بمجرد ما إن تبدأ درجة حرارة الجو في الارتفاع ببلادنا مؤذنة بحلول فصل الصيف، وتدق ساعة الانطلاق نحو الشواطئ بالمدن الساحلية، التي تشهد إقبالا استثنائيا وتفتح ذراعيها لاحتضان زوارها سواء كانوا مغاربة أم أجانب من الذين يبحثون لأنفسهم وذويهم عن قسط من الراحة أو الترفيه والاستجمام، حتى يتجدد الحديث كالمعتاد في كل سنة عن ندرة المراحيض في بعض المدن وانعدامها في البعض الآخر. فالمرحاض العمومي فضاء عام مشترك، تشتمل عموميته على مفارقة عجيبة، تفصله عن باقي الفضاءات العامة ذات الاستخدام المشترك كالحافلات والمقاهي والمنتزهات، فهو رغم كونه فضاء عاما، تقام فيه أحد أكثر أنشطتنا البيولوجية خصوصية وسرية، وهو نشاط التفريغ الحشوي للفضلات البشرية (البول والبراز). وتكتسي هذه المراحيض أهمية بالغة في حياة المواطنات والمواطنين ليس في المغرب وحسب، بل في سائر بلدان العالم، وإلا ما كان ليخصص لها يوم في السنة للاحتفاء بها. وقد سبق للهيئة الأممية أن نشرت تقريرا خاصا بمناسبة تخليد اليوم العالمي ل"دورات المياه"، الذي يصادف تاريخ 19 نونبر من كل عام، تؤكد من خلاله على أنه "لا بد أن تكون لدى الجميع مرافق صحية مستدامة، إلى جانب مرافق المياه النظيفة وغسل اليدين، للمساعدة في حماية أمننا الصحي والحفاظ عليه ووقف انتشار الأمراض المعدية الفتاكة، مثل فيروس كورونا والكوليرا والتيفويد" ترى أين نحن من هذه التوصيات الأممية الرامية إلى حماية الأمن الصحي للمواطن والحفاظ عليه؟ للأسف أن جل مدننا وخاصة منها الكبرى والسياحية، مازالت تعاني منذ سنوات من خصاص صارخ في المراحيض العمومية، باعتبارها جزءا أساسيا من البنية التحتية للمدن، لما لها من أهمية في حياة المواطنين صغارا وكبارا وخاصة منهم المرضى بداء السكري وغيره. إذ أنه وفي ظل عدم اهتمام المجالس الجماعية بهذه المرافق الصحية والعمل على توفيرها، يجعل البعض يتجه إلى المقاهي لصرف حاجاتهم الطبيعية، فيما يقضيها آخرون في الهواء الطلق خلف الأشجار والشاحنات وغيرها، مما يساهم في تلويث المناخ وانبعاث الروائح الكريهة في عدد من الأماكن، إضافة إلى بعض المظاهر المقززة للفضلات البشرية التي لا يسلم منها حتى جوار المآثر التاريخية. فالبحث عن مرحاض عمومي سواء في العاصمة الاقتصادية أو العاصمة الإدارية أو مدينة مراكش مثلا أصبح يشكل لسكان هذه المدن وزوارها رحلة مضنية، ويجعلهم يضطرون أحيانا إلى اللوذ باستعمال مراحيض محلات تجارية أو مقاه أو مطاعم أو فنادق. أليس من المخجل أن يشعر السائح فجأة أثناء تجواله بالرغبة في قضاء حاجته الطبيعية دون أن يجد الفضاء المناسب؟ فكيف والحالة هذه، أن تستمر المجالس الجماعية ووزارتي الداخلية والسياحة في التغاضي عن النداءات المتكررة قصد خلق مراحيض نظيفة ولائقة، خاصة أنها تصون كرامة الإنسان، تحمي صحته وبيئته، كما أنها تحافظ على جمالية المدن، ولاسيما أنها فضاءات ضرورية تقاس بها جاذبية المدن، وتساهم في تفادي انتشار الأوبئة والأمراض الخطيرة؟ وهل من المعقول أن يفكر المسؤولون في الترشح لتنظيم كأس العالم قبل التفكير في تجاوز أزمة المراحيض العامة؟ وفي هذا الإطار كشفت إحدى الدراسات عن معطيات صادمة، إذ أنه إلى جانب قلة المراحيض التي يوجد بعضها في حالة مزرية من حيث انعدام النظافة والصيانة وضعف الإنارة، هناك كذلك حوالي عشرة في المائة من سكان المدن المغربية يقضون حاجتهم الطبيعية في الشوارع أو الأماكن الخالية، وهو ما بات يسيء إلى صورة المغرب أمام السياح، علما أن المجلة الأمريكية "ذو هوليود ريبورتر" صنفته في أحد مقالاتها "أجمل بلد في العالم" و"مهوى أفئدة كبار المشاهير في العالم"، مبرزة من خلاله المؤهلات السياحية التي يزخر بها، وداعية قراءها إلى القيام بزيارته لاكتشاف سحره. فلا غرو إذن أن تتعالى أصوات الاستياء والتذمر من قبل فعاليات المجتمع المدني والجمعيات البيئية ومعها عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين لم ينفكوا يطرحون الموضوع على طاولة النقاش، يحذوهم الأمل الكبير في أن تتفاعل معهم الجهات المعنية دون جدوى، مما يضطرهم إلى العودة للاحتجاج والتنديد بالتقصير الحاصل في هذا الشأن وعدم تلبية مطلبهم، المتمثل في الدعوة المتجددة إلى إحداث مراحيض في الشواطئ المغربية خلال فصل الصيف، تجنبا لتلوث البيئة والإضرار بصحة المواطنين. وليست وحدها الشواطئ من تفتقر إلى مراحيض عمومية، بل إن الأزمة تعم كافة المدن المغربية بما فيها الكبرى والسياحية، حيث أن احتجاجات السكان وجمعيات المجتمع المدني تكاد لا تتوقف منذ عدة سنوات. لأن غياب هذه المرافق الصحية لا ينعكس فقط على المستوى البيئي والجمالي وصحة المواطنين، بل يسيء كذلك إلى صورة المغرب، مما يستدعي التعجيل بإيجاد حل لهذه المعضلة التي تؤرق الساكنة والزوار. ثم لم لا يتم مثلا إلزام المرافق الحيوية الجديدة كالأسواق والمرائب تحت أرضية والمنتزهات والمراكز التجارية وغيرها من الساحات والحدائق العمومية ضمن دفتر التحملات بضرورة توفير مراحيض عمومية، والقيام أيضا بإصلاح تلك القديمة وصيانتها.