مثّل قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال (برلمان الحزب) المشارك في حكومة العدالة والتنمية التي يرأسها عبد الإله بن كيران، والقاضي بالانسحاب من الائتلاف الحكومي الحالي، مادة دسمة للمحللين والسياسيين لاعتباره سابقة في تاريخ الحكومات المغربية، ولكونه قرار قد يضع حكومة الإسلاميين في مأزق حقيقي بإفقادها غالبيتها. واختلفت تقديرات محللين سياسيين ومختصين في القانون الدستوري تحدثوا ل"إيلاف" حول تداعيات الخطوة "الاستقلالية" بين القول بأن المنطق السياسي لا يسمح بإدخال المغرب في أزمة سياسية أخرى تزيد من أزماته المتعددة، ورأي آخر يعتبر أن المغرب أمام احتمالات سياسية ودستورية خيطها الرابط شمولية الأحداث التي قد تدفع في اتجاهات غير متنبأ بها من قبيل حكومة وحدة وطنية.
انسحاب مؤقت
يرى الباحث في العلوم السياسية بجامعة الدارالبيضاء ميلود بلقاضي أن حزب الاستقلال لم ينسحب لحد الآن من الحكومة الحالية كون وزراءه لا زالوا يمارسون عملهم بشكل عادي.
أوضح الباحث أن من أسباب هذا الوضع كون قرار الانسحاب أتى من المجلس الوطني للحزب الذي أحال القرار على اللجنة التنفيذية (المكتب السياسي) التي ربطت بدورها الانسحاب بالفصل 42 من الدستور، وهو ما يعني أنه انسحاب مؤقت أو مشروط في انتظار التحكيم الملكي.
ويشير الفصل 42 من الدستور المغربي إلى أن الملك هو رئيس الدولة والممثل الأسمى للدولة، والحكم الأسمى بين المؤسسات.
أضاف بلقاضي: "أعتقد أن رجوع حزب الاستقلال إلى الفصل 42 من الدستور يؤكد مسألة أخرى متعلقة بمدى إرادة الحزب الخروج من الحكومة، فلو كان هذا الحزب يريد أن ينسحب بصفة قطعية ونهائية، لقبل قرار المجلس الوطني دون العودة إلى الفصل 42، بمعنى ان الحزب وضع قدما في الانسحاب وأخرى في الحكومة". وأكد أن حزب الاستقلال لن يخرج من الحكومة "مهما كانت الظروف".
وكان عبد الحميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال قد وجه في وقت سابق مذكرتين إلى رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران ينتقد فيهما منهجية تدبيره للعمل الحكومي وبعدم احترامه لمبدأ التشاور مع شركائه في الغالبية.
ويرى بلقاضي أنّ المنطق السياسي "لا يسمح بتاتا بإدخال المغرب في أزمة سياسية أخرى تزيد من أزماته المتعددة، بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية التي يعرفها"، معتبرا أن ورقة الانسحاب وربطها بالفصل 42 من الدستور "منحت لشباط شرعية تقديم شكوى للملك ضد بن كيران."
نصف هزيمة ونصف انتصار
يترقب المهتمون أن يتدخل الملك من خلال التحكيم وفقا لروح الفصل 42 من الدستور، عبر الاستماع إلى حميد شباط وعبد الإله بن كيران لأجل الحسم في الخلاف بين الرجلين. واستغرب الباحث بلقاضي دواعي صمت بنكيران في هذا الوقت بالذات، قبل أن يخلص إلى أن كلا من شباط وبن كيران "سيخرجان بنصف الهزيمة وبنصف الانتصار".
أضاف: "سيبقى شباط في الحكومة، ليس خوفا من بنكيران ولا يعني هذا تراجعا عن قرار الانسحاب ولكن يعني احتراما للتحكيم الملكي، وبدوره، سيقبل بنكيران بقاء شباط في الحكومة ليس خوفا منه أو من قرار انسحابه، ولكن أيضا احتراما للتحكيم الملكي."
حراك ديمقراطي
من جهة أخرى، يرى الباحث في القانون الدستوري المرزوقي بن يونس أن قرار حزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة يطرح إشكالات عديدة كسابقة في المشهد الحزبي ، وكتأثيرات ومحك للحياة السياسية والحياة الدستورية.
