75 عاما مرت (1948 – 2023) على وجود الإحتلال الإسرائيلى فى تلك البقعة الطاهرة من العالم في أرض فلسطين المسلمة العربية التاريخية, أولى القبلتين الواقعة بين نهر الأردن و بحيرة طبرية و الساحل الشرقى للبحر المتوسط و تخوم مصر جنوبا و تخوم لبنان و سوريا شمالا و الأردن شرقا لتقطع هذا التواصل الحضارى و تتحول إلى نقطة إرتكاز لدول الإستعمار القديم (بريطانيا) والجديد (إسرائيل برعاية الولاياتالمتحدةالأمريكية) و وكيل و حليف لخدمة المصالح تحت راية المزاعم التاريخية والوعد الإلهى وأرض الميعاد ومعركة نهاية العالم والتاريخ وهى فكرة تجمع بين المتطرفين فى تلك البلدان وفى صميم العقيدة الصهيونية... 75 عاما عانت فيها تلك المنطقة من معارك وحروب وجولات سبقت إعلان الدولة و مذابح عصابات اليهود التى لم تختلف عن مذابح الدولة اليهودية و كأن هذا الكيان تأسس ويعيش على سفك الدماء العربية ليبنى أسطورة لم تتحطم إلا مرتين؛ الأولى: فى معركة جيوش نظامية بين مصر وسوريا من جانب ودولة الإحتلال الإسرائيلى من جانب أخر فى 6 أكتوبر 1973سبقتها حرب إستنزاف (1969 – 1973) وكان النصر من نصيب مصر و سوريا؛ الثانية: كانت منذ 10 أيام فى السابع من أكتوبر 2023 عندما شنت فصائل المقاومة الفلسطينية هجوما مفاجئا على المستوطنات غير الشرعية فى غلاف غزة وكبدت دولة الإحتلال وجيشه خسائر بشرية تجاوزت ال 1200 قتيل وفقا للأرقام الرسمية و استطاعت أسر ما يزيد عن 250 أسير مدنى و عسكرى وفى ما يعتبره الخبراء هزيمة منكرة (سياسيا وعسكريا) لكل منظومة الأمن ونظرية الأمن الإسرائيلية و سياسات حكومة تحالف اليمين المتطرف مع نيتانياهو إلا أن البعض الآخر داخل الجسد العربى وخارجه يرى ان المعركة لم تحسم بعد و أن الرد الإسرائيلى يقود إلى تصفية القضية الفلسطينية مع القضاء على المقاومة الفلسطينية المسلحة فى قطاع غزة و إرتكاب جرائم إبادة جماعية ( آخرها كانت ليلة أمس 17 من أكتوبر حين استهدف الإحتلال مستشفى مدني) و تهجير لسكان القطاع و دفعهم للنزوح جنوبا صوب معبر رفح البرى والحدود مع مصر بهدف توطينهم فى شمال سيناء تحت ضغط إنسانى بسبب الفوضى و الإنفجار بعد أيام من قطع المياه والكهرباء ونفاذ الغذاء والادوية والضرب الجوى والمدفعى والصاروخى لكل أحياء غزة و تحديدا شمال القطاع و وادي غزة... المخطط الإسرائيلى معلن ومعروف وتم الكشف عنه على لسان سياسيين وأكاديميين و فى تسريب صوتى شهير للرئيس الراحل حسنى مبارك أثناء علاجه بالمستشفى و الذى كشف فيه عن طلب من نتانياهو بتوطين سكان غزة فى شمال سيناء و أن مبارك آنذاك و وفقا للتسريب هدده بحرب جديدة على إسرائيل لو أقدمت إسرائيل على هذا... هذا المخطط وغيره من أفكار التوسع الإسرائيلى معلن البعض منه و يتم تنفيذه و البعض الأخر يفشل لأنه ببساطة ليس قدرا و مكتوبا قبوله تحت أى ظرف و لان كل المساحات التى اكتسبتها إسرائيل على مستوى الأراضي و على مستوى العقل و الوجدان و الهم العربى كانت نتيجة مباشرة للحظات و فترات ضعف و تراجع وصراع و خيانة حتى بين صفوف المقاومة و حركات التحرير... و المعركة الممتدة منذ 7 أكتوبر و مازالت مستمرة على مدار الساعة كشفت هشاشة منظومة الدفاعات الإسرائيلية و أقوى جهاز استخباراتي في العالم أمام فصائل لا يمكن مقارنتها تسليحيا و تكنولوجيا و لوجيستيكيا بجيش الإحتلال الإسرائيلى؛ و مازالت صواريخ المقاومة تطال تل أبيب و عسقلان والمؤسسات الحكومية و البرلمانية فى القدسالمحتلة بمقابل إعلان حكومة الطوارئ الإسرائيلية و جلسات الكنيست ولقاء وزير الخارجية الأمريكي و إنذار بالهجوم الصاروخى و هرع الجميع للاختباء في الملاجئ و الغرف المحصنة؛ و مازالت القوات الإسرائيلية التى تم حشدها على حدود غزة غير قادرة على الإقتحام بسبب الخوف من "مدينة الطبقتين" حيث 500 كم من الأنفاق تحت الأرض ما بين هجومية و دفاعية و لوجيستيكية تنتظر فيها قوات المقاومة وتخفى فيها الأسرى والاسلحة والذخيرة والقيادات بينما تعربد الطائرات و السفن البحرية الإسرائيلية و تقصف كل المباني و الارتفاعات و ما تقول أنه معسكرات لحماس و الجهاد و قياداتهما؛ فى المقابل تتغاضى عن استفزازات حزب الله فى الجبهة الشمالية و التى وصلت لإستهداف جنود