في الغرب ومنذ بداية وضع مسلسل التقعيد التدريجي لاسس النظام الديمقراطي وتبعا لمبدأ حماية المؤسسات ذات السيادة اولا من زحف الفساد سيتم المنع الكلي والجبري وبطرق قانونية ودستورية طريق إستعمال المال كإمتياز يسهل الوصول أو الحصول على تلك المناصب مما سيسهل أمر التحكم في دواليب صنع القرار أو التقرب منها والتأثير عليها. فوضع القوانين ودسترة الدولة ديمقراطيا وتوجيه علاقاتها بالافراد ينتج عنه جعل المواطنة والمشاركة في الانتخابات بالتصويت والترشح حقوقا مرتبطة بعدالة مؤسسات الدولة كأساس وحيد وطريق مستقيم ونزيه للوصول إلى كرسي السلطة .مما يصعب على اية آليات لا إنسانية أن تظهر التمييز بين أفراد المجتمع مثل النسب والالقاب والعرق والدين . مثل هذه القواعد الديمقراطية المثبتة جعلت من الإنسان الغربي يستريح لوجود نظام يسمح له بالمشاركة بعيدا عن رفع راية المال والعرق .أما في العالم العربي فإن المسألة الديمقراطية مازالت تفتقد للواقعية بل هي رهينة تعاريف غير دقيقة وقدمت للمواطنين كهدية وانعتاق من قبضة الشمولية .ولكن الواقع كشف زيف الادعاءات حول الدمقرطة .فقد تحولت لشعارات تردد بكل مناسبة انتخابية والسبب يعود في الأصل لعدم قدرة الدول العربية على التعاطي الواضح مع الديمقراطية .والدول التي اختارت السير في الاتجاه الديمقراطي لم تصل للمستوى الغربي وذلك لعوامل عديدة منها ما يخص طبيعة النظم التي أرادت بناء ديمقراطية على مقاساتها .ومنها أنظمة استغلت الديمقراطية لتكريس واقع فوضوي يترك المجال مفتوحا للكل دون استثناء للمشاركة الديمقراطية .لقد سمح هذا النظام بتنشيط الاحزاب والهيئات السياسية لكنه لم يخضعها للمساءلة وترك لها الباب مفتوحا للتعبير والتطلع للمشاركة في الحكم ولكن كل ذلك كان على حساب الخطاب الديمقراطي الصحيح والحقيقي .فقد تم الترويج للجنة الديمقراطية مع انتقاء من يشارك أو يحصل على التزكية والاعتراف. ظلت الممارسة الديمقراطية في العالم العربي محصورة في أحزاب وهيئات سياسية تقليدية سمحت بتدخل المال والقبيلة .وأخضعت الديمقراطية لمقاييس جديدة لم تكن معهودة في الأصل الديمقراطي .القبيلة تتحكم في مناطق تقليدية أو ذات تجمعات قبلية .والمال استعمل في المناطق الحضرية ولتتطور العقيدة الديمقراطية الجديدة فتتوحد القبيلة مع المال والهدف الزحف نحو السلطة عبر صناديق الاقتراع . في المغرب مثلا الذي يمكن اعتباره من الدول القليلة المحسوبة على الديمقراطية ،لكنها ديمقراطية لم تكن واضحة بسبب السماح بالنفود المالي والعائلي لبسط سلطتهما وتوجيه جهودهما للمزيد من التحكم والمشاركة .لقد شكل المال أحزابا لصالحه تدافع عن مصالحه كما تمكن الراسمال من إخضاع هيئات كانت إلى وقت قريب محسوبة على الاحزاب ذات التوجهات المؤدلجة. وكلما زحف المال انحصرت الايديولوجيا .أما المثقف فقد وجد نفسه إما الانصهار مع التوجه الجديد / القديم بالياته ومفاهيمه وإما البقاء تحت عباءة التطلع للمستقبل عسى أن تحدث معجزة تمس وعي الناس . عندما نتحدث عن الديمقراطية في المغرب نذكر مثالا عن زواج المال والقبيلة للوصول إلى السلطة .فالانتخابات في الصحراء وجنوب البلاد تخضع لمنطق الولاءات .تظل القبيلة هي المتحكمة في النتائج .لكن علينا الإدراك اولا أن المطلوب من القبيلة توفير غطاء شرعي وسياسي للعشيرة أو العائلة المتحكمة .والتحكم العائلي مرتبط بالمال والسلطة. والقبيلة المعنية بالمشاركة والفوز القبلي هي تلك القبيلة الكبيرة التي تتوفر على رصيد مادي كبير .ولا يتعلق الأمر بالامتداد التاريخي أو الهوياتي. فلا يهم شرف القبيلة ولا علو مكانتها التاريخية وحتى الاعداد الوفيرة من البشر لا ترقي القبيلة للفوز بل المال والسلطة هما من الشروط التي تجعل القبيلة قريبة من السلطة أو التحكم في دواليبها . اخيرا ...في الصحراء الزواج يصب في مسيرة سطوة القبيلة على الديمقراطية وكل تخوف من عدم الفوز في الاستحقاقات " الديمقراطية " يقابله زواج قبيلة مع قبيلة، وهذا ما نسميه بالتحالفات القبلية والتي ستجعل المنطقة الجنوبية تعرف نشوء تحالفات تقليدية قوية مما سيزيد البناء الديمقراطي على المستوى الوطني ضبابية أكثر. محمد الاغظف بوية كاتب وباحث أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي.