منذ الزيارة التي قام بها السلطان محمد بن يوسف إلى فاس، والاستقبال الشعبي الذي خصص له من طرف سكان هذه المدينة، بدعم وتنظيم ناشطي وقيادي الحركة الوطنية، دخلت الزيارات الملكية ضمن آليات تحكم السلطة المركزية في مجالها السياسي بالمغرب. فالصفة الملكية التي أطلقت على السلطان محمد بن يوسف، الذي أصبح يلقب بمحمد الخامس خلال هذه الزيارة، فرضت منذ ذلك الوقت التواصل المستمر بين (شخص الملك وشعبه)، ووسعت مجال تحركاته أمام القيود التي كانت تفرضها عليه سلطات الحماية، لتشكل بعيد الاستقلال آلية من آليات التواصل السياسي المباشر بين الملك وبعض مكونات مجاله السياسي، وأداة من أدوات تفقده للشؤون الجهوية والمحلية. الزيارات الملكية وإعادة توحيد المجال السياسي كانت الزيارة الملكية إلى طنجة سنة 1947، والخطاب الذي ألقي أمام الحشود بهذه المناسبة؛ والاستقبال الشعبي الذي خصص للملك وباقي أفراد عائلته، خطوة كبرى من أجل تقوية موقعه السياسي؛ الشيء الذي أثار مخاوف سلطات الإقامة العامة، وزاد من تحفظها وحذرها من هذه الزيارات الملكية، التي كانت بدعم وتنظيم قوى الحركة الوطنية. وقد وصف لنا علال الفاسي، في كتابه "الحركات الاستقلالية في المغرب العربي"، الترتيبات التي اتخذت بِشأن الزيارة الملكية إلى طنجة، إذ كتب في هذا الصدد ما يلي: صاحب الجلالة يغادر الرباط: أصبحت مدينة الرباط مزدانة كلها بالأعلام والزينة، والمرح على وجوه سكانها الذين احتشدوا في الشوارع التي يمر منها الموكب في طريقه إلى القطار الذي ينقل الجناب الشريف إلى طنجة، وما أزفت الساعة السابعة وخمسون دقيقة من صباح يوم الأربعاء التاسع من شهر أبريل سنة 1947 حتى دوت ساحة المحطة بعاصفة من الهتاف، وكان في طليعة الموكب الشريف أمير الأطلس، ولي العهد مولاي الحسن، وصاحبة السمو الأميرة عائشة، والأمير مولاي عبد الله. وقد نزل سيدنا نصره الله صحبة ولي عهده من سيارته، فتقدم للسلام عليه المقيم العام، والكاتب العام للحماية، والقائد الأعلى للجيش؛ ثم صدحت الموسيقى بالنشيد الملكي. وما إن وصل سيدنا إلى باب المحطة حتى تعالت الهتافات بحياة جلالته وحياة شعبه الأبي، وهو نصره الله يحيى الجماهير بيده الكريمة. وكانت جدران المحطة مزدانة بالرايات والبسط السندسية، والأرض مفروشة بالزرابي المتنوعة، ثم تقدمت الهيئة الوزارية لأداء تحية الإخلاص، وتبعها بعض باشوات المغرب وكبار قواده، فأعيان العدوتين (الرباط وسلا)، ثم بقية أفراد الحاشية الملكية التي رافقت جلالة الملك في رحلته، وهي مركبة من ممثلي سائر طبقات الأمة، ويبلغ عددها خمسة وستين عضوا. وقبل أن يتحرك القطار أدى الحرس الشريف مراسم التحية، ثم سارت القطر في وسط هتافات الجماهير الحارة. وكانت المحطات التي يمر بها القطار كلها مليئة بالرعايا المخلصين، الذين انتهزوا فرصة مرور ملكهم لتحيته والإعراب له عن ولائهم لعرشه الكريم. وما إن وصل الموكب إلى عرباوة (الحد الصناعي بين جزئي المغرب) حتى امتلأ الجو تصفيقا وهتافا من آلاف إخواننا المحتشدين لتحية عاهلهم العظيم. وقد تقدم للسلام على مولانا مولاي محمد، صنو سمو الخليفة، ووزير العدل بالمنطقة الخليفية، ورئيس التشريفات، والجنرال لاريا، ومدير الشؤون الوطنية، والوزير الإسباني المفوض، ورئيس ديوان