وضباط إسرائيليين لان جيش الإحتلال لا يريد أن ينشغل عن جبهة غزة بفتح جبهة قوية و أكثر جاهزية و تدريبا و تسليحا و خطوط إمداد لوجيستيكية مفتوحة فى الشمال مع حزب الله تدعمها جبهة أخرى فى سوريا تضم عناصر من حزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية... نكتشف بعد مرور 75 عاما أننا كنا نعيش كعرب في فجوة زمنية لم ندرك خلالها مدى هشاشة هذ المحتل الذى كان يروج في دعايته بأنه الجيش الذى لا يقهر و فرض علينا بغطرسته مسارات للتسوية بعيدة عن قرارات الشرعية الدولية وتفرغها من مضمونها وتضيع كل الحقوق الثابتة على مائدة التفاوض و الإبتزاز و رغم ذلك تتحين كل الفرص للتهرب عن الوصول للحظة الحقيقة و تفعيل ما تم الاتفاق عليه مرة بحجة الضغوط الداخلية و تغيير الحكومات و مرات بسب ضعف البنيان العربى وعدم قدرته على ممارسة أي نوع من الضغوط التي تجبر إسرائيل على تنفيذ ما تعهدت به... 75 عاما عملت فيها إسرائيل على بناء مواقف دولية مساندة لمزاعمها؛ و استطاعت أن تصدر للعالم نموذجا يراه العالم ديموقراطيا يقوم على تداول السلطة وحرية الرأي والتعبير وضمان الحريات العامة والخاصة لمواطني دولة الاحتلال وتمنحها حقوق دولية - بضمانات دول التحالف - لما تراه من وجهة نظرها دفاعا عن النفس في دائرة من العداء والكراهية تحكم خناقها من قبل جيرانها في الإقليم عرب (مسلمين و مسيحيين) وفرس (شيعة)؛ كما استطاعت أن تبنى أسطورتها من خلال حفاظها على دعم خارجي أمريكي غربي مستمر بالتوازي مع ضعف وتراجع عربي مستمر... لذا فإن هذا التشتت والضعف العربي هدف في حد ذاته كي يستمر الكيان لان الدعم الأمريكي الغربي وحده ليس كافيا للبقاء و للهيمنة على الإقليم وهذا المعنى أكدته أحداث 7 أكتوبر 2023 رغم ما تلاها من أحداث مأساوية يختلف البعض حول تقييمها والموقف منها... مسألة التوطين في شمال سيناء هدف ورؤية و سياسة إسرائيلية حصلت على مباركة من الولاياتالمتحدة , و بريطانيا ترى أن تلك اللحظة هي المناسبة لفرضه كأمر واقع و كحل نهائي للقضية بعد أن يتم تصفيتها لان غزة تمثل معقل المقاومة المسلحة لإسرائيل بعد خروج الضفة الغربية من معادلة المقاومة المسلحة و خضوعها تماما للسلطة الفلسطينية التي تفضل خيار التفاوض السلمي الماراطوني و ترى أن فصائل المقاومة تنتفض من نفوذها و شرعيتها و تبعيتها و تختطف القرار الفلسطينى و تحمله تبعات تساهم في خسائر كبيرة للقضية... رغم أن أدبيات المقاومة الفلسطينية على مدار تاريخها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين كانت تؤكد على أن قرار المقاومة تحدده المقاومة ولا يخضع للضغوط والمساومة أو المسارات الموازية رغم ما شاب تلك الأدبيات والمسيرة من تبعية وتجاذبات إقليمية وأيديولوجية وفى بعض الأحيان خيانات داخلية وصراع بين مكوناتها... من المؤكد أن مصر ستتعرض لضغوط من قبل حلفاء إسرائيل لقبول مؤقت باستضافة عدد من سكان شمال غزة و وادي غزة الذين تم دفعهم جنوبا مع تقديم عدد من الإغراءات المالية التي تساهم في عبور مصر أزمتها الإقتصادية و ذلك وفقا لعدد من التقارير والتحليلات الأمريكية و الغربية التي نشرت على مدار الأسبوع الماضي و كان أخرها ما نشرته الوول ستريت جورنال ؛ و إما أن تستمر إسرائيل في ضرباتها وإبادتها الجماعية حتى تنفجر الأوضاع على الحدود و يعجز المصريون عن مواجهتها بسبب الحرج الإنساني أمام النزوح و التدافع هربا من الضربات الجوية و المدفعية و الصاروخية و بحثا عن الشرب و الأكل و الدواء و العلاج و دون أن تحصل مصر على أي مقابل وفقا لذات التقارير المنشورة و يتم الترويج لها على اعتبار انه قدر محتوم و حل سحري لتصفية القضية و القضاء على المقاومة والثأر مما حدث من انتهاك للشرف الإسرائيلي ولعدم تكرار ما حدث... زيارة الرئيس الأمريكى بايدن دعما لإسرائيل وربما زيارة إلى مصر بعدها قد تشمل حضوره للقمة الإقليمية الدولية التي دعت لها مصر السبت القادم خاصة أن إدارة بايدن و من قبلها إدارة أوباما الديموقراطية تتبنى هذا الطرح كرؤية للحل النهائي... و كعرب مسلمين مؤمنين بالقضية ستبقى فلسطين قضيتنا و سيبقى الأقصى عقيدتنا خان من خان و طبع من طبع و نحن في انتظار وعد الله و الله لا يخلف الميعاد