فعلا لم نعد ندري على أي رجل نرقص مع بعض الأبواق الجزائرية، فكلما دعا الملك النظام الجزائري إلى نبذ الخلافات أو تجميدها، وفتح الحدود استجابة لنداء الدم والدين والتاريخ والمصير المشتركين، إلا ووضعت اصابعها في آذانها، وأصرت على مواصلة العداء، و أستكبرت استكبارا، لا بل وراحت تلوم المغرب من خلال سردية جديدة تننقد فبها عودة علاقاته مع إسرائيل باعتبارها تهديدا لأمن شمال افريقيا، وهي سردية متهافتة لن نصمد ولن تقنع أحدا، فابواق النظام تعلم قبل غيرها أن قرار المغرب ذاك سيادي، وأن هناك دولا مطبعة مع إسرائيل تقيم معها الجزائر علاقات ودية مثل مصر والإمارات والاردن والبحرين وتركيا ...الخ . هكذا ينسى النظام الجزائري حتى ان يذر الرماد في العيون، فلا ينتبه في خضم إدمانه معاداة المغرب لمثل هذه التناقضات في خطابه الذي يكيل بمكيالين، ويقطر حقدا على المغرب لاغير . لقد عادت مكشوفة للجميع حاجة هذا النظام، لهذا الصراع المفتعل، مادام لم يتقن له سياسةمغايرة يستطيع بها قمع المطالب في الداخل وتأجيلها بعد أن استثمر الكثير وتورط في صناعة عدو وهمي هو المغرب، بل و بعد ان تحول الآن إلى ترسيم هذا العداء كعقيدة ثابتة لدى الجزائريين من خلال الإعلام ووسائل التنشئة الاجتماعية قطعا لخط الرجعة بين الشعبين ،مرددا ومروجا للأحقاد وللضغينة، وفي تصلب غريب على مواقف بالية جدا لم تعد تعبأ بها الأجيال الحالية . ومن ضمن ما يدفع به نظام العسكر لتجاهل اليد الممدودة لصاحب الجلالة للمرة السبعين،للبقاء قيد موقف الجفاء العبثي ، كونه يدعي انه ينتظر من المغرب افعالا لا أقوالا ،متناسيا أن المغرب عبر دائما عن حسن نيته، بل و عرض مساعدته مؤخرا خلال موجة الحرائق الجزائرية رغم قطع العلاقات، وأن الملك أقترح منذ زمان احداث خلية مشتركة بين البلدين لحلحلة الوضع بينهما انطلاقا من المدخل الاقتصادي ،ولم يلق تفاعلا ولا تجاوبا،زيادة على ان المغرب توجه مرار للجزائر للتطبيع معها قبل ان يقرر استئناف علاقاته مع إسرائيل . إنه لم يخل أي خطاب للعرش القاه الملك من اللين والرفق في دعوة الجزائر لأجل حسن الجوار ،وقد فعل ذلك ، رغم أنها ترعى البوليزاريو على ارضها جاعلة منه مخلبا موجها للمغرب ،و انها تنفرد بالخروج على الإجماع العربي والإسلامي بخصوص قضية الصحراء المغربية، وتسعى لدولة سادسة بالمغرب العربي ضدا على تشدقها بالخطاب الوحدوي معرضة بذلك منطقتنا لشرور الانفصال والإرهاب والتفكيك والتبعية الدائمة. .الخطاب الأخير يندرج ضمن هذه السيرورة ،و هو خطاب رصين متعال على الحزازات، ينضح بالنبل والسمو والرقي الذي درج عليه ملوك المغرب، يدعو من خلاله الملك الجزائر للتفاوض و الحوارالذي يحفظ ماء وجهها أيضا لبناء المنطقة المغاربية معا . بهذه الدعوات المتكررة ،يكون المغرب قد أراح ضميره ،وقام بواجبه تجاه الشقيقة الجزائر، وبرأ ساحته أمام الشعوب المغاربية والعربية والمسلمة والمنتظم الدولي، واشهد الله والتاريخ على الجهة المتسببة في عرقلة قطار الوحدة المغاربية وإضاعة الفرص التاريخية لشعوبنا ،بل إن الملك قد أمعن، وهو محق في ذلك، في مراعاة واجب الجورة و التقيد بأخلاق الإسلام التي حتمت عليه أن يبدد في خطابه أية مخاوف يتوجس منها جاره الشرقي ،ولو كانت متخيلة أو من قبيل المزايدة والتخاوف لاغير ، فطمأنه بان الشر لن يأتيه من المغرب ،وان المملكة لن تكون بأية حال من الأحوال البادئة بالظلم . وهو صادق في ذلك ايضا، ،مادام أنه سيكون من العمى الاستراتيجي ان يلهب المغرب حدوده الشرقية تحت أي ظرف او ضغط من الضغوط . .