المندوب السامي الإسباني. ثم رافق الكل جلالته إلى مدينة (أصيلا)، التي بلغها القطار في الساعة الواحدة وعشر دقائق. ولاء المنطقة الخليفية وجد جلالة الملك في استقباله سمو الخليفة، ونجله مولاي المهدي، والمندوب السامي الإسباني، والمسير ايريك لابون، مقيم فرنسا العام، ووفود القبائل والمدن المغربية. وكان سمو الخليفة أعد حفلة غذاء فاخرة، تجلت فيها مظاهر الأبهة والعظمة، وتفضل مولانا فدعا لتناول الغذاء معه سمو الخليفة، وعددا كبيرا من رجال المخزن بالمنطقة الخليفية، من بينهم الأمير مولاي المهدي. وبعد تناول الغذاء، استقبل جلالته رجال الصحافة العربية والأجنبية، وأفضى لهم بالتصريح الآتي: "ها أنتم ترون أن المغرب أمة واحدة، بل عائلة واحدة، وأن أمنية الأمة المغربية التي ستحقق بعون الله هي أمنية جميع الأمم العربية؛ إذ الشعوب العربية أمة واحدة". ثم تناول الموكب الملكي الشاي في قاعة أعدت لذلك، فألقى الأستاذ إبراهيم الألغى قصيدة بين يدي جلالة الملك. وفي نهاية المأدبة تقدم صاحب السمو الملكي الخليفة مولاي الحسن فألقى خطابا جاء فيه: "إن لبلادنا تاريخا مجيدا، وإن أمير المؤمنين بالغ بحسن قيادته للمرمى السامي الذي يسترجع مجدها الغابر تحت ظل جلالته؛ لأن المغرب أمة واحدة لا تعترف إلا بعاهل واحد ستصعد في عهد جلالته مدارج الرقي، فنرجو الله أن يعين جلالتكم في ما تقومون به من أعمال". ثم غادر الملك (أصيلا) إلى المحطة حيث ودعته جماهير المنطقة الخليفية، وسمو الخليفة، والولاة المغاربة والإسبان وكذلك المسيو لابون، الذي عاد إلى الرباط. ولاء المغرب المتحد وفي الساعة الرابعة تحرك القطار فوصل إلى طنجة في الخامسة، وما إن رسا الركب الملكي حتى أرسلت ثلاث بوارج حربية برتغالية مائة طلقة وطلقة إيذانا بوصول الركب المولوي، ثم صعد سعادة مندوب السلطان إلى القطار، حيث سلم على صاحب الجلالة، وقدم لمقامه الكريم ممثل الولاياتالمتحدة، ووزير بريطانيا، الذي هو رئيس لجنة المراقبة، وأعضاء لجنة المراقبة، والأميرال البرتغالي والي المدينة. وكانت الجماهير الغفيرة محتشدة في جوانب المحطة وساحتها، والطريق المؤدية إليها، والهتافات تتعالى من الأرض وترتفع من السطوح والمنافذ في سرور وانتشاء.. وما إن ظهر محيا مولانا للعيان حتى امتزج هدير المدافع بألحان الموسيقى وزغاريد النساء وهتافات الجمهور وتصفيقه. ولم يستطع الموكب الشريف اختراق تلك الأمواج البشرية التي كانت تلوح بالرايات الحمر المختومة، والتي غمرت الشوارع المزدانة بالزرابي والأعلام وأقواس النصر إلا بجهد جهيد. وكانت الخمسون سيارة التي لوحظت من بينها سيارة "العلم"، وسيارة "رأى الشعب"، وسيارة "رسالة المغرب"، تسير ببطء كبير وسط النسمات المتماوجة حتى وصلت إلى قصر سعادة المندوب. وفي جملة، فقد أعطى سكان طنجة المغاربة البرهان الساطع على تعلقهم بالعرش المغربي وعاهلهم العظيم، وفي المساء أطلقت شهب اصطناعية بديعة في حفلة نظمتها بلدية المدينة.. ". الإمام المجدد بالمسجد الأعظم وفي يوم الجمعة 11 أبريل توجه جلالة الملك للصلاة بالمسجد الأعظم في موكب رسمي حافل، وقد فاجأ رعيته الكريمة بمنة عظيمة، فألقى خطبة الجمعة وأم الناس بنفسه، محييا بذلك سنة الخلفاء الراشدين التي اندثرت منذ عهد غير قريب، وقد