قد يتساءل البعض: وما علاقة الزلزال بالقانون؟ فنجيبه بأن المشرع المغربي اعتبر منذ إصداره لقانون الالتزامات والعقود بتاريخ 12 أغسطس 1913 ضمن الفصل 268 أن الزلازل والفيضانات قوة قاهرة مانعة من تنفيذ الالتزام؛ فإذا كان المواطنون المتضررون من زلزال الحوز الأحياء وورثة المتوفون منهم أصبحوا عاجزين عن تنفيذ التزامهم اتجاه ذواتهم بخصوص الأكل والشرب والسكن الكسب، فإن الفصل 40 من الدستور أوجب على جميع المواطنين بشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها تحمل التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد وكدلك تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد، وهو ما استجاب له عموم المواطنون بشكل عفوي وتلقائي منذ الساعات الأولى للصباح الموالي لوقوع الزلزال، حاملين كل ما في وسعهم من أطعمة وأغطية وملابس لمساندة إخوانهم وتخفيف معاناتهم على نحو اندهش له العالم. غير أن هذا الفيض من جود المغاربة وتعاطفهم أثناء الأزمات ربما لن يستمر كثيرا حينما يتلاشى في الزمان ثقل وهول حادث الجمعة 8/9/2023 عن قلوبنا وأذهاننا، والرهان بعد ذلك يبقى على عاتق الدولة لإعادة إعمار البادية وتوفير سكن ملائم للمتضررين من الزلزال، وهو ما عبرت عنه هذه الأخيرة ضمن أحكام المادة 2 من المرسوم 2.23.811 بإحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال المفتوح لتبرعات الهيئات الحكومية والغير حكومية الوطنية والاجنبية والافراد حيثما كان موقعهم بداخل المغرب أو خارجه، غير أن هذه المبادرة يتوجب أن تستحضر مقترحات تشريعية وتنظيمية لها تأصيل روحي من مقتضيات الفصل 14 من الدستور الذي يضمن للمواطنين الحق في تقديم اقتراحات في التشريع على اختلاف درجاته: • المقترح الأول: التعجيل بتعديل المادة 34 من المرسوم 2.92.832 بتطبيق القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير التي فرضت الحد الأدنى المسموح به للترخيص بالبناء داخل الوسط القروي في "هكتار واحد" مادام أن كل المنازل المهدمة لا تتوفر على هذا الشرط، وهو اقتراح يدخل في استراتيجية إعمار عموم البادية المغربية وتفادي الطرق الملتوية للحصول على رخص البناء الاستثنائية التي تخضع لمزاج وتقدير السلطات المختصة. • المقترح الثاني: الزيادة في المرونة المتعلقة برخص بناء الدور المهدمة بحسب ما نصت عليه الدورية المشتركة لوزارة التعمير والإسكان ووزارة الداخلية الصادرة بتاريخ 28/4/2023 تحت عدد 160/د 1049/د بشأن تبسيط مسطرة الترخيص بالبناء بالوسط القروي والاكتفاء بشهادة إدارية صادرة عن السلطة المحلية تحدد حدود المنزل ومساحته لإثبات الملكية، والكل تفعيلا لمقتضيات القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط الإجراءات والمساطر الإدارية ومراعاة للظرف الاستثنائي الذي تتم خلاله هذه العملية. • المقترح الثالث: استحضار أبعاد ومرامي القانون رقم 94.12 المتعلق بالمباني الآيلة للسقوط والهادفة إلى العناية بالانسجة الحضرية العتيقة والأحياء القديمة والمحافظة على التراث المعماري، وذلك باستصدار قرارات إدارية بتعيين المناطق المتضررة من الزلزال والمشمولة بهذا التدخل من جهة وقرارات فردية بهدم البنايات المتضررة جزئيا والغير قابلة للسكن بما تشكله من خطر على ملاكها وعلى المواطنين، وذلك بهدف إدماجها في حملة الدور السكنية المشمولة بإعادة البناء. • المقترح الرابع: التنزيل السريع لبرنامج المساعدة المعمارية والتقنية المجانية المؤطرة بالدورية الوزارية المشتركة المذكورة آنفا، يتم إعداده بشراكة مع الهيئة الوطنية والهيئات الجهوية للمهندسين المعماريين والمهندسين الطبوغرافيين ويستهدف بالضرورة الحفاظ على الشكل التاريخي للقرى المغربية والأحياء القديمة بالمدن. • المقترح الخامس: مباشرة عمليات بناء الدور السكنية المتضررة بشكل هندسي يجمع بين الحفاظ على الطابع المعماري الجذاب لعدد من القرى والدواوير الجبلية والاحياء الحضرية القديمة وقواعد المتانة ومقاومة الزلازل، مع الحرص على التقييد التاريخي للقديم منها في عداد الآثار بما يمكنها من العناية والتدخل المنصوص عليه ضمن أحكام القانون رقم 22.80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة. • المقترح السادس: الإعلان عن صفقات عمومية بهدف بناء الدواوير المهدمة نتيجة الزلزال وفق دفتر شروط وتحملات صارم ومراقبة يومية لمختلف المتدخلين في التعمير والبناء، مع إعفاء عمليات البناء وشراء مواده من الضريبة على القيمة المضافة مراعاة للطابع الاجتماعي والإنساني لهذه العملية. • المقترح السابع: دعم برنامج إعمار البادية المغربية والقرى المهدمة من شبكة واسعة من الطرق وفرص التعليم والرعاية النفسية للأيتام، يتم تمويلها من صناديق أخرى كصندوق المغرب الأخضر والرسم المفروض على المحروقات المخصص لتقوية الشبكة الطرقية، وصندوق نظام تغطية عواقب الوقائع الكارثية المحدث بموجب القانون رقم 110.14الصادر بتاريخ 25 غشت 2016 والمستفيد بدوره من الرسم الشبه الضريبي المفروض على جميع أنواع التأمينات بموجب المرسوم رقم 2.19.244 الصادر بتاريخ 30/9/2019. • المقترح الثامن: تعديل المرسوم رقم 2.14.499 القاضي بإحداث اللجنة الوطنية للوقاية من أخطار الحريق والهلع في البنايات بجعل اختصاصاتها شاملة أيضا لتلقي واقتراح التعديلات الواجب إدخالها على ضابط البناء فيما يخص مقاومة البنايات للزلازل، مع الدعوة إلى عقد هذه اللجنة لاجتماعاتها في أقرب الآجال وإدماج مقترحاتها ضمن برنامج المساعدة المعمارية الوارد في المقترح الرابع. • المقترح التاسع: تكريس الطابع التشاركي لعمليات التجديد العمراني للقرى والأحياء القديمة المغربية المتضررة من الزلزال بشكل يضمن متابعة هذه العمليات إلى جانب السلطات المختصة جمعيات المجتمع المدني الجادة والمنتخبين النزهاء.