يعتبر التأويل، كعملية فكرية فقهية صرفة، الأساس الضامن لديمومة الدين في حياة الإنسان. التاريخ يتطور بسرعة، وعلى الفقهاء ورواد الفكر الإسلامي أن لا يتعبوا من تعميق التفكير في النصوص الدينية. لقد أبانت أحداث التاريخ البشري المتتالية أنه كلما تفاقمت الهوة بين التأويل والنصوص الحرفية كلما ساد الصراع والاقتتال أو التسلط والخضوع. فبفعل طبيعة تعاطي العقل البشري مع العلوم والتكنولوجيا والمادة، تسارعت الأحداث التاريخية في العالم، وتطورت الحياة بشكل ملفت، وتداخلت بشكل غامض النزعتين الاستهلاكية والإبداعية، والمادية والروحية. دواسات السرعة أصبحت بيد الرأسمال، بل أصبح يحتكرها بالقوة والمال وكشوفاته العلمية وتقنياته الهندسية المتطورة. في هذا السياق، تزداد مشاق الفقهاء ورواد الفكر الإسلامي تعقيدا على مدى الساعة. فأمام تأويل سابق للتراث تبرز الحاجة بسرعة فائقة إلى تأويل جديد، وكأننا أمام صيرورة مركبة ومعقدة لا تمنح الوقت الكافي للتموقع زمنيا في نسق التأويل بقواعده ومتطلباته الجديدة. الإنسانية اليوم تحتاج لتأويل التأويل لإنتاج تأويل جديد وبالسرعة المطلوبة. الحفاظ على توازن تفاعل الروح والمادة أصبح صعبا ومعقدا للغاية. السرعة في هذا المجال مطلوبة بإلحاحية. إنها الحقيقة البارزة التي نستنبطها من استنتاجات المفكر المغربي الدكتور عبد الله العروي. نفهم من كلامه أن الارتماء في أحضان التلكؤ في هذا المجال ستكون له عواقب خطيرة على الحضارة العربية الإسلامية. القرآن هو الأصل وكلياته صالحة لأي زمان ومكان، وجزئياته في حاجة إلى تأويل مسترسل ومنتظم زمانيا. العروي يقول أن لا أحد يستطيع أن يقر أن التأويلات القرآنية المتعلقة بالزمان والمكان صحيحة 100%. التأويل بالنسبة له هو مجرد قراءة وليس حقيقة متفق في شأنها. من ادعى أو يدعي قطعيا صحة تأويله أو تأويلاته، فقد ادعى النبوة، وهذا أمر مرفوض. النبوة انتهت، والتأويلات صالحة لزمانها والنص هو الباقي. العلوم تتقدم، والاختراعات تتراكم، وأنماط الحياة تتنوع وتتغير بسرعة مذهلة. إن أفق المسلمين في العالم وحاجتهم إلى تأويل مستمر وسريع يراعي مصالحهم، مصالح الأحياء منهم وليس الأموات، في مخاض يكتنفه الغموض بفعل الضبابية التي تميز علاقة العلوم والتكنولوجيا والروح والمادة في حياتهم اليومية. بالنسبة للمغرب وليد الثقافة الأندلسية، البلد المتميز بخصوصيته التاريخية، الحل الذي يفرض نفسه باستعجال، يقول العروي، هو مساعدة الدولة بإسلامها الفقهي الواضح على تحقيق القطيعة المنهجية مع التراث قبل العودة إليه بمنطق الحداثة، وبالتالي تمكينها من الآليات الناجعة لترسيخ ثقافة التفريق بين السياسة الشرعية والسياسة المدنية. مرجعه في ذلك هما ابن رشد وابن خلدون. لقد دعا هذان المفكران إلى التفريق بين الحقيقة التاريخية والحقيقة النصية، بين التفسير أو موقف الفقيه أو القاضي الأصولي ومواقف المحدثين. منطق المحدث شيء، ومنطق المؤرخ شيء آخر. الفقيه الأصولي مرتبط بالتاريخ وليس بنصوص المحدثين.