اهتزت لهذا المشهد أفئدة المؤمنين، وانتعشت أرواحهم وانطلقت ألسنتهم بالتكبير والتهليل. وقد بين سيدنا نصره الله في خطابه الديني السر في نجاح السلف الصالح، وهو تمسكهم بتعاليم الدين الحنيف، الذي أتاح لهم أن ينقذوا العالم من مخالب الجهل ونير الاستبداد، وأن يبينوا للإنسانية قيمة الحرية الشخصية، ويعرفوها بالحقوق البشرية، ثم عرج نصره الله على ما لاقاه صلى الله عليه وسلم من مصاعب، واجهها عليه السلام بعزيمة ثابتة ورباطة جأش؛ ثم ذكر أيده الله ملكه أن الأمة الإسلامية لا تعيش عزيزة الجانب إلا إذا اجتمعت كلمتها، واتحدت قلوبها بتعليم القرآن المبين، ثم تلا قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم). وفي الخطبة الثانية شرح الملك حديث (الدين نصيحة)، ثم ختم بالدعاء لجميع ملوك المسلمين ورؤسائهم. وهكذا بعد أن أكد مولانا سلطته الزمنية في طنجة المغربية، وطد دعائم سلطته الروحية على هذا الجزء من مملكته الشريفة العربية المسلمة. ولم يكن سيدنا نصره الله في هذا كله إلا مترجما عن الاتجاه الشعبي لرعيته الكريمة، التي تريد أن تكون حركتها التجديدية شاملة كل مظاهر حياتها الروحية والمادية. هدايا الشعب لمليكه وعقب صلاة الجمعة توجه الملك وموكبه الكريم للسوق البراني، حيث تقرر أن يكون حفل الهدية التقليدي، فقدم أولا أهالي طنجة المسلمون سيفا نصله صيني وغشاؤه من ذهب، وقد كتب عليه (الإخلاص والولاء)، ومعه هدية ثمينة لولي العهد، هي كرة أرضية تحتوي على أجهزة لتعديل الوقت والحرارة والرطوبة، وإلى سمو الأميرة عائشة عقد من الجواهر الفاخرة، ولسمو الأمير مولاي عبد الله ساعة بديعة. وأهدت الطائفة الإسرائيلية المغربية بطنجة أواني شرب الشاي، وكلها من الفضة الخالصة، وأعربت عن ولائها وإخلاصها للعرش العلوي وتعلقها بجلالة الملك. أما أهالي تطوان، فقد تقدم وفدهم بهدية رمزية عظيمة، هي خريطة المغرب المتحد مصنوعة من الفضة الخالصة، وكتابتها من ذهب خالص، ومعها صندوق من ذهب ملئ بتراب أخذ من جبال المنطقة، وكتب عليها العبارات الآتية: "بمناسبة زيارة الملك لطنجة يقدم أهالي تطوان هذا التراب المخضب بدماء الشهداء الأبطال، كرمز لوحدة المغرب تحت العرش العلوي المجيد". وقد تكلم الأستاذ عبد الخالق الطريس وسط الجماهير الهاتفة بحياة المغرب فقال: "إلى حامي الملة والدين باسم هذا الجبل الذي لا يتزحزح من مملكتكم السعيدة نتقدم بإجلالنا وتعظيمنا وولائنا لأمير المؤمنين، راجين من مولانا أيده الله ونصره أن يتقبل هذه الهدية المتواضعة كرمز لمحبتنا وإخلاصنا لعرش أسلافكم الخالد. يا مولاي إننا بكم نهتدي وبمثلكم نقتدي". وفي جملة فقد كانت مظاهرات طنجة عظيمة الدلالة على وحدة المغرب الأقصى الراسخة، وعلى رغبته في الاستقلال التام والوصول إلى أمانيه التحريرية برعاية ملكه الهمام، الذي لا يألوا جهدا في السير به إلى الأمام...". العودة للرباط "وفي صبيحة يوم الأحد غادر الموكب الملكي طنجة عائدا إلى عاصمة الملك، مودعا بمثل ما قوبل به من الحفاوة والإجلال، وقد كان في انتظار مولانا بعرباوة سمو الخليفة مولاي الحسن، حيث تناول الغذاء صحبة جلالة الملك هناك، ثم دشن جلالة السلطان مسجد عرباوة، ثم امتطى سيارته الملكية إلى أن وصل سوق أربعاء الغرب، حيث قام جلالته