تونس: بدا وسط العاصمة التونسية مقفرا في الساعات الأولى من صباح اليوم السبت بعد ليلة من التدمير والنهب في العديد من الأحياء في نهاية يوم تاريخي شهد رحيل الرئيس زين العابدين بن علي تونس بعد حكم بلا منازع دام 23 عاما. وكان بن علي غادر مساء الجمعة تونس تحت ضغط حركة الاحتجاج الشعبي المستمرة منذ شهر. واعلن الديوان الملكي السعودي في بيان بثته وكالة الانباء السعودية ان بن علي (74 عاما) في المملكة. وعاشت عدة احياء قريبة من وسط العاصمة ليلة من الرعب بسبب اعمال تخريب ونهب قامت بها عصابات ملثمين بحسب شهادات سكان مذعورين نقلتها القنوات المحلية طوال الليل. وفي الوقت نفسه، تضاربت المعلومات عن موعد انتهاء حظر التجول الذي قالت وكالة تونس افريقيا للانباء الحكومية انه سيرفع عند الساعة 06,00 (05,00 تغ) بينما قال التلفزيون الحكومي انه ينتهي في الساعة 07,00 (06,00 تغ). وأطلقت نداءات الى الجيش الذي يحمي بموجب حالة الطوارئ المعلنة الجمعة المباني العامة للتدخل العاجل ضد هذه العصابات بينما حلقت مروحيات للجيش ليلا فوق العاصمة. وقد تعددت الروايات بشأن هوية المسؤولين عن اعمال العنف والنهب. واشار بعض السكان الى عناصر ميليشيات سابقة على علاقة بمقربين من بن علي بينما قال آخرون انها من فعل مساجين حق عام فروا من مراكز اعتقالهم، واتهم البعض الاخر عناصر من الشرطة. وتعرض المركز التجاري الكبير "جيان" عند المدخل الشمالي للعاصمة التونسية، لعمليات نهب السبت غداة مهاجمته الجمعة، حسبما ذكر مصور لوكالة فرانس برس في المكان. وقال المصور ان عشرات الاشخاص يغادرون المركز وهم يحملون كل ما تمكنوا من الاستيلاء عليه في غياب اي وجود لقوى الامن. واضاف ان "مركزا قريبا للحرس الوطني خال حاليا". وكان هذا المركز التجاري احرق جزئيا الجمعة. وقال محمد الغنوشي الرئيس التونسي بالانابة في تصريحات الليلة الماضية لقناة تونس7 العامة ان اعادة النظام العام تشكل "اولوية قصوى". ولاحقا وردا على سؤال لقناة الجزيرة القطرية عن هوية المخربين الذين اشير الى تحركهم في عدة مدن تونسية اخرى، قال الغنوشي ان كل السيناريوهات ممكنة في ما يتعلق بانتماء تلك العصابات. وغادر بن علي تونس بعد شهر من حركة احتجاج شعبية اطلق عليها التونسيون اسم "ثورة الياسمين" وقمعت بشراسة مما ادى الى سقوط عشرات القتلى. وفي الوقت نفسه تقريبا اعلن رئيس الوزراء محمد الغنوشي في كلمة بثها التلفزيون توليه سلطات رئيس الجمهورية حتى اشعار آخر. وافادت وكالة الانباء الرسمية ان الغنوشي تولى مهامه بناء على "امر تفويض" من بن علي. وبلهجة جدية، دعا الغنوشي "كافة ابناء الشعب من مختلف الحساسيات الفكرية والسياسية والفئات والجهات" الى "التحلي بالوحدة لتمكين بلادنا التي تعز علينا جميعا من تخطي هذه الصعاب". واعلن اثنان من قادة المعارضة مصطفى بن جعفر زعيم المنتدى الديموقراطي للعمل والحريات، ونجيب الشابي الزعيم التاريخي للحزب الديموقراطي التقدمي استعدادهما للتعاون مع الغنوشي. وقال زكي العائدي مدير الابحاث في معهد الدراسات السياسية في باريس لمحطة فرانس-24 "انه اول رئيس عربي يدفع الى الهرب من السلطة تحت الضغط الشعبي". واكد "انه حدث كبير في منطقة في العالم تتسم بطول امد انظمة غير ديموقراطية". وقبيل ذلك، اعلنت الرئاسة الفرنسية ان فرنسا "اخذت علما بالعملية الدستورية الانتقالية" في تونس. وقالت في بيان ان "فرنسا اخذت علما بالعملية الدستورية الانتقالية التي اعلنها رئيس الوزراء الغنوشي"، مؤكدة انها "تأمل بالتهدئة وانهاء العنف". وفي واشنطن، اشاد الرئيس الاميركي باراك اوباما الجمعة ب"شجاعة" الشعب التونسي ودعا الى اجراء انتخابات نزيهة وحرة في البلاد بينما دعا وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ من السلطات التونسية الى بذل ما في وسعها لايجاد حل "سلمي" للازمة. كما دعا الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الى "تسوية ديموقراطية وسلمية" للازمة. وفي فرنسا عبر تونسيون عن فرحهم، لكن ببعض الحذر. وفي القاهرة انضم عشرات المصريين الى مجموعة من التونسيين يحتفلون برحيل بن علي، داعين مصر الى ان تحذو حذو تونس. ومنذ الخميس ضاعف الرئيس من دون جدوى، الاعلانات لانهاء شهر من اعمال الشغب والتظاهرات التي قمعت بعنف. لكن المتظاهرين طالبوا برحيل بن علي فورا ولم ترضهم وعودهم بمغادرة السلطة مع انتهاء ولايته الرئاسية الحالية في 2014. وتسارعت التطورات الجمعة. فقد اعلنت الحكومة حالة الطوارىء في جميع انحاء البلاد من الساعة 18,00 الى الساعة السادسة، ومنع التجمعات والسماح للجيش باطلاق النار على اي "مشبوه" يرفض تنفيذ الاوامر. وقبيل ذلك اعلن رئيس الوزراء في تصريحات نقلتها وكالة الانباء التونسية الرسمية ان الرئيس قرر "في اطار اجراءات اعلنت الخميس (للتهدئة) اقالة الحكومة والدعوة الى انتخابات تشريعية مبكرة خلال ستة اشهر". لكن هذه الاعلانات لم تضعف تصميم المتظاهرين الذين رفعوا لافتات كتب عليها "بن علي ارحل" و"خبز وماء بن علي لا". واندلعت الثورة الاجتماعية في تونس في 17 كانون الاول/ديسمبر ضد غلاء المعيشة والبطالة والفساد اثر انتحار الشاب التونسي محمد البوعزيزي (26 عاما) باضرام النار في نفسه في سيدي بوزيد (265 كلم جنوبتونس) احتجاجا على مصادرة عربته لبيع الخضار. وقد قال شقيقه سالم البوعزيزي بعد الاعلان عن مغادرة بن علي "الحمد لله ظهر حق اخي، ولم يذهب دمه هدرا". وحكم بن علي تونس منذ الانقلاب الابيض الذي قام به في 1987 واطاح سلفه الحبيب بورقيبة. واعيد انتخابه في العام 2009 لولاية رئاسية خامسة.