مهندس فرنسي أنشأ «تحفة الزائر في غرائب المناظر» في ضواحي مدينة سلا، «جارة» العاصمة المغربية الرباط، توجد واحدة من أكثر الحدائق غرابة، وهي نفسها تحمل اسم «الحدائق العجيبة»، وفيها من النباتات والأشجار ما يجعلها فعلا حديقة غريبة عجيبة. قصة إنشاء هذه الحديقة تعود إلى زيارة للمهندس الزراعي الفرنسي مارسيل فرنسوا إلى قرية بوقنادل، في ضواحي سلا في مطلع خمسينات القرن الماضي. كان فرنسوا قد جال في مختلف أنحاء العالم قبل أن يستقر به المقام في المغرب. ولقد عرف عن فرنسوا ولعه بالمناظر الطبيعية، والحدائق بصفة خاصة. وعام 1951 اختار الإقامة في منطقة بوقنادل، وقرر أن يجلب لها أكثر النباتات ندرة في العالم، وكان هو مؤسس هذا البساط الساحر الغريب. وحسب المعلومات المتوافرة عنه، كان فرنسوا يغرس 500 زهرة يوميا، كما جلب غزلانا ولقالق وثعالب وثعابين إلى المنطقة، وعمل أيضا بمساعدة 40 عاملا على زراعة الأرض. وإثر عمليات الحفر اكتشف طبقة من الصلصال بإمكانها أن تتحمل مستويات مائية معينة، وبالتالي، شيد المهندس فرنسوا حوضا مائيا ملأه بالأسماك الاستوائية، وأنشأ 10 برك مائية تحيط بكل منها أكواخ وقناطر من الخيزران، وجعل فيها نباتات مائية جلبها من مختلف أنحاء العالم. وحتى لا تتعفن هذه البرك فتجلب البعوض وغيره من الحشرات، وضع فيها أسماكا شفافة وصغيرة تسمى «البرغش» تقتات على يرقات البعوض وبيض الحشرات. وبعد وفاة فرنسوا، تحول المنزل الذي كان يسكن فيه إلى متحف يحتوي على الصور التي كان يلتقطها كلما أعجب بمشهد من مشاهد هذه «الحدائق العجيبة». وحقا كانت هذه الصور خير مؤرخ للمراحل التي مر بها بناء هذه الحدائق، وخير شاهد عليها، وعلى زيارات الوفود الرسمية إلى هذا الموقع. ولقد صنف هذا الموقع موقعا للتراث الطبيعي كونه يضم ما يزيد على ألف نوع من النباتات الغريبة جدا، بعضها من النباتات النادرة في العالم أو المنقرضة، التي يرجع موطنها الأصلي إلى أقاصي قارات العالم.. لكنها اجتمعت كلها في «الحدائق العجيبة». أما النوع الثاني من الحدائق الذي يضمه هذا الفضاء الساحر فيتعلق ب«الحدائق الثقافية» - أو «حدائق الذكاء» - وهي عبارة عن أماكن خضراء ذات طقوس وألوان ثقافات متجذرة في التاريخ، تخاطب المعرفة الإنسانية وفلسفة الوجود، وترتقي بذوق الزائر في فن العيش. وفي هذا الإطار يصادف الزائر «حديقة الأندلس» و«حديقة الصين» و«حديقة اليابان» و«حديقة الكونغو» وغيرها، كذلك توجد حدائق تعليمية، تضم مطيرة ومبنى للزواحف، ومجموعة من الطيور البرية البديعة مثل النحام الوردي الأوروبي، والتدرج من آسيا، والببغاوات من أفريقيا وأستراليا. أما الهدف فهو الجمع بين الحيوانات والنباتات التي تمثل كائنات النظام البيئي.. كتمهيد للتعرف على التنوع البيولوجي في العالم. وتقترح الحدائق على زوارها دورتين مشيا على الأقدام؛ لأنهما تجلبان فوائد صحية عدَّة، حسب الأعمار والطاقات. الدورة الأولى طويلة وتطول لساعة ونصف الساعة يتتبع فيها الزائر لوحات بعلامات حمراء، والثانية قصيرة مدتها 45 دقيقة وتنظم المرور بمسالكها لوحات بعلامات زرقاء، وهذا إلى جانب جولة لا تتجاوز مدتها 30 دقيقة تحددها علامات خضراء اللون. على صعيد آخر، زودت الحديقة بحاويات خشبية خاصة لجمع النفايات وإعادة استعمالها - أو «تدويرها» - وكذلك حاويات لتخزين الأسمدة العضوية المخصصة لتسميد النباتات في الحدائق. كانت «الحدائق العجيبة» قد شهدت عملية إعادة تأهيل وترميم لمرافقها بادرت بها «مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة» من منطلق حرصها على جعلها محمية للنباتات الغريبة. وقبل فترة أعطت «المؤسسة»، بالتعاون مع سفارة هولندا في المغرب، إشارة إطلاق العمل في «ممر تعليمي» يتكون من 5 حلقات جرى تثبيتها على شكل لوحات في أماكن مختلفة من «الحدائق العجيبة». وأوضح إبراهيم حدان، مدير الحدائق، هذا الجانب بقوله: «إن الهدف من هذا الممر التربوي والتعليمي يتمثل في تنوير الزوار، لا سيما الأطفال وتلاميذ المؤسسات التعليمية، بأهمية المحافظة على البيئة». وأضاف: «إن هذه الحلقات ذات المواضيع المختلفة ستسهم في شرح وتبسيط عملية دخول الزوار إلى مختلف مسالك الحدائق». وأشارت اعتماد الزائر، من «مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة»، من جهتها، إلى أن «المشروع يندرج ضمن استراتيجية المؤسسة الرامية إلى الاشتغال بمواضيع بيئية آنية»، مشيرة إلى إمكانية إنشاء حلقات إضافية أخرى في «الحدائق العجيبة» تتضمن مواضيع جديدة. سلا: رشيد بغا