بتدشين مدرستها في وسط مظاهرات شعبية منقطعة النظير، شاركت فيها فرقة طارق بن زياد، إحدى فرق الكشافة التابعة لحزب الاستقلال، وفي الساعة السادسة والخمسين دقيقة من مساء اليوم نفسه وصل صاحب الجلالة إلى الرباط، حيث وجد الشعب محتشدا لاستقبال عاهله العظيم، وكله شوق لرؤية محياه الكريم". من خلال هذا الوصف المسهب، يتضح أن هذه الزيارة التي قام بها الملك محمد الخامس هي التي عززت وضعه السياسي، وأعادت له سلطاته كملك لكل البلاد، وكرمز للوحدة الترابية. فهذه الزيارة كانت بمثابة ترسيم سلطة هذا الملك على مكونات المجال الترابي، الذي كان مقسما وموزعا بين سلطتين استعماريتين، وانفلاتا من القيود التي كانت مفروضة على تحركاته. كما اكتست هذه الزيارة دلالة سياسية ورمزية، إذ كانت بمثابة تكسير من الملك للحدود التي كانت تفصل بين شمال وجنوب مملكته. وقد سار الملك الحسن الثاني ومحمد السادس على النهج نفسه؛ إذ كانت الزيارات الملكية للأقاليم الجنوبية بمثابة تكريس ضم هذه الأقاليم للوطن، وتدعيما لوحدته السياسية. وفي هذا السياق كتب أحد الباحثين ما يلي: (كان يوم 13 مارس1985 مشهودا في تاريخ مركز الطاح، الذي حل به جلالة المغفور له الحسن الثاني، علما أن هذا المركز كان يشكل الحدود الوهمية بين الصحراء المغربية على عهد الاستعمار الإسباني وباقي الأراضي المغربية في الشمال. وفي تلك المناسبة أزاح جلالة المغفور له الستار عن نصبين تذكاريين أقيما تخليدا لزيارة السلطان الحسن الأول لهذا الإقليم (12 ماي 1886) وزيارة جلالة المغفور له الحسن الثاني (13 مارس 1985). وفي اليوم ذاته، عاشت مدينة العيون لحظات تاريخية، إذ خصها جلالة المغفور له الحسن الثاني بأول زيارة رسمية له منذ استرجاع الأقاليم الصحراوية. وكان أبرز نشاط لجلالته في هذه المدينة قيامه يوم 16 مارس، بوصفه القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، بأول زيارة للجدار الأمني الواقع على بعد حوالي 40 كلم جنوب بوكراع بإقليم لعيون، حيث تفقد جلالته إحدى نقط الدعم. وبالعيون دائما ترأس جلالة المغفور له الحسن الثاني في 17 مارس اجتماعا للمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، والمجلس الجهوي للمنطقة الاقتصادية الجنوبية، التي تضم أقاليم أكاديروالعيونوكلميم وطانطان وتارودانت وطاطا وورززات وتزنيت والسمارة وبوجدور ووادي الذهب، ألقى خلاله جلالته خطابا عرف فيه بمراحل استرجاع المغرب لجميع أقاليمه، والمناورات التي يخلقها أعداء وحدته الترابية، والخيرات التي تتوفر عليها الأقاليم الجنوبية؛ فضلا عن تفقد جلالته للقاعدة الجوية الرابعة بالعيون، وتوشيحه لعدد من الشخصيات(...). وحرصا على مواصلة العهد، خص صاحب الجلالة الملك محمد السادس المناطق الجنوبية بعدد من الزيارات، بدأها بالعيون التي أطلق منها جولة بهذه المناطق، حيث اطلع بها في فاتح نونبر 2001 على عدد من المشاريع التنموية بمختلف أقاليم الجنوب، وزار كذلك الميناء الجديد للداخلة، الذي يعد أكبر إنجاز مينائي بالأقاليم الجنوبية. وفي 30 نونبر من السنة ذاتها، زار جلالة الملك مدينة السمارة، التي دخلها دخولا رسميا، وتفقد بها جلالته المستشفى الإقليمي، واطلع على عدد من المشاريع الاجتماعية التي تشرف عليها مؤسسة محمد