نجاحات تلو أخرى حققتها الدبلوماسية المغربية في ملف الصحراء، تزامنا مع حلول الذكرى ال48 للمسيرة الخضراء، التي دعا إليها الملك الراحل محمد الخامس سنة 1975. ومقابل هذه النجاحات؛ تلقّى النظام الجزائري عددا من الصفعات المتلاحقة وإخفاقات دبلوماسية تسببت لها في عزلة إقليمية ودولية، بسبب تشبثها بعقيدة عداء المغرب ووحدته الترابية، وتمسكه أيضا بأسطوانة "تقرير المصير" المشروخة، التي أصبحت في "خبر كان". ويأتي هذا الاندحار الجزائري مقابل تعزيز مقترح "الحكم الذاتي" الذي تبناه المغرب منذ سنة 2007، لحل هذا النزاع المفتعل الذي دام لعقود من الزمن، دون أن يجد بعد طريقه إلى الحل أو التسوية. ولعل آخر إنجاز للدبلوماسية المغربية يَكمن في القرار الأخير للأمم المتحدة، الذي ما يزال يدعم مقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، مع تمديد بعثة المينورسو لسنة إضافية (30 أكتوبر 2024). كما أن أهمّ حدث قصم ظهر الجزائر وصنيعتها البوليساريو الانفصالية يتجلى، أساسا، في الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء؛ هذا القرار أربك أوراق جنرالات "قصر المرادية"، الذين يجهلون كيف يواجهون هذا المستجد السياسي، الذي زلزل النظام الجزائري والكيان الوهمي البوليساريو. وليست أمريكا وحدها من دعمت المقترح المغربي؛ بل تلتها أيضا إسبانيا التي حذت حذو الولاياتالمتحدة، وعبرت عن موقفها التاريخي من مغربية الصحراء، لتعقبه زيارة خاصة قام بها حينها رئيس الحكومة "بيدرو سانشيز" إلى المغرب ولقاء الملك محمد السادس. ولن يَخرج الاعتراف الإسرائيلي، هو الآخر، عن هذا السياق؛ حيث اعترفت "تل أبيب" بمغربية الصحراء، ومن ثمة شرع البلدان في توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات ثنائية لتعزيز التعاون بين الدولتين، لاسيما في الشق العسكري والأمني، وكذا في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي. ورافقت هذه الاعترافات فتح قرابة 30 قنصلية في الأقاليم الجنوبية للملكة المغربية، لاسيما في مدينتي الداخلة والعيون، من أجل تعزيز التمثيل الدبلوماسي بين المغرب وباقي البلدان المعترفة بمغربية الصحراء، وكذا الداعمة للحكم الذاتي الذي عليه إجماع دولي، لكونه مقترحا جديا وواقعيا وذا مصداقية لإنهاء هذا الصراع حول الصحراء المغربية. وأمام هذا الوضع؛ لم تَجد الجزائر من سبيل سوى نفث سمومها تجاه جارها المغرب، الذي ما يزال متمسكا بنهج سياسة "اليد الممدودة"، الذي يمضي كذلك بخطوات ثابتة في مختلف المجالات؛ سياسيا، رياضيا...؛ كل هذا من أجل محاولة فرملة التقدم الذي تمضي فيه المملكة، دون أن تلتفت إلى الخلف مهما كان مصدر تلك الأصوات النشاز. وعوض أن تبادل الود بمثله؛ يعمل النظام الجزائري، جهد الإمكان والاستطاعة وبما أوتي من خبث ومكر، على "استفزاز" المملكة بقرارات وخطوات غير محسوبة العواقب، التي تأنى الرباط بنفسها عن الخوض فيها أو الرد عليها، مستحضرة الأواصر والصلات التاريخية واللغوية والدينية والجغرافية التي تجمع الشعبين المغربية والجزائري.