في مختلف الأنظمة و الكيانات السياسية تلعب الأحزاب دورا مهما في تنمية البلاد إما عن طريق ولوجها للجهاز الحكومي و تسييرها للشأن المحلي أو باكتفاءها بدور المعارضة و مراقبتها للأجهزة الحاكمة و التي تسهر على الشؤون الداخلية,و من المتعارف عليه أن الأحزاب السياسية ما هي إلا جزء صغير من منظومة سياسية شاسعة تتخللها جمعيات المجتمع المدني التي لها دور فعال في تشجيع الشباب للإنخراط في العمل الجمعوي بالإضافة إلى الهيئات والمنظمات غير الحكومية التي تطلع الحكومة عن شواغل المواطنين و تعمل بمثابة آليات الإنذار المبكر فضلا عن مساعدتها في رصد و تنفيذ الإتفاقيات الدولية,لكن رغم هذه المنظومة السياسية الواسعة إلا أن هذا لا يمنع من اعتبار الأحزاب كيان لا غنى عنه لتطور البلاد و سلكه المسار الصحيح,بيد أن هذه الأدوار المهمة التي تقوم بها الأحزاب تنحصر فقط على الدول المتقدمة و التي قطعت أشواطا كبيرة في الإتجاه الديمقراطي,أما على مستوى بلدنا المغرب فقد حاولت أن أتذكر أي إنجاز مشهود به دٌون من طرف حزب سياسي غير أنني لم أتذكر أو بالأحرى لم أجد غير المساهمة الوازنة التي قام بها حزب الإستقلال في بناء لبنات القضاء على المستعمر الفرنسي ,وهذا ما يبرز لنا مدى تقاعس الأحزاب المغربية عن انخراطها الجدي في تطوير العمل السياسي الذي مازال و للأسف ينقصه الكثير ليكون في مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال,فمن العيب بمكان أن يتوفر المغرب على قرابة 36 حزبا و هو لا زال يشتكي من عزوف الشباب عن العمل السياسي و عن فقدان ثقة المواطن في الأحزاب التي تعد و لا تفي,فإذا لعب كل حزب من هذه الأحزاب الدور المنوط به فبدون ريب سنكون عندها بلدا رائدا في العمل السياسي و مثالا يحتدى به من طر ف جميع الدول الأجنبية,لكن للأسف فرغم هذا الكم الهائل من الأحزاب إلا أن كيفية اشتغالها تبقى مقيدة بكثير من الإرتجالية و الهواية,و لا يخفى عنكم وجود لوبيات تؤسس أحزابا لأغراض شخصية تتمثل في الوصول إلى كراسي الحكم متجاهلين في الوقت ذاته احتياجات المواطنين الذي من حقه أن يعتبر الحزب السياسي هو ذلك الموجه الذي ينير له العمل السياسي بالطريقة الأمثل,هو ذلك المدافع عن مصالح المواطنين و حقوقهم التي تغتصب من طرف مفسدي البلاد الذين يعرقلون سيرها في اتجاه المسار الديمقراطي ,هو ذلك المراقب الصارم لعمل الأجهزة الحاكمة و لفت انتباهها للهفوات و الأخطاء التي تقوم بها و التي لا تخدم الصالح العام,هو ذلك الداعم لكل مواقف بلاده الخارجية و في مقدمتها القضايا التي تتعلق بالخريطة السياسية و المحافظة على أجزاء التراب الوطني الذي يعبر عن الهوية و التاريخ العريق للمواطن المغربي,فكل هذه الخصائص يجب أن تتوفر في الأحزاب السياسية الفعالة و التي تزاول عملها بضمير و تؤدي مهمتها على أكمل وجه,فليس المهم أو الأصعب هو تكوين حزب سياسي و تخصيص مقر له بل إن هناك خطوات أهم من هذه التي يتخللها التأسيس و تشكيل الأمانة العامة للحزب و التي تتمثل في وضع برنامج معقول يستطيع الحزب تنفيذه و العمل على تأطير الشباب و تشجيع الشباب على ممارسة العمل السياسي الذي وللأسف لايزال يعاني من الكثير من الدخلاء الذين عكروا صفو الساحة السياسية التي لطالما عانت منهم و من أساليبهم المبيتة و غير المشروعة. و من الممارسات التي تتكرر بصفة مملة من طرف الأحزاب و التي نلمسها بشكل واضح هو ذلك الحضور الموسمي للأحزاب في العمل السياسي إذ أن ظهورها يبقى حبيس فترات محددة والتي تبرز إبان الإنتخابات بحيث أن هذه الأخيرة تعتبر بمثابة ذلك الإشهار الذي يلمع من صورتها عن طريق برامجها المتقنة و وعودها الكاذبة إذ أن كل من يتصفح تلك البرامج يحسب أن المغرب لن يصنف في مصاف دول العالم الثالث بعد هذه الإنتخابات معلقا في ذلك آملا كبيرا على وعود هذه الأحزاب,و إذا تحدثنا عن العزوف الرهيب عن التصويت في الإنتخابات فسيتضح لنا حتما أن ما يفسر هذا العزوف عن التصويت هو فقدان الثقة بشكل كلي في الأحزاب السياسية بحيث أن المواطن لا يجد ولو حزب واحد مختلف عن نظرائه الأخرين ,إذ أن خطاباتهم تتشابه إن لم نقل تتطابق بشكل كبير مما لا يتيح الفرصة للمواطن للإختيار,و بالتالي فهذا المعطى يعتبر من بين العوامل التي تقف وراء الأرقام المخيفة التي تتداولها وسائل الإعلام و التي تخص نسب المشاركة في الإنتخابات رغم التعتيم الكبير الذي يُمارس,فإذا كانت الأحزاب تناقش كيفية الإصلاح السياسي في المغرب فعليها أولا أن تتخلى عن ممارساتها التي لا تساهم إلا في تلويث المناخ السياسي ,فمن وجهة نظري أرى أن الأحزاب لا تلعب أي دور يذكر في المسار الديمقراطي فحتى هذه المرحلة الإنتقالية التي يعرفها بلدنها فهي جاءت نتيجة تنظيمات و هيئات شبابية مدعمة من بعض الجهات التي لم تعطى لها الفرصة في الإفصاح عن آرائها و تصوراتها و اعتقاداتها,و لهذا فمن الحتمي مباشرة إصلاح سياسي يشمل الأحزاب و ذلك بإرغامها على مراجعة أوراقها و النظر في سياساتها التي تؤدي بالمواطن إلى النفور عن الحقل السياسي ,وجمعيات المجتمع المدني عن طريق حثها على تأطير الشباب و إدماجه في العمل الجمعوي ,بالإضافة إلى الحكومةالتي تتحمل هي الأخرى جزءا من المسؤولية بوجود لوبيات داخلها لا تتطلع إلى خدمة المصلحة العامة و الدفاع عن حقوق المواطنين البسطاء الذين يضعون ثقة جسيمة على عاتق هؤلاء المسؤولين. rafikayoub.blogspot.com [email protected]