الخامس للتضامن. وشرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس مدينة الداخلة بزيارة أخرى بتاريخ 5 مارس 2002 حيث ترأس بها جلالته مجلسا للوزراء، قبل أن يلقي في اليوم الموالي خطابا بالعيون، أكد فيه أن المغرب لن يتنازل عن شبر واحد من تراب صحرائه، معلنا أيضا عن إحداث وكالة خاصة بتنمية الأقاليم الجنوبية. وكانت كلميم حلقة جديدة من مسلسل الزيارات الملكية إلى المناطق الجنوبية، حيث قام بها جلالة الملك محمد السادس بدءا من 29 شتنبر2005 بعدة أنشطة، يندرج أغلبها في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. لذلك فإن الزيارة الملكية الحالية للأقاليم الجنوبية تشكل حلقة أخرى في مسلسل لقاءات جلالة الملك برعاياه في هذه الربوع من الوطن الموحد، ودفعة جديدة لتنمية هذه الأقاليم وتأهيلها، حتى تساهم في تكريس بناء مغرب متراص وقوي بكافة أبنائه وجهاته.). الزيارات الملكية كآلية لتدعيم الشعبية السياسية تشكل الزيارات الملكية آلية من آليات التواصل السياسي المباشر بين الملك وبعض مكونات مجاله السياسي، وأداة مراسيمية إستراتيجية للمؤسسة الملكية في دعم شعبيتها السياسية وتكريسها. وهكذا تم الاهتمام الرسمي بعيد الاستقلال بإحاطة كل الزيارات الملكية إلى الأقاليم المختلفة بالبلاد بمجموعة من الإجراءات المراسيمية، تتمثل خاصة في: - تكليف ممثلي السلطات المحلية في كل إقليم أو منطقة سيزورها الملك بحشد الحشود التي ستصطف على جنبات الممرات والشوارع التي سيمر منها الموكب الملكي، وتزويدها بكل اللافتات والصور الملكية. - تجميل معالم المدينة أو المنطقة التي سيزورها الموكب الملكي بكل مظاهر الزينة، من شارات ورايات ولافتات، تتوسطها شعارات وكلمات الترحيب والولاء للعرش العلوي. - تخصيص ساحات عمومية لاستقبال الملك وفرشها بمختلف الزرابي المغربية بألوانها الحمراء الزاهية؛ وتحديد أمكنة خاصة لوقوف الحرس الملكي ومختلف الفرق الفلكورية، وكذا إقامة المنصة الرسمية التي سيلقي منها الملك خطابه أو كلمته التوجيهية. - تحديد مكان خاص لوقوف ممثلي السلطة المركزية (من وزراء وكتاب دولة…) وممثلي السلطة المحلية (من ولاة ، وعمال، وباشوات وقواد، ورؤساء المجموعات الحضرية) وأعيان المدينة أو الإقليم. وعادة ما يدخل الملك المدينة أو الإقليم على متن السيارة الملكية التي يركبها إلى جانب ولي العهد وباقي الأمراء، أو إحدى الشخصيات السياسية الأجنبية التي تكون مرافقة له، من ملوك ورؤساء لدول "صديقة أو شقيقة"، وسط هتافات الجماهير وزغاريد النساء، وأناشيد أطفال المدارس؛ وأهازيج الفرق الفلكلورية وموسيقى الحرس الملكي بزيه الأحمر المزركش، وتحيات الحرس البلدي بزيه الأبيض، وتعاليق المذيعين الرسميين. وبعدما تصل السيارة الملكية إلى المكان المحدد لوقوفها؛ يقوم أحد مرافقي الملك بفتح الباب الموجود على الجهة اليمنى للسيارة؛ لينزل الملك محاطا بحراسه الخاصين؛ فيستقبل من طرف أعضاء النخبة السياسية المحلية؛ الذين عادة ما ينحنون لتقبيل يد الملك واحدا تلو الآخر، وفق ترتيب بروتوكولي مضبوط. وقد جرت العادة أن يتم نقل مختلف هذه المراسيم إذاعيا وتلفزيا ضمن الأنشطة الملكية، التي تحظى دائما بالأولوية ضمن مواد النشرات الإخبارية الإذاعية والتلفزية. وهكذا يتم بث هذه