيمكن القول بأن الإعلام أصبح ضرورة لا يمكن الإستغناء عنها في وقتنا الحاضر إذ لايمكن رصد أخر التطورات السياسية دونه و لا حتى الإلمام بالمستجدات الرياضية ,كما من الصعب معرفة أجندة الفعاليات الثقافية دون منبر آخر غير الإعلام وبالتالي فيعتبر هذا الأخير مترجم الأحداث و مجهزها على طبق من ذهب للمشاهد الذي يعتمد عليه كثيرا لاستيقاء كل ما جد على الساحة الوطنية و حتى الدولية ,لكن كل هذه المحاسن التي تم ذكرها تقتصر فقط على الدول التي قطعت أشواطا كبيرة في المسار الديمقراطي لأن الديمقراطية لا تبنى فقط بالمناخ السياسي الصافي بل تستوجب إعلاما عموميا يخلو من الضبابية و التمييع. فإذا أردنا التنقيب عن النقاط الإيجابية للإعلام الوطني فلن نجدها لأن هذا الأخير لا يخدم إلا مصالح النظام الحاكم بينما يتغاضى عن كل ما من شأنه أن يمس بنزاهة هذه الأنظمة,و في إطار هذا الحراك الشعبي الضخم و الكبير الذي شهدته الساحة الوطنية في الآونة الأخيرة قام الإعلام الوطني بممارسات دنيئة يكسوها التمييع لهدف تغليط المواطن و الرأي العام حول مجموعة من المعطيات الحساسة و التي تكتسي أهمية كبرى,وقد غالط هذا الإعلام الذي يفتقد الإحترافية و الضمير المهني المواطن المغربي حول مسيرات 24 أبريل و ذلك بتقزيمه لحجم المشاركين في هذه المسيرات و التصريح ب2500 مشارك فقط في مدينة الرباط التي شهدت في واقع الأمر يوما استثنائيا على جميع المستويات سواء من حيث عدد المشاركين الضخم و الذي يفوق كثيرا ذلك العدد الهزيل الذي كشفت عنه المنابر الإعلامية أو على مستوى الأجواء الحماسية التي تخللها التنظيم و الإحترافية في أساليب الإحتجاج التي شهدتها هذه المسيرات في كل أرجاء الوطن, و لم يكتفي إعلامنا بهذا بالتزييف حول مسيرة الرباط إنما تجاوز ذلك برصد أخبار خالية من الصحة حول مسيرة البيضاء إذ صرحت المنابر الإعلامية بمشاركة 4500 فرد في هذه المسيرة بينما كان هناك آلاف المواطنين الذين لا تحصى أعدادهم و لا تعد . كما غفلت هذه المنابر الإعلامية عن بعض التطورات التي شهدتها هذه المسيرة و التي تتمثل في قيام العديد من المشاركين باعتصام مفتوح لمدة 24 ساعة لتصعيد احتجاجاتها و الضغط على الأجهزة الحاكمة لتلبية مطالبها التي لم يكتب لها الخروج إلى أرض الواقع لحد الآن,و قبل قرابة ثماني ساعات من انتهاء المدة الزمنية لهذا الإعتصام قامت القوات العمومية بفض هذا الأخير بالقوة و بطرق همجية لم تزد المحتجين إلا إصرارا على الصمود أمام هذا الإستبداد و الظلم اللذان يمارسان على المواطنين بصفة عامة عن طريق عدة مظاهر كالفساد و الزبونية و المحسوبية . فكل هذه الوسائل المبيتة التي يستخدمها إعلامنا ما هي إلا جزء صغير من مساحة شاسعة تكتنفها المغالطة و خدمة المصالح الخاصة ,وبالتالي فيمكن القول بأن إعلامنا الوطني أضحى منفذا لكل التعليمات المنبثقة من قمم الهرم و التي تهدف إلى حماية صورتها رغم أن المواطن وصل إلى مرحلة النضج التي تخول له استيعاب كل ما يقع من حوله و التفريق بين الصالح و الطالح,فإذا أردنا أن نبني لبنات الديمقراطية فعلينا أولا أن نباشر بإصلاح المجال الإعلامي الذي تضاهي أهميته الإصلاح السياسي لأنه يعتبر المقياس الذي وصلت إليه الديمقراطية في بلادنا ,فإذا كان إعلامنا إعلاما خاليا من كل المظاهر السوداء و التي تكمن في التمييع و التزييف فيمكن القول أننا نسير في الإتجاه الديمقراطي و نبتعد عن كل ما من شأنه أن يؤدي بنا إلى مسلك الإرتجالية و الهواية,أما إذا كان العكس فمن المؤكد أننا سنظل في غياهب الفساد و لن نصل للإصلاح الشامل الذي يبدأ من المجال الإعلامي و ينتهي من المجال السياسي و بالتالي لن نقطع الصلة بكل تلك المراحل التي تذكرنا بالشلل الديمقراطي الذي سبق و أن عاشه بلادنا,لكن للأسف فإعلامنا خاضع للتبعية التي تلتصق به منذ نشوءه,فإذا شاهدنا مقتطفا من نشرات الأخبار التي تؤتث قنواتنا فسنلاحظ حتما أن المستجدات التي تأتي بها هذه النشرات لا تخضع للمموضوعية و الصدفة بل إنها مدروسة لكي لا تمس من قيمة النظام الحاكم الذي يملي على الإعلام طبيعة الأخبار التي يجب أن تذيعها ليتحول هذا الأخير إلى خادم مأمور بدل أن يكون مساهما في تلطيف المناخ من شوائب الفساد و غيرها من المظاهر التي لا تهدم إلا حلم الوصول إلى الديمقراطية الحقة التي لا تعترف بأي كيان يمكنه أن يلوث صفاءها. إثر خروجي إلى الشارع شأني شأن أغلب المواطنين الذين اتخذوه كمكان ليعبروا عن مطالبهم اكتشفت مجموعة من الأشياء التي يعاني منها الأفراد و التي تؤرق المواطن المغربي و التي عبروا عنها عن طريق مجموعة من اللافتات و التي تفيد بضرورة إلغاء مهرجان موازين و إسقاط الحكومة و حل البرلمان بالإضافة إلى مجموعة من المطالب الأخرى التي أتتث فضاء هذه المسيرات,لكن عند مشاهدتي لتغطية قنواتنا لهذه المسيرات لمست أنها جد سطحية و قصيرة المدة بحيث أنها تكتفي بذكر مكان المسيرة و ذكر بعض المطالب و الإغفال عن أخرى والتي تكتسي أهمية كبرى كإلغاء مهرجان موازين,فلم أشاهد قط خبرا يترجم رغبة المغاربة في إلغاء هذا المهرجان لكن بعدها أدركت السبب إذ أن هذه القنوات تعد مساند هذا المهرجان المتجاهل لشعور و رغبة المغاربة الذين ما فتئوا يعبرون عن سخطهم اللامحدود لتنظيم هذا المهرجان الذي لا يساهم إلا في انتشار المزيد من الجدل و بالتالي فلن تتغير أوضاعنا نحو الأفضل إذا لم يساير الإعلام العمومي هذه التطورات. [email protected] rafikayoub.blogspot.com