إن المغرب لمن لايعرف ، لا يتسلح الا مجاراة لسباق التسلح الجزائري حفاظا منه على السلام ودرءا لأي مغامرة متهورة تنتج عن اختلال للتوازن العسكري، .فهو يتسلح إذن صونا لوحدته، لا تبيتا لهجوم على اشقائه مهما جار وتنكر له هؤلاء الأشقاء . إنه اذا ما ربطنا مابين أجزاء الخطاب الملكي الذي تطرق أيضا للتحديات الداخلية، و حث المغاربة على التمسك بالجدية استعدادا لإقلاع اقتصادي وشيك ينتظر منه ان يشكل طفرة تاريخية في مسيرة المغرب ،فإننا سنستنتج ان المغرب لا يعتبر الضغينة والكيد للجيران شغلا او شيما له ، بل هو منهمك في ترتيب قفزته الاقتصادية والاقليمية لربح معركة التنمية والتقدم التي تحظى لديه بالأولوية القصوى ،وهو ما سيكون في صالح الجزائر أيضا لو رإى حكامها أبعد من انوفهم. لقد وصف الملك العلاقات الحالية بين المغرب والجزائر وصفا دقيقا ،حين قال عنها إنها علاقات مستقرة، أي أنها لاتعرف لا تصعيدا ولا تحسنا، ولا تشهد لا مدا ولاجزرا، كأنه يضرب صفحا عن الملاسنات والمزايدات التي تقوم بها بعض الجهات التي ترمي بالحطب في النار، أو لكأنه ينبئنا بكل ترفع وشموخ أنه لايرى ولا يلتفت لهذه الضغائن، فلايعاتب عليها ، كي تذوي، ولا تزيد في تفاقم الوضع . إن خطابه هذا ليصب الماء صبا على النار ليخفف غلواء التشدد الجزائري، وليساعد حكام المرادية على استرجاع البصيرة والصواب، حتى لنخاله يتأسى به قول الشاعر : أغمض عيني عن صديقي تغافلا ...كأني بمايأتي من الأمر جاهل . إنه بهذا السلوك الراقي تؤكد الملكية المغربية للعالم أجمع فضلا عن بعد نظرها عراقتها و تفوقها الأخلاقي. لكن يجب ان نفهم أنه حين يخفض الملك الجناح، ويدعو تبون بالموعظة الحسنة الى الانتصار لمصلحة الشعبين المغربي والجزائري، و يطالبه بصفحة جديدة، فهو يبرهن عن حسن نية بالغ ،وعن شجاعة لامثيل في المبادرة لحل جريء مفارق لحالة الركود التي تغذيها الجزائر لملف الصحراء المغربية. انها سياسة حسن الجوار التي جعلها الملك خيارا لامحيد عنه للمملكة تجاه الشقيقة الجزائر دونما تأثر بالسياقات الاقليمية والدولية و لا بأية معطيات جديدة ولابصداقات او تحالفات قد نشأت ،لدرجة أن الدعوة إلى السلام مع الجارة الشرقية قد صارت ثابثا من ثوابث دبلوماسية العاهل المغربي ونهجا مميزا طابعا لعهده الذي آلى على نفسه فيه أن يكون عهد بناء وتشييد لاعهد حروب واقتتال. و أخيرا، ألا يرشد حكام الجزائر، فيقرروا ان يضعوا حدا لمآسي قطع الرحم بين الشعبين التوأمين التي طالت وتورمت؟. ألا يمتثل النظام الجزائري لما تمليه سماحة الإسلام وأخلاق الشهامة والود والإباء؟ ذلك فعلا ماينشده الملك محمد السادس وينشده الى جنبه المغاربة والجزائريون وكل مغاربي حر أصيل .