أثار انتباهي مقال بإحدى الصحف الإلكترونية يصف عمل المرأة بأنه مصيبة، والأكثر إثارة أن الكاتب من جنس النساء، أما الغريب فعلا فإنها هي نفسها تشتغل مقابل أجر. قال الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) الصف : 2 ، 3 ومن الحكم التي جاءت على لسان أحد شعراء اللغة العربية قوله: لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم أما من الأحاديث النبوية الشريفة فقوله صلى الله عيه وسلم: من دعا الناس إلى قول أو عمل ولم يعمل هو به لم يزل في ظل سخط الله حتى يكف أو يعمل ما قال أو دعا إليه). ) إن قلما برصيد لغوي مهم ببلد في طور النمو لو تم تسخيره لخدمة البلد والدعوة إلى محاربة الفساد السياسي والإداري والاقتصادي والاجتماعي الذي ينخر كيانه لكان رحمة به و بشبابه بدل الدعوة إلى تعطيل نصف المجتمع وما يترتب عن ذلك من سلبيات تزيد من إرهاق جسده العليل وتصرف النظر عن القضايا الأهم اللهم إلا أذا استثنينا هدف مبدأ "خالف تُعرف". تحيتي إلى كل سيدة تستيقظ مع خيوط الفجر الأولى في القرى والمداشر النائية كي تلتحق بالحقول فتحرث وتحصد وتحطب وترعى وتجلب الماء لا تحني قامتها الشامخة أية رياح. تحيتي إلى كل فتاة تقضي سحابة يومها منهمكة في شغل منهك داخل المعامل مقابل أجر زهيد لكنه يسد رمقها ويساعد أسرتها ويكفيها ذل السؤال. تحية إلى الطبيبة التي أفنت زهرة شبابها في الدرس والتحصيل فامتدت يدها رحيمة تمسح الآلام وتزرع البسمة. تحية إلى المعلمة التي تلقن الأبجديات تربي الأجيال وتزرع الفضيلة. تحيتي إلى كل نساء المغرب العفيفات الشريفات المكافحات. إن الأمثلة لتطول سيداتي عن نساء ساهمن في صنع مجد أسلافنا لكن يكفيني فخرا أن أقول بأن أول امرأة آمنت بالنبوة وكانت سندا وعونا لسيد الخلق صلى الله عيه وسلم فيما دعا إليه، خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها كانت من أشهر تجار قريش ولم يأنف صاحب الرسالة من الاشتغال لها بل والزواج منها وإنجاب كل أبنائه منها عدا ابراهيم. أما عائشة فقد ألقت الدروس وروت الحديث وتمت كثير من الاجتماعات لتقرير مصير المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عيه وسلم منها الصائب ومنها الخائب في بيتها. واليوم وبعد أن طُوِيت قرون على أول إشعاع إسلامي فإن ركائزه لم تتغير، فالدين عبادة وعمل، وعمل المرأة لم تُحرّمه شريعتنا في أيٍّ من نصوصها سواء القرآنية أو الحديثية، بل كان من أركان إيمانها "الإيمان بالقدر خيره وشره"، وإن لمن شرور القدر أن يغيب معيل المرأة الخامل بمرض أو موت أو طلاق... فتجد نفسها فجأة في مواجهة مصاعب الحياة، أليس الأجدى بهذه المرأة أن تتحصن ضد نوائب الدهر بعمل شريف من أن تلجأ في فترة ما من مراحل عمرها إلى ذل السؤال أو بيع الجسد؟. وكما لا ننكر أن تربية الأولاد فعلا أولوية من أولويات المرأة فلا يجب أن ننكر أيضا أن كل الأعراف العالمية تحترم ذلك وتسنن له قوانين تضمن حقوق الأمومة وتجعل للطفل نصيبا من حنان أمه إلى أجل ما، والأسر المغربية لا تخلو من تكافل ولا تلغي العطف الغزير الذي تغدقه الجدات على الأحفاد، يبقى فقط على المرأة المغربية أن تجد المسلك الذي يجعلها توفق بين عملها وأسرتها ولا ترمي بكل ثقلها على الرجل لأنه هو الآخر بشرا من لحم ودم معرض للطيب والخبيث. ثم إنه ليس كل امرأة عاملة تنتج ذرية فاسدة ولا كل امرأة وهبت نفسها لبيتها فقط تنتج ذرية نجيبة صالحة بل يعتبر ذلك وقفا على التربية الصالحة للنبتة الحسنة والمحيط الاجتماعي والشارع والمدرسة والظروف الاقتصادية. كما أن المرأة ليست سببا في العطالة والبطالة التي تضرب بأطنابها في مجتمع لم توزع ثرواته بعدل ولا احتُرمت فيه آدمية البشر ولا صلُح فيه تعليم ... بل تلك مسؤولية المسؤولين. وفي الأخير لا يسعني إلا أن أقول أنه لمن المؤسف والمجحف معا أن تجد مثل هذه الدعوات الناشز من يزمر ويطبل خلفها في القرن الواحد والعشرين من أجل إعادة المرأة المغربية خلف أسوار العصور الغابرة في وقت وطأت فيه أرجل أخريات سطح القمر، أصبحن رائدات فضاء، اكتسحن كل المجالات، قدمن برآت اختراع ونهضن بمجتمعاتهن دافعات بها إلى الأمام. أيتها المرأة المغربية الشريفة، أنت نصف ثروة بلدك وطاقته، ساهمي في النهوض باقتصاده إلى جانب شقيقك الرجل، فقد يفعل زيد ما لم يستطعه عمرو.