أحاول جاهدا أن أتفهم غوغائية مناهضي التطبيع لعلي أعثر فيها على مبرر قد يحملني على الاقتناع بحملتهم المجنونة على العلاقات المغربية الإسرائيلية فلا أجد في ذلك ولو سندا واحدا يوحي بأن هذه الجماعات صادقة كل الصدق في الدفاع عن القضية الفلسطينية سوى أن أصحاب تلك الشعارات اعتادوا على أن يستحضروها من زمن ولى ويرددونها اليوم خالية من أي مدلول أو فعل يخدم القضية كما في راهنيتها. يشبعون الدهماء لغوا ولغطا وفي عين العاصفة لا تجد لهم أثرا. ما يحرك هذه الجماعات إن هي قومجية المنبت أو إسلامية المنشأ لا يفهم إلا في سياق واحد وهو أنها تعمل بتواطؤ مع الخارج على أجندة مناوئة للمغرب. تعارض بشراسة كل الخيارات الاستراتيجية للبلاد تحت غطاء ما يسمى عندهم بالقضية الفلسطينية كقضية وطنية. وأتحدى أيا من كان منهم بدءا بشيخهم الحاخام بنكيران ومرورا بزبانيته وأذنابه على غرار الحكواتي المقرئ أبو زيد وصولا إلى أولئك المنتحرين عرقيا والمتنكرين لأصولهم وعلى رأسهم أحمد ويحمان، اتحداهم جميعا أن يخرجوا من دائرة الشعارات وليترجموا أقوالهم إلى أفعال كي يقتنع بهم المغاربة. لقد اعترف السيد عبدالإله بنكيران أن حملتهم ليس لها أي تأثير سياسي وليس لها أي أفق، وهو ما يعني إقرار الفشل. لكنه في نفس لم تكن لديه الجرأة لكي يوضح للمغاربة سبب ذلك الإخفاق. ونحن هنا لكي نكشف ما سكت عنه السيد بنكيران بالتأكيد أولا على أن البكاء في مسرح محمد الخامس ما هو إلا مسرحية وليس بكاء حقيقيا لأن المكان فرض عليه أن يكون ممثلا وكذلك كان لكنه لم يسعفه شيطانه، وثانيا لوحظ أنه في خطابه المغشوش لم يسارع إلى إطلاق مبادرة من قبيل حملة للتبرعات ومن ريعه الخاص يلملم فيه شهريا على 70 ألف درهم لكي يكون عبرة ومحفزا لأتباعه فيما دموعه عليه أن يحتفظ بها لنفسه. واليوم تقول تلك الجبهة التي تسمي نفسها بالجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع بأنها كانت سباقة بعد أن وصل إلى علمها برسو سفينة إسرائيلية في ميناء طنجة الدولي للتزود بالوقود. وتعمدت تلك الجبهة أن تشير قي بيانها إلى أن السلطات الإسبانية رفضت استقبال تلك السفينة الإسرائيلية لكي تثير المغاربة وتنقل إليهم ما لديها من حقد وكراهية. ومن المؤكد أنه بيان تحاملي أكثر منه بيانا داعما للقضية. فالخبر على ما هو عليه مجانبا للصحة أم أنه مؤكد، فإن ذلك قد يشكل فرصة في جميع الأحوال للرد على كل من يحاول أن يتطاول على الخيارات الاستراتيجية لهذه المملكة الشريفة. وللرد على ذلك نعيد إلى الأذهان لمن أراد أن يتذكر أن السياسة الخارجية للمملكة المغربية في تعاطيها مع قضايا الشرق الأوسط جعلت من القضية الفلسطينية الوسيلة والهدف لكل التحركات الدبلوماسية المغربية. ومن يريد أن يزايد على هذه الدبلوماسية قد يجدها في الواجهة الأمامية للدفاع عن تلك القضية. فلا مجال للشيطنة ولا مجال "لتحنقيز" القردة. فالمغرب أدخل أجود الفرسان إلى حلبة السباق وأبقى الحمير خارج اللعبة ينهقون. ولا أدل على ذلك لإسكات نقيق الضفادع، وهو أن المغرب كان أشد حرصا في الاتفاق الثلاثي الموقع بين المغرب والولايات المتحدةالأمريكية ودولة إسرائيل على إدراج القضية الفلسطينية والدفاع عنها وعن قضية السلام في علاقته مع إسرائيل. وكذلك كان وما يزال. في كل البيانات التي أصدرها المغرب كان داعما للقضية وكان إلى جانب الشعب الفلسطيني رغم بعض الاستفزازات من طرف جهات فلسطينية معادية للمغرب في وحدته الترابية. ومن يحاول أن يتنكر لهذه المواقف إنما يريد أن يحجب الحقيقة ولن يتأتى له أن يحجب الشمس بالغربال. إن رست السفينة اليوم في ميناء طنجة أم لم ترسو وأتمنى أن يكون الحدث حقيقيا لأنه سيقدم للمغرب فرصة أخرى لخدمة الشعب الفلسطيني. فالعلاقة الجيدة مع إسرائيل قد يكون خراجها خيرا على ذلك الشعب الشقيق الذي ينتظر فعل الرجال لا زفيرا من هنا ولا شهيقا من هنالك. ولنا عبرة في الأمس القريب لو لم تكن تلك العلاقات على ما يرام مع إسرائيل لما كان المغرب أول من كسر الحصار البري ليوصل المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها. والبارحة فقط وصلت طائرات مغربية محملة بمساعدات طبية وبأدوات مدرسية أثارت الحمد والشكر لدى الشعب الفلسطيني والدعاء للمملكة. فماذا أوصل الغوغائيون إلى أولئك "المعذبون في الأرض" سوى أنهم يتنكرون لتلك المساعدات فيما الفلسطينيون يكثرون من الحمد والشكر لوقوف المملكة إلى جانبهم. فالسفينة فأل خير وإن غدا لناظره قريب.