منذ اندلاع مشكل قضية وحدتنا الترابية المفتعل وضعت الحكومات المتعاقبة كل ما لديها من بيض في سلة حليف خدعت النفس والشعب بتسميته حليفا استراتيجيا، وضحت بالكثير من أجل استمالة نوابه بالكونغرس عساها تظفر بتشكيل لوبي يدافع عن القضية داخل الولاياتالمتحدة وخارجها، دون أن تدرك أن الجار غريم أرعن مستعد كل الاستعداد لبيع البلد بالكامل من أجل أن يبقى المشكل مطروحا، لا تهمه مصلحة الشعب، ولا هدر أمواله وتقديمها بالعملة الصعبة رشوة للوبي الفتن الذي لا يعترف إلا بمن يدفع، ويتنكر لوعوده كلما اقتضت مصلحته الشخصية الضيقة ذلك. التاريخ يقدم لمن يملك ذرة عقل دروسا وعبرا شافية عن نفسية الأمريكي الأجلف الغليظ الكبد الذي انفض وتخلى عمن اعتبروه لفرط جهلهم حليفا خاصا، وخاصموا شعوبهم من أجله، لأنهم رأوا فيه صمام أمانهم وعاصمهم من غضبها وتمردها، لكن بمجرد ما دقت ساعة حقيقتهم نفض يده منهم، وكما لم تبك عليهم السماء والأرض ، لم يكلف هو كذلك نفسه عناء ذرف دمعة حزن واحدة على افتقادهم، وشيعهم كما شعوبهم باللعنات، لأنه لا يعرف إلا لغة المصالح، وحليفه الحقيقي هو الكرسي، لا من يتربع عليه، لذلك يمنح كيانه للحي الذي لايموت**الكرسي**، ولا يرهنه بمن سيموت ماديا أو معنويا في يوم من الأيام. لقد رأينا كيف ضحى الرئيس المصري الراحل أنور السادات بكل روابطه وعلاقاته بالعرب من أجل زرقة عيون الأمريكي ظنا منه أنه مخلصه من عذاب المقاطعة العربية، ثم كيف تخلص منه هذا الذي رأى فيه عاصمه من نقمة الناس حينما رأى فيه عقبة أمام اتساع نطاق التطبيع مع الكيان الصهيوني، إذ ضحى بالشخص من أن أن تحيا الفكرة التي هي رهانه الأول والأخير، وقد رأينا كيف نجحت الخطة وذهبت *الحظيرة* لا هثة وراء سراب التطبيع بعدما زال الحاجز النفسي بالاغتيال المدبر لحامل اللواء/ الأداة. فالمارد الأمريكي يرفع درجات من يشاء، ويذل من يشاء في اللحظة، وبالطريقة التي يشاء اعتمادا على معيار البقاء للأنفع، وفق حربائية دفعت الشاعر أحمد مطر إلى القول: في الكون مخلوقان إنس وأمريكان. لقد آن الأوان بعد الرجة التي أحدثتها الولاياتالمتحدةالأمريكية بمشروع قرارها أن يراجع ساستنا طريقة تدبير مشكل الصحراء، وأن يمحوا من أذهانهم، وإلى الأبد، فكرة الاعتماد الكلي على ما يسمونه *حكمة الأمريكي وإخلاصه للمغرب وقضاياه*، فهذا المقصود المهروع إليه لا يوزع الدعم والمساندة مجانا، بل تلك سلعة غالية جدا، قد ندفع ثمنها دون أن نتسلمها، إذا دفع *الزبون الآخر* أكثر، وحتى إذا سلمنا إياها فلابد أن يكون دون تسليمها خسائر مادية ومعنوية فادحة، يؤدي فاتورتها الشعب المسكين المغلوب على أمره، ويؤدي ثمنها كذلك القرار الرسمي الذي لابد أن يثقل كاهله دينها، فلا يستطيع أن يرنو إلى أعلى، ويستمر مطأطئا رأسه منحنيا. أرجو صادقا ألا نفقد ذاكرتنا في تعاملنا مع "البقال الأمريكي"، كما حدث لبقرة أحمد مطر في تعاملها مع تاجر اللبن :
حَلَبَ البقّالُ ضرعَ البقَرةْ ملأ السَطْلَ .. وأعطاها الثّمنْ قبّلتْ ما في يديها شاكِرهْ لم تكُنْ قدْ أكلَتْ منذُ زَمنْ قصَدَتْ دُكّانَهُ مدّتْ يديها بالذي كانَ لديها