تعد الإرادة الجماعية محركا أساسيا و فعالا لكل مبادرات الإصلاح، وإذا كان الفعل التعلمي يبدأ من الميدان، فإن نجاحه يفرض انخراط المدرس، الذي يعتبر أهم رقم في المعادلة، كونه فاعلا تربويا ميدانيا، لهذا وجب الاعتراف بمكانته داخل المشروع البيداغوجي، الذي يعتبر، بدوره، إطارا عاما للعملية التربوية، من بدايتها إلى نهايتها، والتي تهدف الارتقاء بالفعل المدرسي، من خلال مكانتها ضمن منظومة التربية والتكوين، المقصود هنا العملية التربوية، وكونها آلية لحل المشكلات، وسبيلا للبحث عن الحلول، إن توفرت كل من الرغبة و الظروف الأنسب للعملية. يأتي المشروع البيداغوجي، أساسا، محملا بقيم منهجية ومعرفية، وزخم هائل من الأهداف والكفايات، يروم تحقيق جودة التعلمات، وضامن فعلي للمردودية و الفاعلية، من خلال قابليته التأثير الإيجابي على المسار التعليمي برمته، ثم قدرته توفير جل الاحتياجات والشروط الأساسية الكفيلة بإنجاح المهمة التربوية، من بدايتها إلى نهايتها، والتي تكمن في الاستجابة للضرورات البيداغوجية الأساس، فالمشروع البيداغوجي يبدأ من قلب العملية التربوية، تصاعديا، في اتجاه تحقيق مردودية أفضل، ويظل المدرس قلبا نابضا لكل مبادرات الإصلاح، وقطب رحى الفعل البيداغوجي برمته.
تعيش المدرسة العمومية، اليوم، وضعية جد مؤلمة، تمثلت في أزمة حقيقية، تجلت بوادرها في شلل شبه تام، بدأت بتوقف قد يصل إلى السكتة، في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، مما يفرض فتح نقاش عقلاني وهادئ، بعيدا، كل البعد، عن عقدة الزعامة و التعنت، وكذا التصريحات المستفزة، التي تزيد من صب الزيت على النار، فالجميع في حاجة إلى عودة الروح من جديد إلى الفصول الدراسية، إذ أن المرحلة تقتضي تقريب وجهات النظر للخروج من عنق الزجاجة، لهذا، وجب استحضار المصلحة العليا للوطن، إضافة إلى ضرورة إضفاء الطابع المجتمعي، ومراعاة المصلحة العامة، باعتماد الوسائل الكفيلة بإعادة إنتاج ما اصطلح عليه بالنظام الأساسي، الذي ولد مشوها، وأفرز رفضا غير مسبوق، فلابد من تصويب وتعديل الوضع، للخروج من الوضعية النشاز، التي تعد نتاج تراكمات أدت إلى فقدان الثقة بين جل أطراف العملية المدرسية، الأمر الذي قد يجرنا إلى إشكالات أخرى تتفرع عن الأزمة الفعلية.
من الضروري امتلاك شجاعة الاعتراف بالزلات و الأخطاء، خصوصا تلك التي أبانت عن فشل واضح على مستوى التدبير وسن القوانين، والتي من المفروض أن تراعي الجودة والإنصاف، إضافة إلى مراعاة مطالب جميع الفئات، فما يتطلب النقاش الجدي و العميق ليس بالضرورة الزيادة في الأجرة، على غرار ما يتم تداوله، في محاولة لتوجيه الأنظار خارج سياق الأزمة الفعلية، والتي تمثلت، أساسا، في نظام أساسي شكل ثورة على الحقوق المكتسبة، وتراجعا خطيرا على كافة المستويات: (الترقي، العقوبات التأديبية، التقاعد، الترسيم.... ).
تمثلت الأزمة الفعلية على مستويات متعددة، وفي جميع المحاور والمضامين المشكلة لنظام أساسي خرج عن سكة الصواب، فأدى إلى احتجاجات وغليان، كما شكل مناخا غير سوي، أنتج مجموعة من التراجعات، على كافة الأصعدة والميادين، نتج عنه ضياع الزمن المدرسي، فما يفرض التوقف عند حدوده هو منهجية الاشتغال، مع ضرورة أخذ الوقت الكافي، باعتماد حلول لملفات عمرت طويلا، إضافة إلى توفر شرط الجدية اللازمة في التعامل مع القضايا الأساسية، والتي تعد أعمدة القطاع، من قبيل: التعاقد والتقاعد، الترقي، والعقوبات التأديبية...
يكمن البديل الحقيقي، في البحث عن حل جدي وجدري، بإنتاج نظام أساسي يجيب على كل الاستفسارات، يستجيب لكبرى المطالب، في إطار المشروعية، ويقدم أجوبة واضحة عن كل التساؤلات، من خلال صياغة تراعي جميع الجوانب والتفاصيل، بالاعتماد على نقاش عميق ومسؤول، يحمل على عاتقه كل الأساسيات، ويتبنى حلولا نهائية للإشكالات المطروحة (الترقي، العقوبات التأديبية، التقاعد، الترسيم...).
لابد من تنسيق الجهود، لأجل التأسيس لحوار بناء وموثوق به، يعتمد على خطوات جدية وذات مغزى إصلاحي حقيقي، يعكس الرغبة الصادقة في تجاوز المعيقات، ويتبنى نظرة عميقة وشمولية للإصلاح المراد، يعتمد، بالأساس، على نظام أساسي جديد بمواصفات موضوعية وعلمية، يقدم أجوبة صريحة وسريعة لكل الأسئلة، قادر على تجاوز الخلل، يحمل على عاتقه كل القضايا الأساسية، ويتبنى حلولا نهائية للقضايا المطروحة (الترقي، العقوبات التأديبية، التقاعد، الترسيم...).