"العرض الصحي بالمغرب غير متكافئ ولا يستجيب لتطلعات المواطنين" هكذا صرح ذات مرة وزير الصحة خلال إحدى مداخلاته، ويبقى وصف الوزير لطيفا ولبقا إذا ما تمت مقارنته بانطباعات المغاربة عن النظام الصحي العمومي والمراكز الاستشفائية. ودون الالتفات لأقوال المسؤولين، يكفي زيارة أي مركز صحي لنجد واقعا صادما لسان حاله يقول: الوضع ليس على ما يرام ! هذه الصورة المقلقة عن منظومتنا الصحية تزكيها التقارير الدولية، من بينها تصنيف النظام الصحي بالمغرب سنة 2023 في المرتبة 86 في لائحة تضم 167 دولة، بموقع إحصائيات على "الويب".
تقرير آخر صدر عن منظمة الصحة العالمية يشير إلى أن 51 بالمائة من الوفيات بالمغرب ناجمة عن أمراض القلب، و14 بالمائة جراء الإصابة بالسرطان، و11 بالمائة بسبب أمراض غير معدية أخرى، ناهيك عن استمرار معضلات المشاكل الصحية التي يعاني منها الأطفال منذ الولادة وسوء التغذية وارتفاع الوفيات في صفوف هذه الفئة خصوصا في العالم القروي.
لهذا لا يمكن لأحد أن ينكر مشاكل القطاع الصحي بالمغرب، والتي تنضاف لها إكراهات صعبة كالنقص الحاد في الموارد البشرية ومحدودية الإنفاق.
ولأن الصحة كنز على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، فيجب على المغاربة الانتباه أكثر للحفاظ على هذا الكنز الثمين الذي لاشيء يمكن أن يعوضه، خصوصا في ظل تحولات اجتماعية عميقة تتمثل في تغيير النظام الغذائي، فالمغاربة صغارا وكبارا صاروا يعتمدون بشكل كبير على الوجبات الغذائية خارج المنزل، سريعة التحضير، والتي يعتبرها الخبراء مضرة بشكل كبير بالصحة، بسبب عدم توازنها واحتوائها على كميات كبيرة من السكريات والأملاح، أضف إلى ذلك تسببها بتسممات غذائية بعضها يكون مميتا.
تغييرات أخرى تعرفها المناطق الحضرية كارتفاع الكثافة السكانية بالمدن، وتشارك العيش في مساحات ضيقة كالتجمعات العشوائية وشقق العمارات، والسكن الاقتصادي، على حساب المساحات الخضراء مما ينعكس على جودة الهواء وسهولة انتشار عدوى الأمراض.
معضلات صحية أخرى تفرض نفسها بقوة، وهي إدمان المغاربة على شاشات هواتفهم الذكية وما لذلك من تداعيات على جودة النوم وصحة العينين والأمراض المرتبطة بالخمول وقلة الحركة. لنضف لكل ذلك عادات سيئة أخرى كالتدخين واستهلاك المواد الكحولية والمؤثرات العقلية بأنواعها.
من جانب آخر، هناك أخطار مرتبطة بسوء استعمال المبيدات على الخضر والفواكه، الذي يحولها لقنابل صحية، ناهيك عن المواد الكيميائية التي تدخل في الصناعة الغذائية وأثبتت الدراسات خطورتها البالغة كالملونات والمواد الحافظة، واللحوم المصنعة.
فإذا جمعنا سوء التغذية و اكتساب سلوكات غير صحية وتعثر النظام الصحي فماذا ستكون النتيجة ؟!
لذلك فعبارة الوقاية خير من العلاج ينبغي أن تكون أسلوب حياة وفلسفة تربية للصغار.
وإذا كان النظام الصحي لا يرقى لتطلعات المغاربة، فعلى الأقل يجب عليهم الاعتناء برصيدهم الصحي أما الصحة النفسية فتلك إشكالية أخرى !