في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي يشهدها المغرب، باتت الحاجة إلى تكوين كوادر متخصصة في العلوم السياسية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. هذا التخصص، الذي كان جزءًا من كليات القانون والاقتصاد لفترة طويلة، والذي كانت الدولة تحاربه طيلة سنوات الرصاص ، بدأ في السنوات الأخيرة يكتسب استقلالية متزايدة ويشهد اهتمامًا متزايدًا من قبل الأكاديميين والطلاب على حد سواء. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تحول دون تحقيق هذا التخصص لمراميه. في هذا السياق، يمكن النظر إلى "مسار التميز في الدراسات العليا في العلوم السياسية" بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية كنموذج يحتذى به. هذا البرنامج الأكاديمي، الذي أطلق بهدف تقديم تكوين عالي الجودة في مجال العلوم السياسية، يمثل تجربة فريدة في المغرب، حيث يسعى إلى إعداد نخبة من الباحثين والسياسيين ذوي الكفاءات العالية القادرين على تحليل وفهم تعقيدات المشهد السياسي المعاصر. ما يميز هذا المسار هو المنهج الدراسي الشامل الذي يجمع بين الدراسات النظرية والتطبيقية، مع التركيز على تحليل السياسات العامة ،الحكامة والعلاقات الدولية. بالإضافة إلى ذلك، يوفر البرنامج فرصًا مهمة للطلاب للانخراط في أبحاث علمية متقدمة، مما يعزز من قدراتهم التحليلية والنقدية. كما تعتبر اللغة الإنجليزية ضرورية للالتحاق بهذا المسار، هذا التوجه يعكس رغبة الكلية في مواكبة المستجدات الأكاديمية العالمية وتقديم تكوين يتماشى مع متطلبات العصر . ومع ذلك، لا يمكن إغفال التحديات التي تواجه هذا التخصص في المغرب. رغم نجاح مسار التميز بالمحمدية، إلا أن معظم برامج العلوم السياسية في البلاد تعاني من نقص التمويل وغياب التخصصات الدقيقة التي يحتاجها سوق العمل، على سبيل المثال، لا تزال مناهج العلوم السياسية في العديد من الجامعات المغربية تعتمد على النظريات الكلاسيكية، دون أن تواكب التحولات التكنولوجية والسياسية العالمية. بينما في الجامعات الغربية، أصبحت تخصصات مثل السياسة الرقمية والسياسات البيئية جزءًا لا يتجزأ من برامج العلوم السياسية، مما يوفر للطلاب تكوينًا شاملاً يواكب تطورات العصر . الاستفادة من التجارب الدولية في هذا المجال يمكن أن يكون لها أثر كبير على تطوير تدريس العلوم السياسية في المغرب. فالجامعات الغربية، على سبيل المثال، نجحت في تحسين برامجها من خلال شراكات أكاديمية دولية، وهو ما يُمكن أن يساهم في تحديث مناهج العلوم السياسية بالمغرب وتعزيز جودة التعليم . في المغرب، يمكن أن يكون التعاون مع الجامعات والمؤسسات البحثية الدولية أحد الحلول لتعزيز برامج العلوم السياسية. كما يمكن أن يلعب دعم البحث العلمي دورًا محوريًا في تطوير هذا التخصص، من خلال تمويل مشاريع بحثية تركز على القضايا الحيوية مثل السياسات الأمنية، والتنمية المستدامة، والديمقراطية. هذا النوع من الأبحاث ليس مهمًا فقط لتطوير التعليم الأكاديمي، بل أيضًا لمساعدة صانعي القرار في اتخاذ قرارات مستنيرة . في الختام، يمكن القول إن تدريس العلوم السياسية في المغرب يمر بمرحلة حاسمة تتطلب جهودًا كبيرة لضمان توافقه مع متطلبات العصر. وعلى الرغم من التقدم المحرز في بعض المؤسسات الأكاديمية، مثل كلية الحقوق بالمحمدية، إلا أن الطريق لا يزال طويلًا لتحقيق التميز الأكاديمي. من خلال تحديث المناهج الدراسية، وتعزيز التعاون الدولي، ودعم البحث العلمي، يمكن للمغرب أن يخطو خطوات كبيرة نحو إعداد جيل جديد من الكفاءات السياسية القادرة على مواجهة تحديات المستقبل.