المراسيم إما بشكل مباشر أو غير مباشر؛ وبتغطية شاملة لمختلف أطوار الزيارة الملكية للإقليم المعني، إذ تنقل صور جلالة الملك وهو يرد بيديه على تحايا وتصفيقات وزغاريد الحشود المصطفة من أعلى السيارة الملكية التي تتقدمها دراجات الدرك الملكي ببريق أضوائها، وخلفها سيارات الحرس الخاص للملك، الذين يقفزون إلى الأرض بمجرد قرب وصول السيارة الملكية إلى المكان الذي حدد لتوقفها، ليلتفوا حول الملك بمجرد نزوله منها. من خلال هذه المراسيم التي تحيط بالزيارات الملكية إلى منطقة من المناطق أو مدينة من المدن، يتم الحرص على تأكيد روح التواصل بين الملك ورعاياه، الذي قد يصل في بعض الأحيان إلى المصافحة بالأيدي، والاقتراب من الحشود وتجاوز الحواجز الأمنية، لإظهار هذا التواصل الذي يجمع بين الملك وشعبه. فكما يتم الحرص وفق المراسيم المخزنية على أن يتخذ لقاء الملك بأعضاء نخبه السياسية والإدارية والعسكرية طابعا جسديا وفيزيقيا، من خلال تقبيل يد الملك أو كتفه، يكون لقاء الملك بأفراد الرعية من خلال المصافحة أو التلويح بالأيدي، في إشارة إلى أن العلاقة التي تجمع بين الملك والشعب ليست علاقة تعاقدية وتجريدية، بل هي قبل كل شيء علاقة شخصية وعائلية وفيزيقية. الزيارات الملكية وتفقد الشؤون المحلية إن الملك حسب المقتضيات الدستورية والعرفية هو صاحب السلطة الحقيقية، فهو الذي يعين كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، بما فيهم الولاة والعمال في مختلف أقاليم وجهات المملكة. وبالتالي فإن الزيارات الملكية إلى بعض الأقاليم غالبا ما تكون لتدشين بعض المشاريع، والاطلاع عن كثب على سير بعض المشاريع المنجزة فيها. فالملك لا يكتفي باتخاذ القرارات من العاصمة، بل يحرص بين الفينة والأخرى على تنظيم زيارات إلى بعض أقاليم المملكة. وهكذا، شكلت هذه الزيارات، خاصة في بداية حكم الملك محمد السادس، آلية من آليات تسيير الشؤون المحلية. فقبل كل زيارة ملكية إلى منطقة ما عادة ما يتم إرسال قسم هام من الفرق الأمنية المختلفة إلى المنطقة أو الإقليم الذي سيزوره الملك لتدعيم الأجهزة الأمنية هناك، وتأمين كل الشروط الأمنية الخاصة بهذه الزيارة. كما يتم التهيىء لهذه الزيارة الملكية من خلال قيام بعض مستشاري أو مستشارات الملك بزيارة للإقليم للوقوف على حجم الاستعدادات والترتيبات المتعلقة بهذه الزيارة، وتحديد المشاريع التي سيدشنها الملك، والتنسيق مع ممثلي السلطة المحلية بهذا الشأن. وبالتالي، فقد أصبحت هذه الزيارات تشكل ضغطا على مختلف الأجهزة والسلطات المحلية للأقاليم، إذ تحرص هذه الأخيرة على أن تمر هذه الزيارة في أحسن الظروف، فتقوم بمضاعفة جهودها من إعادة تبليط الشوارع، وصباغة الممرات والطرق والأمكنة التي من المرجح أن يمر منها الموكب الملكي. ونتيجة لهذا الوضع، فكثيرا ما شكلت زيارة الملك لبعض الأقاليم مناسبة لإقالة بعض المسؤولين، أو توبيخهم، إما بسبب التقصير في اتخاذ بعض الإجراءات، أو البطء في سير بعض الأشغال، أو التأخر في إنجاز بعض المشاريع في الإقليم. وفي هذا السياق، تم عزل بعض ممثلي جلالة الملك خلال أو على هامش بعض الزيارات الملكية لبعض الأقاليم، كما حدث بالنسبة لعزل عامل إقليمخنيفرة في إحدى زيارات الملك محمد السادس لهذا الإقليم.