خلال الاجتماع الذي انعقَد يوم الثلاثاء 14 يناير 2023 الذي جمع بين الحكومة و النقابات الخمس (الأكثر تمثيليّة) تمّ خلاله التوقيع على محضر إتفاق الحكومة والنقابات على مجموعة من القضايا أهمُّها، تعديل النظام الأساسي الذي كان موضوع تنظيم إضرابات الأساتذة. و الجدير بالذكر، أنه وبموجب محضر هذا الاتفاق تمَّ إقرار زيادة عامة في أجور كافة نساء ورجال التعليم بمختلف هيئاتهم ودرجاتهم، بمبلغ شهري صافٍ حُدِّد في 1.500 درهم، يُصرَف على قسطين في (فاتح يناير 2024 و فاتح يناير 2025). و ما يُثير الانتباه في محضر هذا الاتفاق، إغفاله معالجة ملفات سابِقة ، منها التنفيذ الفوري للاتفاقات السابقة: ▪︎ اتفاق 19 أبريل 2011 و ▪︎ 26 أبريل 2011، و ▪︎23 أبريل 2022 و ▪︎ 13 أبريل 2016، و ▪︎ 18 يناير 2022". أشير إلى أنّ مَحضر الاتّفاق لمْ يتطرّق إلى الزيادة في مَعاشات مُتقاعِدي رجال و نساء التربية و التّعليم، و كما يعلَم الجميع أنّ ما يُسمّى (إصلاح صناديق التقاعُد) المَزعوم قد أثَّر تأثيراً سلبيّا على الرواتب الشهريّة للمتقاعدين في القطاع، حيث ينصّ هذا القانون المشؤوم رقم 6495 مكرر إلى ما يلي: "و فيما يخص المعاشات الممنوحة تطبيقا لأحكام البند 1 من الفصل 4 أعلاه، فإن مبلغ المعاش يحدد بضرب عدد سنوات مدة الخدمة المعتمدة لتصفيته في: ~ 2 % من الأجر المرجعي بالنسبة لمدة الخدمة المنجزة قبل فاتح يناير 2017. ~ 1,5 % من الأجر المرجعي بالنسبة لمدة الخدمة المنجزة ابتداء من فاتح يناير 2017" للإشارة، فإنّ رواتب هذه الفئة من رجال و نِساء التعليم قد تقهقَرت بِشكلٍ كبير و وَصلَت الحضيض، إلى درَجة أنّها لمْ تعُدْ تُلبّي حتّى المُستلزمات الضروريّة و الأساسيّة التي تحتاج إليها أُسَر هؤلاء المُتقاعدين المُهمَّشين، الذين نسيَت أوْ تناسَت (السلطات المغربيّة) كلّ الخَدَمات الجليلة التي أَسدَوْها لِوَطنهم طيلة مُدّة عمَلِهم المُضْنِ، الذي أفنَوْا فيه حياتَهم بكُلِّ جدّيّةٍ و نُكران للذات في سبيل تنْشئة الأجيال، مُستقبَل البَلد و ركيزتِه الأساسيّة في التنميّةِ و الرُّقي و الازدهار. لَقد تمَّ تجميد رواتب المعاشات منذ سنوات عديدة، مِمّا زاد من مُعاناتِهم، فهُم يُعانون اليوم ضيق العيش و سوء الحال في ظلِّ الغلاء الفاحِش لِلمَعيشة بسبب ارتفاع أسعار جميع الموادّ الأساسية التي تحتاجُها أسَرُهم. للعلم، فإنّ مُتقاعد التربية و التعليم في المغرب كان سابِقاً يندَرج في خانة الطبقة المتوسطة في المجتمع، التي تُعتبَر صمّام أمان في جميع دول العالَم، بحيث أنّ هذه الطبقة هي التي تلعب أدواراً حاسمةً في دَعْم الاستهلاك والاستثمار في كلّ المَجالات الحيوية و الرّفْع من مُستوى اقتصاد بالإضافة إلى أنها تُساهم في الاستقرار السياسي و الاجتماعي للبلدان.. و ما نُلاحِظُ، في العُقود الأخيرة، في بَلَدنا، أنّ الطبقة المتوسطة باتت مُعرَّضة للانقراض، وأضحًت قريبَةً من مُعانًقتِها للطبقة الفقيرة بَدَلَ صعودِها و ارتقائِها نحو الطبقة المَيْسورة، وبالتالي تَتَّسع الهوة أكثر فأكثر بين الفقراء والأغنياء، مع ما يشكله هذا الوضع من مخاطر جمَّة على السلم الاجتماعي في البلاد. إنّ تقهقُر مُتقاعِدي التربيّة و التعليم إلى الطبقة الفقيرة راجعٌ إلى السياسة غير المُتبصِّرة لِ(السلطات المغربيّة) التي لا تُولي هذه الثُّلَّة من المجتمع أيّ اهتمام يُذكَر، و كأَنّ حياتَهم قد انتهتْ بِنهايَة حياتِهم المِهْنيّة. و مِن الواضِح أنَّ (الحكومات المغربيّة) لا تستجيب للْمطالب المُجتمَعيّة إلّا تَحْت ضغوطات الشارِع، فاتّفاق 26 أبريل 2011 جاء في سياق "الربيع العربيّ" و انتفاضة 20 فبراير التي أرغَمت الحكومة السابقة على الجلوس إلى طاوِلة الحوار مع (النقابات) و توقيع مَحضر الاتفاق.. كما أنّ اتِّفاق 14 يناير 2023 جاء بعدَ الإضرابات المتوالية و المُستمِرة للشِّغّيلة التعليميّة و احتجاجاتها التي شكَّلت ضغْطاً كبيراً على الحكومة المغربية، إضافَةً إلى الاستياء العميق الذي سادَ الأسَر المغربيّة التي توقَّف أبناؤُها عن الدِّراسة لِمُدّة طويلة.. تتذرَّع الحكومة بِعدم توفُّر الدولة على أموال كافية لتلبية مطالب موظّفي التعليم، و هي ذرائع واهية و غير صحيحة، و الدليل على ذلك أنّها تنْصاعُ إلى مَطالب الشغيلة التعليميّة عندما تشتَدُّ وَطأَة الضُّغوطات عليها. المغرب بلَد غنيّ بثرواتِهِ الطبيعيّة الهائلة، من فسفاط و ذهَب و مُختلف أنواع المعادِن، إضافةً إلى ما تَزْخرُ به الواجِهتان البحريّتان من ثروة سمكيّة هائلة... بِهذه الثروات الضّخمة يُمْكن أن يعيش المُجتمَع المغربيّ عيْشاً كريماً و يرقى إلى مصافّ المُجتمَعات ذات الدّخل الفردي المُرتَفِع في العالم.