حينما تقرأ مقالة سعد الدين إبراهيم، المفكر المصري ومدير مركز ابن خلدون بالقاهرة، بجريدة التحرير المصرية يتاريخ الجمعة 25 يناير 2013 تحت عنوان “القُبلة التى كادت تودى بحياة مئة راكب بسبب متشددين مغاربة”، وتعلم أنه كان يقصد السيد عبد العزيز أفتاتي، وهو يتزعم وفدا من حزبه للمطالبة بتوقيف عرض فيلم "الرجل العنكبوت" من لدن شركة مصر للطيران، على رحلتها رقم (847) المتجهة من القاهرة إلى الدارالبيضاء، بسبب قبلة في بداية الفيلم، تتذكر من دون شك، إن كنت من المتتبعين، سلسلة مقالاتي “ هل صحيح أن عبد العزيز أفتاتي مختل عقليا؟”، وتبدأ في التفكير جديا في الحالة النفسية لهذا الرجل، الذي شغل الإعلام بالقيل والقال وكثرة المقال، بدون فائدة ترجى أو منفعة تُرام. وليس هذا فحسب، بل دار نقاش آخر بين السيد أفتاتي ومضيف الطائرة، فسأل الأول عن مادة في الدستور المصري تمنع تأسيس أكثر من نقابة في أي قطاع، فرد عليه المضيف المصري أنه ضد الدستور وضد مرسي، وأن الدستور الحالي هو دستور خيرت الشاطر، وكان رد أفتاتي “اذهب إلى الجحيم أنت والدستور ومرسي والشاطر”، الأغرب من هذا، أن يكون مصدر الخبر هذه المرة ليس أعداء أفتاتي الذين يحاولون النيل منه بكل الوسائل، بل هو السيد أفتاتي نفسه، حسب ما صرح به لجريدة أخبار اليوم، وكأنه يحكي عن بطولات الدونكيشود وهو يصارع طواحين الهواء. لقد جاء في الأثر: “إذا ابتليتم فاستتروا”، فلماذا لا يستتر هذا الرجل عما يفعله من موبقات لا يستسيغها عقل أو خلق أو شرع؟ هل هي شفافية بدون حدود؟ أم أنه لا يعرف هذا الأثر؟ أم أنه غير مؤهل أصلا ليفرق بين ما ينفعه وما يضره؟ حينما لم يقترح السيد بنكيران عبد العزيز أفتاتي من بين أعضاء الأمانة العامة للحزب، سألته الصحافة عما إذا كان السبب من وراء ذلك هو محاولة التخلص من جناح الصقور داخل الحزب، فأجاب السيد بنكيران وهو يستشيط غضبا بأنه "ليس هناك لا جناح الصقور ولا جناح الزرازير". ما أثقب العين التي رأى بها السيد بنكيران مصير المدعو عبد العزيز أفتاتي، وما أجمل الكلمات التي استعملها في التعبير عن تصنيفات لا وجود لها على أرض الواقع، فحزب العدالة والتنمية حزب في غاية الانسجام، وليس فيه إلا جناح واحد، جناح السيد بنكيران. لسوء حظ السيد أفتاتي، فقد كان على متن الرحلة رقم (847) عادل عمر الشريف، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، وعدد من رجال القانون ونشطاء المجتمع المدنى المصريين والفلسطينيين والأردنيين، مما جعل صورة المغاربة في نظر هؤلاء تمس في الصميم، رغم أننا نحن أيضا نتبرأ من أفتاتي وصحبه براءة الذئب من دم يوسف. لقد كانت شطحات السيد أفتاتي تُنتج في المغرب وتستهلك في المغرب، وكنا رغم اختلافنا مع هذا النوع من الناس، الذين يفعلون ما لا يقولون، ويقولون ما لا يعلمون، نرجو ألا يقف على موبقاتهم غير المغاربة، أما وقد تم تدويل هذه الشطحات على المستوى الدولي، حتى صرنا نكتا وطرائق عند خاصة القوم وعامتهم، فقد بلغ الأمر مبلغه، مما يستوجب علينا أن نقف وقفة رجل واحد، لنتصدى للحمق الذي، إن سكتنا عنه، يوشك أن يُلصق بالمغاربة قاطبة. حينما تجد أن السيد أفتاتي يرغد ويزبد على علو عشرة أميال عن سطح الأرض، ليوقف عرض فيلم يتضمن مشهدا فيه قبلة عابرة، ويحاول أن يفرض رأيه بالقوة على أربعة أخماس عدد الراكبين، وجلهم أناس مفكرون ومثقفون على المستوى العالمي، تتوهم أن السيد أفتاتي وأصحابه قد أكملوا مهمة النهي عن المنكر على سطح الأرض، وأن المغنية "جيسي جي" قد اعتلت المنصة وهي ترتدي النقاب، وأن مهرجان موازين لم يُصرف فيه غير دراهم معدودات، وأن الحكومة الإسلامية قد وفت بوعودها مع المعطلين، وأنها صرعت العفاريت، وأرْدت التماسيح، وحشرت الفساد في زاوية ضيقة، وأن التطبيع وحجم المبادلات الاقتصادية مع إسرائيل قد نقص، وأن الحزب الإسلامي لم يستدع أي صهيوني ليبارك مؤتمره الوطني، وأن الرخاء قد عم، والعفاف قد طم، وخصوصا على قنواتنا التلفزية، وأن تشريعات الإسلام قد ملأت البلاد طولا وعرضا، وأن الشعب راض تمام الرضا، وأنه لم يندم أبدا على أنه صوت للإسلاميين في يوم من الأيام. ما جعلني أكتب هذا المقال ليس ما سبق، بل تصريح أفتاتي في لقاء مع أشبال حزب العدالة والتنمية بفاس، الأحد 9 يونيو، ماسماها ب "جهات"، مسؤولية ترويج مرضه النفسي.وقال أفتاتي إن "كلام شباط بخصوص كوني مريض نفسيا وأنني أتلقى علاجا نفسيا بإحدى المصحات الخاصة بالمغرب، هذا ليس كلام شباط، بل هو كلام الجهات إياها، التي تمسك بأكثر من خيط المغرب، فهي من كلفت شباط بترويج مرضي النفسي،على نطاق واسع، على الرغم من أنني لم أضع قط رجلي في أية عيادة نفسية". وأضاف أفتاتي، وفق مانشرته يومية "أخبار اليوم" في عددها ليوم الأربعاء 12 يونيو 2013، " إن الهدف من ترويج إشاعة جنوني، هو أن الجهات إياها التي تقف وراء شباط، تخطط لأمر ما، حتى إذا وجدتموني يوما مرميا من نافذة أو من علو ما، سيقولون حينها بأنني مجنون ومريض نفسيا، وأنني أقدمت على ذلك، نتيجة جنوني برمي نفسي أو الانتحار، كما يفعل عادة المجانين والمختلون عقليا". ما من مؤمن نزيه وعاقل، حتى ولو كان من حزب العدالة والتنمية، إلا ويعلم أن هذا التصريح يحمل في طياته العجب العجاب، وأنه لا يمكن أن يصدر عن شخص ليست له مشاكل نفسية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، أي نوع من الأمراض النفسية يعاني منها السيد أفتاتي؟ هل هو رِهاب الأماكن العالية، بما أن نوبة هستيرية قد أصابته وهو على متن الطائرة المصرية، وكذا تصريحه الأخير لجريدة "أخبار اليوم" حيث خشي أن ترميه "الجهات المعلومة" من النافذة أو من مكان عال؟ أم هو انفصام الشخصية، بما أنه يقف الموقف ثم يقف على نقيضه في نفس اليوم دون أن يشعر بذلك، كما فعل مع السيد مزوار، وزير المالية السابق، في قضية الاختلاس؟ أم أنه مرض البرانويا، حيث إنه يعتقد دوما أن هناك من يراقبه ويتتبعه ويضمر له السوء، حتى إذا زار طبيب الأسنان، خشي أن يَزرع في أحد أضراسه مرسلا صوتيا لكي تتجسس عليه "الجهات المعلومة".؟ إن السيد أفتاتي مازال يعيش في الأزمنة الغابرة، ولم يع بعد، أن زمن البصري قد ولى من غير رجعة، وأن الربيع العربي قد أسقط رؤساء دول وما زال لم يرس على بر، وأن حزبه اليوم يترأس الحكومة، وصاحبه الذي كان بالأمس القريب يستدعيه "شيخ الحومة" ليستفسره عن جلساته، صار اليوم هو من يستدعي وزير الداخلية، لهذا ترى السيد أفتاتي يتحدث حديثا أخرقا لا يفهمه أحد.
أنا لستُ طبيبا نفسيا، وإذا كان أفتاتي لم يضع قط "رجله في عيادة نفسية " فقد آن الأوان لكي يفعل، هذا أسلم له وأسلم لحزبه، وأنصحه، شخصيا، بزيارة المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس للصحة النفسية والأمراض العقلية، بشارع علال الفاسي بحي لازاري، الذي سيتم تدشينه من طرف جلالة الملك في زيارته المرتقبة لمدينة وجدة، ولا يخشى من ضياع وكالة اللائحة في البرلمان، فالتداوي سنة من سنن الرسول الكريم، ومن شروط تزعم لوائح الانتخابات في الحزب الإسلامي اتباع السنة.