وقال المرزوقي ل"إيلاف": "من الجانب العام، أعتبر قرار الانسحاب مسألة إيجابية جدا، لأن في المغرب، ولسنين طويلة، كان الحديث دائما عن الخصوصيات والاستثناء، بما تحمله من إيحاءات تنتقص من العملية الديمقراطية التي تعد وسيلة سلمية لفض النزاعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحزبية، مع أنها لا تمنع من إمكانية حدوث أزمات."
ورأى في استتباعات العملية الديمقراطية من احتمالات، مسألة إيجابية تخرج المغرب من مرتبة الديمقراطيات الاستثنائية إلى مصاف الدول الديمقراطية العادية على غرار الدول الغربية.
تأثيرات سياسية
على المستوى السياسي، لاحظ الباحث كيف أن كل المغربيين مهتمون بما سيترتب عن هذا الانسحاب من موقف لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الغالبية الحكومية.
وأكد على أن إمكانيات المناورة المتاحة للعدالة والتنمية ضعيفة جدا ما يعني أنه لا بد من البحث عن حل وسط مع حزب الاستقلال إذا أريد للتجربة الحكومية أن تستمر.
يقتضي الحصول على الغالبية العددية وجود غالبية مطلقة (حوالي 198 من أصل 395 هي مجموع عدد مقاعد مجلس النواب المغربي)، والعدد لن يكفي حتى ولو أضيف حزب الاتحاد الدستوري (23 مقعدا وغير مشارك في الائتلاف الحالي) والمجموعات النيابية الصغرى.
واعتبر المختص في القانون الدستوري أن الحاجة ستكون ملحة لحزب كبير. من قبيل التجمع الوطني للأحرار (معارضة 52 مقعدا)، أو حزب الأصالة والمعاصرة (معارضة،47 مقعدا)، إلا أنه استبعدها للخلافات الحاصلة بين هذين الحزبين وحزب العدالة والتنمية.
سيناريو حكومة وحدة وطنية
حول السيناريوهات المحتملة للوضع الذي توجد عليه حكومة بن كيران الآن، يكشف المختص في القانون الدستوري المرزوقي بن يونس عن ثلاث مبادرات يمكن أن تأتي من ثلاث جهات.
وقال: "يمكن أن تأتي من رئيس الحكومة عن طريق العمل على حل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة، وهذه أيضا مسألة فيها نوع من الصعوبات نظرا للظرفية التي يمر منها المغرب، أو أن تأتي من الملك الذي يمتلك بدوره صلاحيات حل، ليس مجلس النواب فقط، ولكن أيضا حل البرلمان بأكمله، وستكون فرصة، ليس لتجميد مجلس النواب، ولكن أيضا لتجديد مجلس المستشارين في الصيغة الجديدة، كما أنها قد تأتي من البرلمان سواء عبر ضغط مجلس المستشارين بملتمس المساءلة حتى وإن كان لا يؤدي إلى إقالة الحكومة، ولكن إلى المزيد من الضغط عليها وتوقيف وتيرة عملها، أو، وهذا هو المهم جدا، أن تأتي المبادرة من مجلس النواب عن طريق ملتمس رقابة من المعارضة إما مدعوما من حزب الاستقلال وهذا سيؤدي، بصفة أكيدة، إلى إسقاط الحكومة، وإما بدون دعم حزب الاستقلال وفي هذه الحالة سيتعلق الأمر بورقة لمزيد من الضغط وربح الوقت وعرقلة سير العمل الحكومي".
ورأى الباحث خيطا رابطا يجمع بين هذه الاحتمالات السياسية والدستورية، وقال: "إن شمولية الأحداث يمكن أن تدفع في اتجاهات غير متنبأ بها من قبيل حكومة وحدة وطنية."
أضاف: "الظروف السياسية الآن تميل إلى حكومة ائتلاف وطنية، لأن قضية الوحدة الترابية تطرح أمامها تحديات كبيرة جدا، ثم إن التسريع بعملية الجهوية الموسعة تستلزم بالضرورة مساهمة كل الأحزاب في وضع هذه القوانين والمصادقة عليها والتقطيع الجهوي والانتخابات على مستوى الجماعات المحلية وعلى مستوى الجماعات والأقاليم وعلى مستوى الغرف المهنية ثم تجديد المجالس الجهوية في صيغتها الجديدة وتجديد مجلس المستشارين، هذه الامور كلها يمكن أن تدفع في اتجاه حكومة وحدة وطنية ولو بتمثيلية رمزية لأحزاب المعارضة على الأقل". يحيى بن طاهر