تجمع إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة في ممارستها لاختصاصاتها بين مهمتين أساسيتين، مهمة جبائية تقوم على تصفية الرسوم والمكوس الجمركية، وإصدار الأوامر باستخلاصها إلى قباض الجمارك، ومهمة أمنية تقوم على ضبط الجرائم المرتكبة داخل النفوذ الجمركي في المعابر والحدود بما في ذلك الطرق السيارة والمخازن والساحات المهيأة خارج هذه المعابر لتلقي البضائع وإخضاعها لعمليات التخليص الجمركي باعتبارها موانئ جافة لا تختلف في شيء عن الموانئ البحرية أو النهرية أو الجوية. وانطلاقا من هذه الولاية العامة للجمارك على الواردات والصادرات في التراب الجمركي، فقد تم تكريس هذه المهام لإدارة الجمارك من خلال قانون مالية 2009 الذي منحها بموجب المادة 264 من المدونة العامة للضرائب، واجب مراقبة أداء الضريبة السنوية للسيارات المغادرة للتراب الوطني، حيث كان عنوان المادة 264، يشير إلى "التزامات أعوان الجمارك والأمن الوطني"، بينما كان متن الفقرة الأولى لهذه المادة يقول: "يجب أن يتأكد أعوان الجمارك والأمن الوطني من أن كل سيارة تغادر التراب الوطني قد أدت الضريبة الخصوصية السنوية المفروضة على السيارات ومن أن الصويرة قد وضعت على الواقية الأمامية." وقد احتفظ قانون مالية 2016 بنفس الصلاحية أعلاه للإدارة الجمركية في هذا الإطار مع تعديل بسيط تمثل في الاستغناء عن عبارة "وضع الصويرة على الواقية الأمامية". إلا أنه بموجب قانون المالية رقم 73.16 للسنة المالية 2017، فقد تم الاستغناء فيه عن عبارة أعوان الجمارك ضمن عنوان المادة 264 من المدونة العامة للضرائب مع استبدال عبارة السيارة بعبارة المركبة، ليصبح نص الفقرة الأولى من هذه المادة كالتالي: "المادة 264- التزامات أعوان الأمن الوطني: يجب أن يتأكد أعوان الأمن الوطني من أن كل مركبة تغادر التراب الوطني قد أدت الضريبة الخصوصية السنوية المفروضة على المركبات." ومعلوم أن معنى السيارة أو المركبة في القانون الجمركي يندرج ضمن مفهوم البضاعة، مما يجعلها خاضعة للمراقبة الجمركية عند الاستيراد والتصدير معاً، حيث تكون العربة محل تفعيلٍ للإجراءات الجمركية وفق نظام القبول المؤقت عند الاستيراد، على غرار ما نشهده خلال عملية "مرحبا" بمناسبة العودة المؤقتة لأفراد الجالية المقيمين بالخارج، كما تكون محل تفعيل هذه الإجراءات أيضا وفق نظام التصدير المؤقت عند مغادرة المركبة المرقمة محليا للتراب الوطني. وبالتالي فقد كان لزاما على المشرع الاعتراف لإدارة الجمارك بهذه المهام بدل التراجع عنها، رغم أن نص المادة 265 من مدونة الضرائب المتعلق بالأعوان المكلفين بإثبات المخالفات قد أتى على ذكر أعوان الجمارك في مقدمة هؤلاء كأعوان مؤهلين لتحرير المحاضر المتعلقة بمراقبة السير والجولان، الأمر الذي لم يستطع المشرع نفيه لارتباطه بالنص الأصلي المتمثل في الظهير الشريف رقم 1.57.211 بشأن إحداث ضريبة سنوية خصوصية على السيارات الذي أكد بهذا الخصوص في فصله التاسع على أنه: "يكلف أعوان المؤسسات المالية المفوضون بصفة خاصة بإثبات المخالفات لمقتضيات هذا الظهير الشريف، ويمكن كذلك أن يتولى تحرير التقارير موظفو الجمارك والأعوان المنتمون للمديرية العامة للأمن الوطني ورجال الدرك والشرطة المحلية وموظفو المياه والغابات وبصفة عامة كل الأعوان الذين فيهم كفاية للقيام بتحرير التقارير في المسائل المتعلقة بمراقبة السير والجولان". ومهما كانت أسباب هذا العدول أو التراجع عن المهام الجمركية، سواء كانت ناتجة عن التقصير من طرف الإدارة الجمركية في مراقبة التشريعات المعروضة للمناقشة، أو كان مردها محاولة التخلص من حمل أو عبء هذه المهام وفق منظور ضيق في فهم فلسفة الرقابة الجمركية، فإن المسؤولية تبقى قائمة عن أي تقصير يطال البضائع بمفهومها الواسع في التشريع الجمركي، يستوي في ذلك كونها محظورة أو غير محظورة بما فيها من وسائل النقل أو الحيوانات. وقد سبق لمحكمة النقض أن حملت المسؤولية لإدارة الجمارك عن تقصيرها في مراقبة وثائق تأمين المركبات من خلال قرارها عدد 1003 الصادر بتاريخ 28 ماي 2015 في الملف الإداري عدد 1395/4/1/2015 والذي جاء فيه: "من صور المسؤولية الإدارية عن الخطأ المرفقي، سماح إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة لشاحنة بالدخول إلى التراب المغربي وهي لا تتوفر على تأمين دولي أو البطاقة الخضراء، ولذلك تتحمل أداء التعويض عن الأضرار اللاحقة بالأشخاص الذين أصيبوا في حادث تسببت فيه الشاحنة المذكورة." من جهة أخرى فقد أعفت المادة 260 من المدونة العامة للضرائب بعض المركبات من واجب أداء الضريبة الخصوصية السنوية على المركبات دون اعتبار لخصوصية السيارات الجمركية، حيث أتت على ذكر بعض الأصناف المعفاة، ومنها سيارات التدخل التابعة للإدارة العامة للأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المساعدة والوقاية المدنية باستثناء سيارات المصلحة المغلقة. ولما كانت سيارات الجمارك مهيأة ومعدة للتدخل من أجل مطاردة المهربين وغيرهم من مرتكبي الجرائم الجمركية، فقد كان حريا بإدارة الجمارك أن تنتبه لهذا الأمر، خاصة وأن التشريع الضريبي ليس في منأى عن التشريع الجمركي، الذي ينتمي كل منهما لنفس الوزارة الوصية، وكما هو ملاحظ أيضا من خلال الإعداد للمقتضيات المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة، وما يستتبع ذلك من قراءة وتمحيص لبنود المدونة العامة للضرائب. ولعل عدم شمول الإدارة الجمركية بهذا الإعفاء يكون مرده إلى افتقار مركبات الجمارك لترقيم خاص يميزها عن غيرها إسوة بباقي الأجهزة الأمنية الأخرى، مما وجب معه تصحيح الوضع، خاصة في ظل توجه القيادة الجديدة لهذه الإدارة نحو تأمين أسطول يفي بتحقيق أهداف المراقبة التي تضطلع بها إدارة الجمارك، في إطار الدفاع عن أمن وسلامة الوطن، وذلك في انتظار تأمين الوسائل الأخرى للمراقبة المتعارف عليها دوليا في الإدارات الجمركية للدول، حيث لازالت الإدارة الجمركية بالمغرب تفتقر إليها من قبيل قوارب المراقبة والتدخل في المياه الإقليمية وكذا الكلاب المدربة التي تفيد في الكشف عن البضائع المحظورة وما إلى ذلك.