طائرة الخطوط الملكية المغربية، القادمة من دوحة قطر، تحط رحالها بمطار سلا، ترش بالماء تبركا، واحتفاء...بابها يفتح، فإذا الأسود وذويهم يهبطون تباعا، استبدلوا القمصان الحمراء والبيضاء، ببذلات وربطات عنق أنيقة، لكنهم احتفظوا بأحذية رياضية بيضاء لتذكير الجميع بسحر أقدامهم، وبسحر مداعباتهم للساحرة... منظر الأمهات والزوجات، يستمر، فكل لا عب بجانبه "بركة"، أو "قوارير"...مصدر الالهام والفخر، فكرة العائلة التي توحد الجميع، العائلة الصغيرة التي تنصهر في الوطن...العائلة الأكبر... حافلة مكشوفة تضم الجميع، ويبد أ المسير، مسير الاحتفال...الجمهور لم يكن بعيدا، فالشعب الأبي خرج عن بكرة أبيه، في هدير غريب، في مسيرة جديدة، لتعانق الأسود...العلم الأحمر المتوسط بنجمة خماسية خضراء يرفرف عاليا خفاقا...تتحرك الحافلة، وتتحرك الحناجر معها، هتافات، صراخ، تحية، مشاعر متبادلة... على كل جنبات الطريق، الأجيال حاضرة، والسعادة تملء الأرجاء...هذا يوم للتاريخ، وهذا يوم من أيام السعد...لا يتعلق الأمر بقطعة من الجلد، لا يتعلق الأمر بهزل...بل بانتصار، بل بحظوة بين الأمم، بمكانة سامقة لا تدرك إلا بالجد...و"بالنية" على حد قول الركراكي... في انسجام تام، أنوار الرباط، وعمارتها، وخضرتها...يخترقها صوت محرك حافلة حمراء، محاطة بحراس المملكة، أمنها الساهر على راحتها...وعلى طول الطريق، الحشود لا تنضب، لا تقل...لا تمل، ولا تكل...فقد حانت لحظة معانقة الأبطال...البعض عرفهم بأحفاد طارق، وتاشفين...وشبه نزالهم الرياضي بفتح الأندلس، والزلاقة والأرك...استعادة للتاريخ، لأننا أمة لها تاريخ، لها ذاكرة، ولها مجد تليد...لم تخلق بمرسوم، ولم تكن ولادتها صدفة من صدف التاريخ السيء ومَكره... يقترب الموكب، من القصر الملكي العامر، أمة تُعرف من خلال شعبها وملكها...بتلاحمهما، بثورتهما المشتركة ذات يوم...بالوفاء لبعضهما البعض...بالقسم الذي يربط بينهما: قسم المسيرة، ورباط البيعة، والتعاقد على الدستور...يجد الجميع "أب الأمة"، رمز العائلة...وعائلته الصغيرة تنتظر "أبنائها البررة"...صناع الفرح والمجد...في لحظة من الصفاء الصادق، البعيد عن التكلف، المطلق للبروتكول، الذي ترك للجميع إمكانية التصرف على هواه...الكل سلم على جلالته، بتلقائيته، بالطريقة التي رغب فيها....وجلالته ينصت، يبادل الابتسامة والتحية بأحسن منهما... لا بد للمرأة من مكان في كل هذا...فكرة العائلة التي استرعت اهتمام الغرب، الذي فقد هذا الحضن منذ زمن...يعاد إنتاجها في إخراج بديع...يُصر جلالته على أن تكون الأمهات والزوجات في الصورة التذكار...في الصورة التأريخ والتاريخ...حوارات على الهامش...عطف الأب، رقته، حنيته تُلمس عن قرب...هذا ليس بالغريب، ولا بالبدع، على ملك الفقراء، مُبدع المدونة، المنصت إلى هموم ونبض شعبه... أوسمة تزين صدور الأبطال...أبطال تمسكوا بموطنهم الأصل...قاوموا الإغراء والضغط الرهيب، وصنوف الحرب النفسية...ولكنهم لم يبدلوا تبديلا...أحبوا وطنهم، لأن حب الوطن من الإيمان...إنهم لا ينتمون إلى "الأممالمتحدة" كما قالت أصوات حقد غادر...بل ينتمون إلى هذا الوطن الكبير، الذي يتسع لأبنائه جميعا...سواء الذين اتخذوا من ترابه معاشا...أو أولئك الذين كتب عليهم ابتلاء هجرته... حفظك الله يا مغرب الشموخ، مغرب الانتصارات...وكثر الله حسادنا...